الأحد، 5 يونيو 2011

الثوّار في ليبيا يهزمون مرتزقة الثقافة

لم يدعُ مثقف ليبي واحد إلى الثورة أبداً، مثلما لم يفعل أي مثقف عربي، في تونس ومصر واليمن وسوريا، وإنْ كتب بعضهم شيئاً من هذا، قبيل تفجّر ثورة 17 فبراير في ليبيا، فإنه لم يكُ سوى تحصيل حاصل لواقع اجتماعي أجاد قراءته، بعد تنادي الليبيين على صفحات الفيسبوك، ومن خلال احتكاكه بفئة الشباب وملامسته للإصرار البادي في همّتهم، فهم خرجوا على نظام "القذافي" ثائرين ومتأثرين بالتجربتين الثوريتين التونسية والمصرية، اللتين كما أخبرتكما، لم يكُ لأي مثقف فيهما أي تأثير عليهما أيضاً.
الجميل في الثورة الليبية، إنها لم تكُ مؤدلجة، والأجمل من هذا، أنها أفقدت العديد من مُدعي الثقافة حقّ الوصاية، الذي حاولوا أنْ ينتزعوه من إرادة العوام، بكتاباتهم التي لم ترتقَ في يوم ولا مرة إلى الدعوة إلى الثورة لا سراً ولا علانية، فكانت مجرد تعبيرات سقيمة مُقلدة لما جاد به المثقفون العرب من عهود سابقة تكرّس مبدأ المعارضة في شخوصهم لا أكثر ولا أقل، ومهما علت مستويات الكتّاب والمثقفين لدينا، فهي لم تصل البتّة إلى درجات النقد المباشر، الذي يستهدف رأس السلطة، الذي وظب عليه الأولون في بلدانهم، ومع اعترافي بهذا الجهد الشجاع والصبور، الذي بذله مثقفون عرب كبار مثل "الماغوط" و"مطر" و"شكري" وغيرهم، إلا أنني لم ألمس يد الجدوى، قد نتجت عن كتاباتهم، بسبب تعطيل الدافع الذاتي لدى الجماهير العربية- وقصورها عن المواجهة- التي خُدِرت بحقن الخوف والرعب، واتكأت طويلاً على جدار الخوف منتظرة الفرج من مثقف، يفتح لها فـُرجة في هذا الحائط، لكنه لم يحضر، فعوّلت على معاولها وأزاميلها، ودكّته دكاً بثورتها غير عابئة بالقادم الذي لم يأتِ.
الكثير من المثقفين في "ليبيا" في هذه الآونة، راحوا يسوّقون لأنفسهم ويعلنون عن انضمامهم إلى الثورة، وتشعلقهم في مؤخرات آليات الثوار، كي لا يدفعوا (ربع دينار) واحداً ثمناً لتخاذلهم السابق، بل بلغ بهم الأمر إلى الإدعاء بأنهم في جُلّ نتاجهم الأدبي، الذي سبق الثورة الليبية، عملوا على حثّ الشعوب على الثورة العارمة ضد المستبد، ولجلاء هذا الأمر ما على القارئ إلا أنْ يرجع إلى كتبهم ويراجع سطورهم، ويضني نظره وهو يمرّره ما بين السطور، لأنهم يزعمون دوماً بأنهم يموهون كلماتهم ما بينها، ليستبيّن هذا الخداع والمراوغة، بشرط أنْ يقتنوا الطبعات الأولى لكتبهم، أي قبل يوم 17 فبراير 2011، وأتحدى أي كاتب منهم إنْ وُجِد في كتبه أيُّ ملمح واحد للدعوة إلى الثورة، ولتعطوهم الفرصة أكثر، اطلبوا إليهم أنْ يزودوكم بمخطوطاتهم التي لم تطبع بعد، وسبقت هذا التاريخ المشار إليه، بعد أن تأخذوا عليهم العهود والمواثيق بألا يزوروا ويحرفوا فيما كتبوه بخطوط أيديهم، ولعلي أغامر بهذا التحدي، إذ أكون قد ظلمت نفسي قبل ظلمي لهم، لو أدّعيت بأنني أطلعت على كلّ أو جلّ ما كتبوه، ومع ذلك، إنْ ألفيتم في تفاصيل نتاجهم أية عبارة من هاتين: (ثوروا على مستعبيديكم) أو (الحلّ في الثورة الشعبية) أو أيّ تصريح آخر، ربما يجيء في نسقهما وسياقهما، فإنني مسؤولٌ على نفسي، ولن أتهرب من هذا التحدي.
وبيت القصيد هو أنّ هؤلاء لم يكونوا قد توصلوا إلى مفهوم الثورة وموجباتها، أو لخشيتهم من أنْ يحرموا من المنزلة الاجتماعية، التي تحصلوا عليها بفعل ما في نصوصهم الأدبية (المقالة والرواية والقصة والشعر) من نقد لبعض الخلل في منظومة الحكم في ليبيا، واصطياد زلات بعض المسؤولين، ولا يتجاوز هذين الأمرين إلى إرساء أبجديات ومفاهيم الثورة والعمل على إشاعة أدبياتها بين القراء، بل أحياناً تجد المثقف يحترز من أنْ يقع في هذه الورطة، التي سيكون لها مردودان سيئان على مسيرته الإبداعية، فإما أنه يخشى على نفسه من قمع السلطة الحاكمة، أو لأنه بذلك سيمارس على نفسه عملية إقصاء ذاتية، من شأنها أن تؤفل نجمه بين جمهوره، فلا يجد له حرفة يعتاش منها أو يشبع بها غريزة غروره.
لقد دأب الكتـّاب في ليبيا على تعداد أخطاء السلطة ومحاولة إيقاد الطريق أمامها لتتدارك زلّاتها، ومن ثم، تقوم بإصلاح ما يمكن إصلاحه لتمضي الأمور إلى الأمام والتمام، وأصروا على العمل على هذا الأساس الخجول والمرتبك بعدما ثبت لهم في غير مرة، أنّ منظومة الحكم معطوبة ولا يمكن صيانتها، فلماذا لم يعلنوا الثورة في نصوصهم؟.
لقد هزم الثوّار المثقفين، عند اختيارهم الوقت المناسب والأسلوب الأمثل، للتعامل مع نظام "القذافي" بالتغيير الجذري، الذي حرق كل النصوص من روايات وأشعار ومقالات، ونهضوا قبل فوات الأوان من غفوتهم باعتمادهم على هؤلاء، الذين لم يأتوهم بأي شيءٍ غير الأماني، حتى من يعدون كنشطاء سياسيين في الخارج، لم يشتغلوا على إرساء سفن الثورة الشراعية لا الشعاراتية على مرافئ بلادنا، مع أنهم قد درسوا الثورة الفرنسية وشقيقاتها في أوربا، وحجّموا حراكهم السياسي وأطّروه على نحو فردي، ولعلّ في تصريح الرئيس الفرنسي (ساركوزاي) الذي أعاده في غير مرة ملمحاً مهماً، وجب على هؤلاء النشطاء استخلاصه أثناء عملهم المعارض في أوربا وأمريكا، حيث إنه ألمح في غير مؤتمر صحفي: "على الشعوب العربية أن تتحرك أولاً، لتثبت لنا بأنها أهلٌ للحرية، ومن ثم سيأتيها العون منا".
وحتى من سطّر النصوص في عشق الثورة قـُبيل ثورة الشباب في ليبيا، ما فعل ذلك إلا بعدما فطن إلى أنّ الشعب اختار طريقه وداس على أوراقهم وكلّ كلامهم جميعاً، وجعلها وقوداً يشعل جذوة الثورة المباركة أمام معسكرات القذافي، فتخلص من ربقة ووصية المثقفين عليه، وتذكّر قوله صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة".. فإنْ كنتم تحسبونني من المثقفين، فأنا قد انشققت عنهم، وانضمّمت إلى ركب الثوّار الميامين، لأنّ مثقفينا لم يصلوا إلى الوصفة المُطبِّبة لعلة بلادنا، ولم يخربشوها في نصوصهم حتى بخط صيدلاني هندي، يصعب قراءته، ولم أعثر عليها حتى في نصوصهم المبثوثة عبر مواقع الإنترنيت البعيدة عن عين الرقيب الأمني، فلجأ الثوّار إلى العلاج بالكيّ كأخر دواء، فكانت الثورة (طب عرب) لليبيا والعرب كلهم خارج لعبة المثقفين، الذين ما ثاروا على "القذافي" بقدر ما ثاروا على أنفسهم وثقافتهم البالية.
بنغازي: 5/6/2011






1 تعليقات:

في 29 ديسمبر 2011 في 10:29 ص , Anonymous غير معرف يقول...

ملاحظه جديده ومهمه ونحن اليوم لانريد من مثقفينا النقد من بعيد وبس ولكننا نأمل منهن أن يعلمونا معاني وممارسة كلمات كثيره وجديده علينا مثل ثوره..ديموقراتي ..انتخابات..ترشيح ..وغيرها الكثير مما كنا مغيبين عنه.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية