الثلاثاء، 31 مايو 2011

بشـّار سوريا ونحّول لـيـبـيـا

بلغ الأمر بالدكتاتورية العربية، حدّاً من الاستبداد إلى درجة أن تحوّل بلدانها إلى ممالك من نوع آخر، مع أنها تدّعي سيادتها لدول تـُسمى جمهوريات، جاءت إثر انقلابات عسكرية فاشية، قوّضت حكم الملكيات، التي كان الفضل في الغالب الأعم لمؤسسيها في نزع حقّ الاستقلال من المستعمر الأجنبي بالتضحيات الجِسام والعصيان المدني، وبناء الدول الحديثة بما توافر لها من إمكانات محدودة، بل إنها لم تصل إلى عروش الحكم في هذه البلدان، إلا لتقدير الشعوب العربية لها واعترافاً بدورها في فكّ هذا الحقّ المغتصب من المحتل، وقد حظيّ هؤلاء المؤسسون الآباء بقدرٍ عالٍ من الإجماع ومباركة ومبايعة الرعية لها، ولكنْ بعد تنامي ظاهرة المنتسبين إلى تيارات (سيبيريا) الباردة من اليسار والشيوعية والتقدميين، عصفت بصقيعها المخيلة العربية، حتى تجمدت أوصالها وأصابت العقل والوجدان العربي بخدرٍ، شلّ تفكيرها وعماها عن الحقيقة، فاتجهت الأنظار صوب قيدوم المُنقلِبين العرب، الرئيس المصري "عبد الناصر"، الذي لم يكتفِ بخرقه للشرعية في "مصر"، بل ناصب العداء للملوك العرب كلهم، ففتح أبواب وأبواق قنواته الإعلامية، لكيل الشتائم بمنجنيق قذف السُّباب على أكثر من جهة وجبهة عربية، وعلى رأس هذه الأبواق، محطة صوت غُراب البين- العرب- الذي نعق في البلدان العربية كنذير شؤم، بالتعبئة والتحشيد مستهدفاً هذه الشعوب لتأليبها على حُكّامها الشرعيين، ، لتنقلب- من ثم- في ثورات شعبية، لكنها خيّبت مساعي هذه المحطة السنتيمترية الرامية لإثارة الفوضى، فلم تتفاعل الشعوب مع هؤلاء (الحنجوريين) الجهوريين والجمهوريين، من جيوش إعلامه، في حربهم الدعائية المُغرضة ضد الوطنيين، مع أنها خرجت في مسيرات مُسيّرة تحت تأثير العاطفة والانخداع- كما الفتاة وراء شاب مخادع، سرعان ما يرمي بها في غُرف الحانات ذوات الرايات الحمراء، بعدما ينال منها وطراً- وراء الزعيم الأوحد، ولم يحدث أن ثار شعب عربي واحد على مليكه، على الرغم ممّا أدّعت هذه المحطة من رجعية وبرجوازية وتخلُّف هؤلاء الملوك المتوّجين، ووقوفهم كحوائط صد، ضد تطلعات الشعوب العربية نحو التقدُّم والتكامل والوحدة والتحرير، وبأنها أنظمة امتدادية وأذيال للمستعمر، وهي التي حرّرت البلدان من المحتل- كما أسلفت- بفضل وفعل سياسة وحنكة هؤلاء الملوك، فصبّت من خلال راديو صوت العرب، التي أنشأها الرئيس المصري الأسبق "عبد الناصر"، فكان هو رائد العساكر سوسة، الذين خطوا خطاه على جنزيل الدبابات في أكثر من بلد عربي، ودثـّر تمرده العسكري بغطاء الثورة، فمدّهم بالعون والسند، وسنّ لهذه الحركة الاغتيالية للدساتير العربية الشرعية، وعلمهم فنون القمع والتعذيب في السجون، وكيف يستطيعون خِداع الشعوب واللعب بعواطفها.
ومن قاعدة "من لسانك أدينك"، فإنه يحقُّ للشعوب العربية، أنْ تـُحاجج هؤلاء العسكر، الذين سوّغوا لأنفسهم، لأنْ يقوموا بهذه الانقلابات باسم الثورات، بأنْ تطلب إليهم الرحيل على ظهور خردة الدبابات التي أتوا عليها، وأن تبرّر لذلك باتهامها لهم بالعمالة والخيانة وإضاعة استقلالات بلدانهم- كفعل "صدّام حسين" الذي أفقد "العراق" استقلالها باحتلال الأمريكان لها، وهو أعز ما يملك أبنائها، الذين رفع أجدادهم السلاح، حتى تحرّروا من ربقة المستعمر البريطاني- وتعريض أمنها السياسي والاقتصادي للانفلات وللمخاطر، والتفريط في ثوابت الأمة، وعملهم على تقسيم ما كان الأولون قد وحّدوه من أقاليم- مثل ما فعل "القذافي" و"مبارك" بشأن تقسيم السودان- وأن تـُحملهم مسؤولية كفر البعض بالمشروع الوحدوي، الذي اتخذوه مطيّة قبل دباباتهم، وهم في طريقهم الملتوية إلى السلطة، وبأنّ الدور جاء عليهم، ليذوقوا ما جرّعوه للملوك بالتهم والحجج نفسها، الواهية سابقاً والدامغة تواً.
إنّ ما قام به العسكر، من بائعي الشعارات والمنتحلين لشخصية الوطنية في كل قطر عربي، بتمردهم المسلح، لم ينجم عنه إلا تحويل الممالك الدستورية العربية قبلهم إلى ممالك للعسل، خارج خلايا النحل، وداخل خلايا التآمر على الشعوب، و ما هو إلا وسيلة للـ(تعسيل) على مناصب الحكم العربية، ولعلّ في الانقلابين المتواقتين، الذين حدثا في "ليبيا" و"سوريا" في نهاية الستينيات والسنة الصفر من سبعينيات القرن المنفرط، تحت اسمي ثورة الفاتح والثورة التصحيحية المجيدة، مثالين لا يحتذيان، جاءا بوريث رسمي وآخر كان يعد لذلك في مملكتين غير الممالك السابقة، بل تعودان بالعرب إلى ذاكرة حكم المماليك، الذين قد يورث الواحد منهم التاج لابنه أو زوجته أو جاريته أو سيّافه.
على الرغم من (الدبورات) التي يحملانها على أكتافهما، إلا أنّ بشّار سوريا ونحّول ليبيا، هما دبّوران شرهان، لا يتصفان بأخلاق العسكريين الشرفاء، الذين لا يواجهون شعوبهم بالعداء، ولا يوجِّهون إليها رصاصاتهم، فهما لم يسهما أبداً في الرفعة ببلديهما، ولم ينضما إلى صفوف وجموع الشعبين في سوريا وليبيا، المنادية بحقوقها، مع أنهما ومنذ ظهورهما الأول على الواجهة السياسية، المُلمعة بنكهة الإصلاح وبسوائل الأموال المُسالة في آبار جيوبهما من الخزينة العامة، وبوجوه مريديهما، التي مسحا فيها- كمناشف و(فوط)- زلاتهما وإخفاقاتهما عن رضا منهم، قد أعلنا عن تبنيهما لخارطة طريق جديدة، تـُعدّل التعرجات والانحرافات التي سبّب فيها والداهما، منذ تشكيلهما لجبهة الصمود والتصدي، التي نطحت بـضربة روسية (مزوغدية) الجبهة الداخلية للبلدين والجبين العربي، حتى (تكدّمت) ونتأت إلى الخارج، لكنهما في مخبوء مكنونهما، كان يُخبئان تحت أجنحتهما وخطوطهما الدائرية المرسومة على ظهريهما، بواطن عظيمة، فقد نظرا إلى بلديهما بمنظوري أبويهما، فليبيا وسوريا بخيراتهما ومروجهما في الجبل الأخضر والشريط الساحلي على البحر المتوسط (في الأولى)، وجبل قاسيون والشيخ مسكين (في الثانية) ليستا إلا مرتعين للنحل، يخرج في الصباح من خليتين- كأي خليتي نحل- ولا يعود إليهما إلا عند الغروب، مُحملاً بألذ وما طاب من رحيق الورود والزهور الدرناوية والدرعاوية، فتتقاطر هاتان الخليتان، عسلاً وشهداً، من منظور الدبور، الذي يحوم على خلية النحل، فيفزعه بطنينه، فتهرب الملكة (ملكة النحل) بشهدها (شرفها) مع بعض الخادمات، وتذر خلفها بيضها الملكي، ثم يشعل فيها الدمار، ويأتي على السائل واليابس (العسل والشمع)، بتهمة أنها خلية للتآمر مع الصهيونية العالمية، ويستشهد بالشكل الهندسي لغرف الشمع السداسية، غير أنهما نسيا بأنّ أية لسعة منهما للنحل، سوف تردياهما صريعين، لأنّ الدبور إذا غرس (سلايته) في لحم الإنسان، فإنه لن يستطع افتكاكها من جسده، كما يفعل عند مهاجمته للمخلوقات الأخرى، وإذا أصرّ على نزعها، فإنه سيفقدها وتعلق بالجسد البشري، وهذا ما سوف يحدث مع كليهما، إذ أنّ أول رصاصة تجرأ كل واحد منهما على إطلاقها ناحية أبناء شعبه، ستكون كمسمار (عشرة) صدئٍ وأخير في نعش حكمه، لا يستطيع البتة أن ينتزعه وإلا تكسّر رأسه في خشبه.
بنغازي: 31/5/2011











1 تعليقات:

في 1 يونيو 2011 في 8:51 ص , Anonymous غير معرف يقول...

You seem so self-obssessed to me...

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية