الاثنين، 16 مايو 2011

الفائح أبداً

بنغازي في : 15/5/2011
على الرغم من إعجابي بأحد الليبيين المُفوَّهين وغير المُفوَّضين من المُقيمين بالخارج، إلا أنه عند حديثه في قناة (الحرة) الأمريكية عن إرهاصات ثورة 17 فبراير ومسبباتها، أرجعها إلى أنّ بنات ليبيا، أبلغنّ شبابها، بأنهنّ سوف لن يقبلنّ مهورهنّ إلا من ثوّار تونس ومصر، ما لم يثوروا على "القذافي"، وأظنه قد بالغ كثيراً في روايته، بل إنه اختلقها من عنده، إذ أنّ ذلك لم ولن يحدث، وإذا قرأ هذه الكلمات، فسوف يعرف من قصد "فريد الأطرش" بغنائه من بين ثوّار العرب:
سائلي العلياء عنّا والزمانا
هل خفرنا ذمة مُذ عرفانا؟
المروءات التي عاشت بنا
لم تزل تجري سعيراً في دمانا
***
ضحك المجدُ لنا لما رآنا
بدمِ الأبطالِ مصبوغاً لوانا
عرسُ الأحرارِ أنْ تسقي الأعداء
أكؤوساً حُمراً وأنغاماً حزانى
***
ضجّت الصحراءُ تشكو عُريَها
فكسوناها زئيراً ودُخانا
مُذ سقيناها العُلا من دمِنا
أيقنت أنّ معدّاً قد نمانا
انشروا الهولَ وصبّوا ناركم
كيفما شِئتم فلن تلقوا جبانا
***
شرفٌ للموتِ أنْ نطعمَه
أنفـُساً جبَّارة تأبى الهوانا
وردةٌ من دمِنا
لو أتى النار بها
حالت جنانا
***
قــُم للأبطال نلمس جرحهم
لمسة تسبحُ بالطيبِ يدانا
قــُم ندعو يوماً من العمرِ لهم
هبّه صومَ الفصحِ هبّه رمضانا
إنما الحقُّ الذي ماتوا له حقـُّنا
نمشي إليه أين كانا..
في عهد (الفاتح أبداً)- المؤبد إلى الأبد في مزبلة التاريخ ومقبرة الجغرافيا، بنصِّ حكم الشعب الليبي عليه، في البيان الأول لثورة السابع عشر من فبراير- فاح الظلم إلى حدِّ الاختناق بثالث أكسيد كربون النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم تتنفسه حتى الأشجار، وعطسته من ثغور وريقاتها، فاسّودَّت كما اسوداد زهور أبناء ليبيا على ظهر(الحصان الأسود*)، تاركة اخضرارها لمن زاحمها ونازعها، فنزع عنها هذه الخاصية- سوَّد الله وجهه- فأصبحت تسّاقط بنفسها في شوارع مدينتنا، احتجاجاً على استمرار هذا العهد البغيض، شاهدة على عصر الجماهير المسحوقة والمسحولة.
في عهد (الزحف الأخضر) زحفت الزواحف، وامتدت الزعانف الخطّافة على أرضنا، فلم تذر لا أخضر ولا يابس، ولم يفـُح في الجو عطراً، فشلّ الفشلُ بهذا الزحف قدراتنا، حتى عجزنا عن غرس ياسمينة واحدة على أرصفتنا ناطقة بأبلغ تعبير، بالعبير النافث والطارد لنتانة الظلم الفائح والفاضح لهذا الكيان، الذي حكم البلاد بالاضطهاد، بل إننا عجزنا حتى على غرس النخيل، الذي بات ما تبقى من أشجاره في شوارعنا، مثقوب الجذوع ومنخور التمور، يشكو لله، الظلم الذي أطبق على حياتنا، ولم يستحِ هذا الكيان السياسي من هذه الشجرة المباركة، لما استبدلها بالنخيل الصناعي المحشو بالأسلاك الكهربائية لا (اللاقبي) ليزيّن به البلاد في أعياده ومواسمه غير الطبيعية، فتتزيّ بالبهجة المُصطنـَعة.
تشرف الموت بهم، أبطالٌ علقوا على صدر الموت أوسمة، هبّوا إليه مُقبلين لا مُدبرين، وثبتوا على صدر كلِّ ليبي وليبية، وردة غير كل الورود، في تربـِنا زرعناها، ومن دمِنا رويناها، ومن لونه خضّبناها، وبفوح الروح الطاهرة الوضّاءة، أزلنا الثالوث الملوث (القمع والجهل والاستبداد) عن هوائنا، وأزحنا عن أرضنا "القذافي" وأبّدناه إلى غير رجعة، ليكون كيانه عهداً بائداً ومُباداً بعبق الحرية الطاغية على الطاغية وزمرته الباغية، ولتتحول بلادنا من عهد الفاتح أبداً إلى الفايح أبداً.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): معتقل لسجناء الرأي في طرابلس













0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية