الخميس، 5 مايو 2011

منافع في إطالة زمن الثورة

بنغازي في: 5/5/2011

الجزائر شعب المليون شهيد، وليبيا شعب السبعمئة ألف شهيد، غير أنّ الشعب الليبي، هو الوحيد، الذي قدَّم تضحيات جِسام من دمه، إذ ضحّى بصغاره وكباره ورجاله ونسائه، في فاتورة جهادية، ساوت قيمتها نصف تعداده، لأجل نيل الحرية، بطرد المستعمر الإيطالي الفاشستي من على أرضه، حتى تكلَّل له النجاح، ونال استقلاله الغالي والمُستحَق، ليخرج من حرب التحرير مُنهَكاً وفقيراً، فكافأه الله تعالى على جهاده وتضحياته، برزقٍ لم يحتسب له مصدراً، مصداقاً لقوله تقدَّس وتعالى: "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".. وأيّة تقوى هي، التي تُضاهي الجهاد، وبذل النفس والنفيس لمرضاة الله؟ وأيُّ رزقٌ هو، الذي منَّ به الله على هذا الشعب؟ إنه النفط ولا شكّ، الذي نعم الرازق به علينا، ونقم "القذافي" بسببه من هذا الشعب، فأتى ليُحرِّم الليبيين من هذه الثروة المُستحَقة لهم، ولينزع من المسلمين إيمانهم بوعد الله لهم، حينما يصدقون في نصرته، فينصرهم على عدوهم، ويمدّهم بخيرات خزائنه، نعم إنّ الأمر كذلك، وهذه هي قناعتي، ومن لم يصدق، فما عليه إلا أنْ ينظر في أطلس خارطة البلاد العربية، والدول المُنضوية منها تحت منظمة (الأوبك)، فسوف يجد، أنْ أهلها جاهدوا في سبيل الله حقَّ جهاده، ولكم في الجزائر والسعودية والجزيرة العربية جمعاء، دليلٌ على ذلك، وأسوة حسنة على طريق الجهاد، قد يتساءل مُجادِل: "أنت قدّمت في مقالتك لجهاد الليبيين والجزائريين، وأقرّرنا لك بذلك، فماذا عن الإخوة في الجزيرة العربية؟".. إقناعاً له أقول: ألا يكفيهم أنّهم كانوا حملة لواء الإسلام؟ وأنّ المولى عزّ وجلّ في عُلاه، استجاب لدعوة خليله عليه السلام: "اللهم اجعل هذا البلد آمناً وارزقه من الثمرات" ولكي يزداد السائل يقيناً بهذا التحليل، فلينظر إلى خارطة بلاد الشام، ليجد النفط، يتواجد في بطن "سوريا" بمخزون أكبر من الأقطار الثلاثة الأخرى (لبنان وفلسطين والأردن) ولا عجب في ذلك، حينما تتذكرون معركة (ميسلون) والمجاهد "يوسف العظمة"، ولا ننسى العراق كذلك، الذي يسبح على أكبر احتاطي نفطي في العالم، وثورة العشرين فيه، ضد المحتل الإنجليزي، ولكنْ لماذا تمّ تفتيت و(بلقنة) بلاد الشام إلى أربعة أقطار على خلفية اتفاقية (سايكس بيكو)؟ وعلى أساس مذهبيّ وطائفيّ، ولم يُكتفَ بذلك، بل سُلِبت منه فلسطين ولواء الأسكندرون، ووُليت سلطة البلاد في سوريا، للعلوية النُصيرية، وهي الأقلية من بين الطوائف هناك، مثلما تم تولية "صدّام حسين"- المنسوب لأهل السنّة، زوراً وبهتاناً، لأنه لم يسلم من طغيانه أحد، حتى من طائفته- على الأغلبية الشيعية في العراق، ليصبح هذان البلدان العربيان المهمان، بؤرتين لنيران الفتنة والتوتر، وليُغيبا عن القضايا العربية والإسلامية، لا أبالي بالإجابة عن هذا السؤال، بقدر ما أنا مهتم بالثورة المندلعة في سوريا، التي ستكون بيضة القبّان للثورات العربية، وستعطي الإجابة عن هذا السؤال، فلا تشغلوا بالكم بها.
وأما من اختاروا العصيان المدني، كوسيلة من وسائل المقاومة، وكان بمكنتهم المقاومة المسلحة، فهم أقل نفطاً من الآخرين، هذا إذا وُجِد في أرضهم أصلاً، فالجزاء من جنس العمل.
وقد كتب الشاعر "حسين الأحلافي" المعروف بلقب شاعر الجبل الأخضر، هذه القصيدة في بلدة "مرسى مطروح" زمن إقامته في مصر، ويُروى أنّ أحدَ الرجال من القبائل المُقيمة هناك، استهزأ بالشاعر كليبي، حينما خاطبه: "سياستنا مع الإنجليز أنجع من سياستكم مع الطليان، إذ أننا هادناهم وقابلناهم بالسلم والحوار، لأنّ لا قابلية لدينا لمقاومة قوتهم الجبّارة، وليس كما فعلتم أنتم، حينما قابلتم الفاشست بالمقاومة والجهاد، والدليل على أنكم جنيتم على أنفسكم، هو مجيئكم لاجيئين إلى بلادنا"، فردّ عليه الشاعر بهذه الأبيات:

ما فتنا ديار برقة يا خينا .. نـيـن عـطـيـنـا .. فـرسـان عـزيـزيــن عليــنا

ما فـتـنــاها لاســــتـعـمـــــــــاره .. جـيـش الطـلــيــان وتـنـصـيـــره

نين غلـبـنــا في تـيـــــــــــــــاره .. نمحـو لـَـوَّل ويــجــــــــي غيره

ما من يــوم تْـلـهـلـب نــــــــــاره .. كي لـبـــذار يـجـــي قــــزيــــره

ما تــسـمـــع حــتــى خـبــــــارة .. غـيـر المـدفـع وتـحــنـجـيــــــره

والـرشـاشـــات البــثــــــــــــارة .. والبـارود يــثــــوب ذخــيــــــرة

وطْــرمْـبـيـلاتـــــــــــــه تجارى .. وتــقــول فــراق طـيـايــيــــــره

والخيل مْــبـاجـيـــــــــد سكارى .. والصــادي عالــي تهديــــــــره

بانـوا فـيـــه اللي ديــــــــــــــاره .. غــاروا ع الكــفـــار مْـغـيــــرة

جــو كيف طــيـــــــــور البزارة .. وقــتاً سـمـعـوا قــولـــة ديـــــره

خـشــوا ع الرومـي بْـــجـــسارة .. ما هابـــوا نار طـوابــيـــــــــره

تــما بــبــغـــولـــه يــــــــــذارى .. وقـتــاً ضـاقـتْ بَه الحضـيــــرة

سيـب ضـبــاطــــــــــه واجَّارى .. م الخــوف وفات البـنـديـــــــرة

ما فـكــنــه غـيـــــــــــر أسواره .. باتـت ع الطلـيــان حـشـيــــــرة

يومـا مشـهــورات أخــبــــــاره .. كي يــوم القــرقــــف ونظيــره

والجــمـعــة مشــهـــــور ومارة .. والقـرضـابــيــــة الشــهــيـــرة

من غـيـر القـبــــة وبْــشــــــارة .. دعكـــة في خــــولان كبـيــــرة

ملطــم قـــرنــــادة بــيــــــزارة .. يربي ومـــــلاقى العـــقــــــيرة

والغــبـــي ويــــوم القطــــــارة .. وبــريــقــة وبـــلال وغــيـــره ..

وهو غير نادم على ما يصنعه إخوانه المجاهدون، حتى بعد تشريدهم، لأنهم اختاروا الجهاد في سبيل الله، سبيلاً لتحرُّرهم، لكونه يعرف بأنّ ضريبة هذا الاختيار، هذه عادتها وديمومتها.
إنّ في زمن إطالة الثورة الليبية، ضد كيان- لا نظام- القذافي، منفعة كبيرة، قد لا يدركها الكثيرون، فربما أراد الله بذلك، تطهير البلاد من دنس الجلاّد وأتباعه وضِباعه، الذين اقتاتوا على قوْتِنا وقوّتِنا الاقتصادية، لأنهم أعضاء فاسدين، لن تنجو البلاد من ظلمهم، حال نجاح الثورة مُبكِّراً وهم بين ظهرانينا، فمن منافع إطالة زمن هذه الثورة المباركة، أنها أعطت الوقت الكافي، لأنْ ينهض الشعب الليبي بمؤسساته المدنية في المدن المُحرَّرة، التي ستتولى تنظيم البلاد، وإعدادها للفترة التي ستلي حكم "القذافي" وتمنع حالة الفوضى في المناطق المُحررَّة لاحقاً ومنها العاصمة.
صحيح أنّ الثورة، كبّدتنا خسائر فادحة في صفوف شعبنا، ولكنْ، يظلّ عدد شهدائنا حتى الآن، أقل بكثير ممّن قُتلوا في حرب (تشاد) بلا قضية واضحة ولا عادلة، وممّن أُغتيلوا غدراً في سجون "القذافي"، وممّن لقوا نحوبهم، نتيجةً للفاقة والمرض وحوادث السير في الطُّرقات غير المُعبَّدة، فلولا هذه الخسائر في الأرواح، ما كانت هذه الثورة، وما حُمِل الشعب الليبي على اختيارها نهجاً، للتخلص من هذه الويلات المتحدة علينا، ووضع حدًّ لها، بزوال العنصر المُسبِّب فيها.
هشّ الذئب عن حلالك من بهيمة الأنعام، اكمن له الفِخاخ ثم أطلق سراحه، هل ستراه يرعوي، ويدعها لحال سبيلها؟ ما ظنـّنت ذلك يحصل، فلا خلاص لك ولبهائمك إلا بقتله، وهذا ما حدّث به الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، صحبه الكرام، إذ قال: "إصلاح الذئب قتله"، فمن اتبعوا "القذافي" هم شهود عليه، وشركاء له في كل جرائمه المُقترفَة، وربما ختم الله على قلوبهم، ولا يريد الله لهم الرشاد بعد كل ما فعلوه، بـِغلٍّ مُتغلغِل في صدورهم ضد أبناء الشعب الليبي، ففي استطالة وتشاسع مدى هذه الثورة- الذي قطعنا منه الكثير، وما بقى منه إلا القليل- تطهيرٌ لليبيا من دنسهم، وهي أهم منفعة بتصوري.







0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية