الأحد، 17 أبريل 2011

في الشّاشة المربعة .. ثلاث عواصم عربية وبنغازي

بنغازي: 8/4/2011
هي قناة (الجزيرة مباشر) من قسَّمت سطح شاشتها إلى أربعة مربعات متساوية المساحة ومتطابقة الأبعاد، لرصد ما يجري في السّاحات العامة، من مظاهر ثورية ومطالب شعبية، ففي المربع الأول بدت "صنعاء"، و"تونس" و"القاهرة" في المربعين الثاني والثالث، وفي الربع الرابع من مربع الشاشة الكبير، حلّت "بنغازي" بمتاريس مينائها الحجرية، وبزرقة بحرها، وزبد وهدير أمواج جماهيرها، وتلاطمها ببعضها البعض، الهاتفة للحرية والمساواة، وبخيم معتصميها المُمتدَّة على طول الكورنيش، كلٌّ بحسب رابطته ونقابته المهنية، في مشهدية متزامنة لنقل صور الاعتصامات يوم الجمعة الماضية في البلدان العربية، التي تفجّرت فيها براكين الثورات، وسالت على سفوحها، حِمم غضبة شعوبها التوّاقة للتحرُّر من دنس أنجاس القهر والاستبداد، ونجحت فيها نجاحاً باهراً، ذكرتني هذه الشاشة المربعة، بأيام الطفولة، وبأغنية في برنامج (افتح يا سمسم): "هيا انظروا، هيا اعرفوا، ما ذاك الشيء المختلف؟.. إنْ تنظروا أو تعرفوا مرحى لكم، وتلك كل القصة"، الاختلاف بدا واضحاً- ولا مراء- في "بنغازي"، لأنها حلَّت بدلاً من مدينة "طرابلس" العاصمة، التي كانت قنوات النظام الليبي، تنقل منها حفلاً ساهراً وماجناً- مُعاداً وغير مباشر- للرقص والهتاف لـ"معمر" في وسط ساحة شهدائها، في حين، رأيت- على الهواء مباشرة- مربع القناة الخاص ببنغازي، ينقل شعائر صلاة الجمعة في ساحتها، التي حُرِم الطرابلسيون من أدائها على نحو طبيعي.
الخوف شعور إنساني وغرائزي، لا يُلام المرء عليه، إذا لم يُمعَن ويُفرِط في الاستشعار به، وذلك بأنْ يجعل لخوفه حدَّاً، بمقياسٍ معينٍ، ويحاذر من وصوله إلى درجة التخاذل، حيال من يقمعه، فقد يصبح خوفه في غير محله، ولا مُبرّر له، وقتما يمارس عليه هذا الخوف، جبانٌ وعربيدٌ، لا رهبة ولا قيمة له، خصوصاً إذا أدّى به إلى التفريط في مقدساته ودينه وكرامته، وحال تمكـُّن الخوف من أحاسيسه، ما عليه إلا أنْ يعقد الفرق بين ما ستؤول إليه حاله، حال خضوعه لعقدة الخوف والعيش في مذلة، وبين ما قد تفضي إليه، إذا أراد الحياة في عزّ وعزّة.
بينما كنت سادراً وسارداً في حديثي مع نفسي بهذه الرؤى- عن حقيقة الخوف ومردِّه ومردوده وتأثيراته الشديدة على النفس البشرية، إذ أنه يُجافي ما بين المرء وحقوقه، ويردعه عن المطالبة بأبسطها، لأنه دافع ذاتي سلبي، اتجاهه دوماً إلى الخلف، ونتيجته الهوان- سألني طفل مغربيّ الجنسية، أمه جزائرية النسب، بصحبة أبيه: هل "بنغازي" هي عاصمة "ليبيا"؟ أجبته بما تعرفون، فكوّن سؤاله المتوقع: فما هي عاصمتكم؟ وأينها؟.. "وأين رباطكم وداركم البيضاء ومرّاكشكم وفاسكم و(بأسكم)؟ هذا السؤال، لو أنّ أبيه، هو من سألني، لواجهته ووجهته إليه، ولشقــّـقت منه ثانياً: ولمَ لم نرَ من أصهارك أيَّ تضامن مع ثورة الشعب الليبي، بالتظاهر في شوارع "الجزائر" بسبب ما تتداوله الأنباء من تورطٍ لحكومتها في دعم نظام "القذافي"، أهذا هو ردّ جميل الشعب الليبي، الذي ضحّى بكل ما يملك لأجل تحرير "الجزائر"؟ مع إحساسنا بتضامنهم الضمني مع ماساتنا، كشعور عربيّ متأصل، يحسّ به أي عربيّ.
إنّ "الجزائر" مُطالبة هي و"مصر" بأكثر ممّا قدّمته دولة "قطر" وأيُّ قطر عربي آخر، فلا يكفي من "مصر" أنْ تفتح حدودها أمام وكالات الأنباء والمساعدات الإنسانية، التي أغلبها تصل من دول العالم، والمؤسسات المدنية التابعة للمجتمع الدولي، أما "الجزائر" فنعلمها، وهي التي لم تمنح الشعب الليبي أية مساعدة إنسانية، إلى الآن، إننا سوف لن نكتفي منها بشيءٍ من ذلك، لو أسدته إلينا، بل هي مُلزمة- انطلاقاً من كوننا من إقليم المغرب العربي، حيث تجمعنا والشعب الجزائري، أواصر ووشائج الأخوّة والدين الإسلامي والمذهب الفقهي الفرعي الواحد- بحماية الشعب الليبي من مرتزقة "القذافي" فلماذا لا تكون هي و"مصر" في مستوى حميّة الدول الأفريقية، التي تنادت إلى مؤازرة (تشاد) في الحرب، التي نشبها وشنها عليها "معمر" في نهاية سبعينيات القرن المنفرط، حينما دخلت جيوش كل من (زائير) و(أوغندا) و(أثيوبيا) وغيرها لصدِّه، منطلقة من مبدأ: (أنّ الجيش الليبي من العرب، وهو غريب على أدغال ووسط أفريقيا، ولحماية الشعب التشادي من جرائمه).
ندرك ما تعانيه "مصر" من فوضى وانتفاء الاستقرار، بعد ثورة 25 يناير، لكنّ هذا لا يمنع ولا يعطي أيِّ عذر شرعي للشعب المصري من تقاعسه عن الوقوف بجدية مع شقيقه الليبي، فعلى أقل تقدير، يجب عليه أنْ يقوم بدعم الليبيين بالسلاح اللازم لردع كتائب "القذافي" من المرتزقة، ولأني مُدركٌ بالحالة الاقتصادية الصعبة، التي يمرُّ بها الشعب المصري، أناشده بشحن الأسلحة إلينا على فواتير آجلة السداد، إلا أنني أعوّل كثيراً، على الشعب الجزائري البطل، خصوصاً وأنّ "مصر" أوقفت بلاء "القذافي" عنا، لأنها لم تذعن لمطالبه إليها، وتجاهلتها على الرغم من المغريات، التي عرضها على المجلس العسكري الحاكم المنبثق عن مرحلة الفترة الانتقالية، التي نجمت عن الثورة هناك، غير أنّ "الجزائر" صارت هي القاعدة الخلفية "للقذافي" من حيث تصدير الوقود إليه، والأمامية لمرتزقته، بفتحها لأجوائها ومعابرها أمام قوافلهم، التي لا تنتهي، وإذا شدّد نظام الجنرالات في "الجزائر" الإجراءات أمام دخول معونتكم إلينا، اعلموا بأنّ نظامكم نظام فاسد، عليكم أنْ تثوروا عليه، لتتحرروا من ربقته، ولتشغلوه عنا، كما فعل إخوانكم في "سوريا" حينما ثاروا على نذالة "بشّار الأسد" الذي أظـّاهر به "القذافي" على إخوتكم في "ليبيا"، بقيّ أنْ أُذكـِّر، بأنّ تاريخ كتابتي لهذه المقالة، يسبق بأسبوع واحد تقريباً، ذكرى مرور ربع قرن، على الغارة الجوية الأمريكية، التي شـُنـَّت على مدينتي "طرابلس" و"بنغازي" من جرّاء حماقات العقيد "القذافي" الذي جعل من حياته، هدف هذه الغارة الوحيد- وتناسى عن قصد ضحايانا، الذين لم يطالب بدمائهم، كما طالب الأمريكيون بدماء أبنائهم ضحايا حادثة (لوكربي)- ومن قصره بـ(باب العزيزية) بطرابلس، عام 1986 ميلادية، أعلن عن إسقاط مضاداته أربعين طائرة أمريكية، هذه الفريّة، التي فكـّهت الحاج "إبراهيم التريّة" الذي حضر فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا، ووقائع الحربين العالميتين، اللتين دارتا فوق أرضها، وجعلته يُعلِّق ساخراً، وساحراً من معه، بخفـِّة ظلـِّه: "يكلا أربعين طيارة!.. أمالا ايطيّح في رطب".. تلك الغارة التي صدّع رؤوسنا بها، وخرج علينا يومها، يطلب إلى الشعب الليبي الحرِّ، أنْ يتحداها بالرقص والغناء والفرح، في سُخفٍ ما بعده ولا قبله سُخف- فظهر علينا المدّاح "أحمد حلمي" يتغنى فوق أشلاء وأرواح قتلانا، ودماؤهم الزكية، لم تكـَد تجفّ بعد: (نفرح ونقاتل وانغني.. يا بو كف رقيق امحني)- الطلب نفسه الذي جدّده إلى الشعب الليبي، بعد خمس وعشرين سنة، وهو على أسوار السراي الحمراء، ليرقص ويغني على أرواح شهداء ثورة 17 فبراير، مخاطباً زمرته في الساحة الخضراء، التي لن تعود إليها تسميتها الأولى (الشهداء) إلا بعد أنْ تمورَ وتفورَ وتثورَ "طرابلس" مجدداً، بشبابها وشيبها على هذا الطاغوت، لئِلا يصدّع رؤوسنا من جديد، ويظهر نفسه كبطل، ويجعل من بقايا وأطلال خربته، محجاً لزائريه من المأجورين والأوغاد، ولصوص النصوص (الأبواق من كتـَّاب السلطة) ولصوص الفصوص الشرهين لكنوزه، من العالم قاطبة، الذين يجدون متعة، لا تضاهيها أية متعة، في التقاط الصور التذكارية عند مجسم القبضة البرونزية المُمّسِكة بالطائرة المحطّمة- كرمز لتحديه، جدير بالذكر، أنه في كلمته النارية والنازية لسكان "بنغازي"، خرج صوته من وراء الشاشة، على خلفية تلك القبضة البرونزية- في قصره بـ(باب العزيزية)، لأنه تصدَّى لغارات قوى التحالف، على حساب حياتكم، التي غامر وقامر بها، حينما أخذكم دروعاً بشرية لحمايته.
اعلموا يا شباب "طرابلس" بأنّ في عمر ثورات الشعوب، لم تخذل ثورة مرة واحدة، إذا ما توافر لها الزخم والإصرار اللازمين والمنوطين بالمواطنين، خصوصاً من فئة الشباب، التي يقع على عاتقها الدور المحرّك، وأنكم لمسؤولون أكثر من غيركم، على أخذ الزمام، لتتشرفوا بأنْ تكونوا أبناء العاصمة، التي يُعوَّل عليها، أيما تعويل، لحسم الموقف لصالح إخوانكم في سائر البلاد، يا أبناء العاصمة حجم التضحية مهما كبر، فهو في تاريخ الشعوب، وفي سبيل انعتاقها، يظل رقماً صغيراً، وفي خانة الآحاد، فتحرّروا من عقال ووهم الشيطان، الذي يهوّل لكم قوة كتائب "القذافي"، فو الله وأنا مسؤول عمّا أقول: لو عقدتم العزم، وعملتم بنصائح إخوانكم المتحرّرين، لن يقدر قامعوكم على ردِّكم لأكثر من ثلاثة أيام، فاحرقوا الإطارات في الشوارع، واستخدموا كل ما تمسكه أيديكم، من حجر وقطع الحديد والزجاج، وارموا بما في قبضاتكم وسيسدد الله رميتكم، فتلقون الرهبة في قلوبهم، انتقموا لمن أُستشهد منكم، ولا تجعلوا دماءهم تذهب سُدى، فلو علموا بتوليكم في هذه الأيام الحاسمة، لن يسامحوكم.. تسلحوا بالإيمان، ولا تخرجوا كما في انتفاضتكم الأولى، مُجردين حتى من العصي.
"الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية" هذا هو الاسم الرسمي، الذي اختاره "القذافي" لبلادنا، بعد إعلانه ما يُسميه قيام سلطة الشعب، أو هو القيامة على الشعب في 2 مارس 1977 ميلادية، وأضاف إليه كلمة (العظمى) لأنه تصدّى لإغارة جوية من قوة عظمى، وخرج منها منتصراً بمعنى سالماً، وأني لأجزم لو أنه فضّل الفرار من (ليبيا) بأنه سيسمي نفسه (القائد الأعظم) لأنه قاوم ثورة شعب عظيم، وخرج من نيرانها سالماً.
إخواني في "طرابلس" أناشدكم، وأنشد معكم مطلع من كلمات الشاعر الراحل "محمود درويش" تغنى به المطرب اللبناني"مارسيل خليفة" لعلّه يحرك في دواخلكم ونوازعكم، مشاعر ومشاعل الثورة:
أناديكم

أشدُّ على أياديكم

وأبوس الأرض تحت نعالكم

وأقول أفديكم

حملت دمي على كتفي

وما نكست أعلامي

وصنت العشب الأخضر

فوق ظهور أسلافي.












2 تعليقات:

في 27 أبريل 2011 في 3:09 م , Anonymous غير معرف يقول...

عزيزي الكانب لم اكن يوما معجبة بما تكتب ولكن وبسبب حالة الاسهال الفكري الذي يبدو انك مصاب به الأيام فانني اينما تلفت اجد مقالاتك البائسة التي لاتدل ابدا على نبل وفكر متسامح نحتاجه في هذه المرحلة، كلنا نحب بنغازي شرقا وغربا فهي عاصمة الفكر دون منازع وأم الثورة التي نفتخر بها ولكن هذا لايعطيك الحق في تقييم الاخرين أو حتى ان تطالب بالثمن كما تلمح من خلال بعض افكارك التي لا اجد لها وصفا الارخصة،انا اسفة على قسوتي في الكلام ،ولكنك قلم يبحث عن روح لكي يوصف بإنه جيد

 
في 30 أبريل 2011 في 7:42 م , Blogger زياد العيساوي يقول...

شكراً للتعليق، يكفي أن أقول لك أن جذوري من طرابلس وأكثر طرابلسية منك، والدليل على أنني لا أبحث من وراء كتابتي عن شيء، هو أنني كتبت هذه المقالة التي كنت أعرف بأن أغبياء مثلك سيفهمونها كما فهمت، ومع ذلك كتبتها ونشرتها، لأني أعبر عن ذاتي.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية