السبت، 16 أبريل 2011

هولاكو على أسوار السراي الحمراء

بنغازي: 3/4/2011
السراي الحمراء مبنى تاريخي، لا يعني أية دلالة أو رمزية للجهاد الليبي، ولا يُمثـّل أيَّة هويَّة عربية ولا إسلامية، حتى يقف ويظهر "القذافي" من فوق أسواره العالية، بقبعته المُتبقيَّة من حِقبة الشيوعية المُتعفِنة- والمرهونون في ساحة الشهداء، يهتفون ويسبحون باسمه مُرغمين، ولسان حالهم المُزري، يُردّد نوبة (غيطاوية) بنغازية، مُستهزئين بمنظره: (هولك يا هولك.. هولاكو عاجبني زولك)- لأنه بُني في فترة استعمارية، تعرَّضت لها مدينة "طرابلس" إبان احتلال الأسبان، فهو في خطابه، حينما تبجّح بأنه في وسط الجماهير- مُكذِّباً خبر فراره إلى (فنزويلا) الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية، في الأيام الأولى لثورة السابع عشر من فبراير- وهو يعتلي أسوار هذا المبنى العتيق، ذي الرمزية الاستعمارية- كما أُتفِق- التي تـُذكِّر الليبيين بالغاصبين لبلادهم، فقد أخطأ التقدير، كما عادته، حينما حاول أنْ يُظهـِر نفسه كمقاوم عربي أصيل، لإخوتنا هناك، ولليبيين بعامة، من على أسوار هذه القلعة، وبدت لهم حقيقته شاخصة للعيان، وهو غاضب، في صورة الغاصب والمُحتـَل لعاصمتهم، ما أشعل في أنفسهم رغبة جامحة في ضرورة تخليصها من هذا المُدعي، الذي لا يفقه في التاريخ علماً ولا عبرة، ولو كان على دراية بالتاريخ، لما كابر وتعنـَّت إزاء هذه الثورة المتأجِّجة، فعاث في "طرابلس" تقتيلاً وإفساداً.
عُرف عن "القذافي" تحايله وتقمصه لصورة الفارس والمُتعلِّم والمُعلِّم والبطل العروبي الأصيل، لإبهار الآخرين وشدّ انتباههم إليه، بحرصه على إظهار شخصه بهذه الصفات، كإطار لا جوهر له، فالفروسية تعني له ركوب الخيل، والتخلِّي لا التحلّي بصفات الشرف والكرم والنخوة وبقية الأخلاق الحميدة، والأصالة اختزلها في ارتداء الزيّ الوطنيّ والجلوس في الخيمة العربية، لاسيما في المحافل الدولية، ولم يكترث بلبِّ الأمر، وهو الأصل الطيب، والتزيِّي بأخلاق الشهامة العربية، أما البطولة، فهي لا تعني له سوى العنتريات والصولات والجولات اللسانية، كنت أسمع في طفولتي، بأنّ "القذافي" سيحرّر "فلسطين" بصواريخ (عابر الحدود) من طراز (أرض/أرض)، التي أمدّه بها حليفه (الاتحاد السوفياتي)- اللي ما في واحد حالفه وربح- وإذا به، لا يملك إلا لساناً طائشاً وطويلاً عابراً للقارات، من طراز (فم/أذن)، يخترق الأذن، فتملّ وتتململ منه، وتطرد ضجيجه المُقدَّر بآلاف الديسبيلات من الأذن الأخرى، دونما أيّ تأثير على السامعين، حتى في ذروة انفعالاته الكلامية، فأين "القذافي" من هذه الشمائل كلها، ها قد رأيناه، وهو يتعامل مع هذه الثورة بكل خسّة ووضاعة، لا تمتان إلى صفات الأشراف من العرب والمسلمين، كما أنه بالغ في تبريق وتلميع مظهره كقائد لثورة النماء والتنمية، ببثّ مقطع مصور له في إذاعته، وهو يقود المحراث في موسم الحرث، وهنا يحضرني تعليق طريف وحكيم، للحاج "إبراهيم التريّة" رحمه الله، ومن كان معه، في إحدى مُسامراته (البركاوية) لما سُئِل ذات شتاء: (ها يا حاج إبراهيم.. زعمك السنة صابة؟) فعلـّق بسؤال مفتتحي، أراد من خلاله، الاستعلام عن شيء رآه مهماً: (جابوه في التلفزيون.. وهو يحرث؟)، فأُجيـِب بـ(نعم) فابتسم قائلاً: (لا معناها ما اهناك شي.. السنة جدب) هنا كانت الطرافة في تعليقه، أما الحكمة، فتكمن بحسب استشفافي واشتقاقي للمعنى، في نزع البركة من "القذافي"- أقصد (هولاكو زمانو)- لأنه عادى الله ورسوله، فأُذِن بحرب منهما.
إنّ ما يقابل به "القذافي" هذه الثورة، من طغيان وجبروت، إنما ينسف زيف إدعاءاته الدائمة، بإيمانه بالجماهير والشعوب، ويبني تخيلاً آخراً عن شخصيته وقناعاته، إذ من الواضح أنه، لا يؤمن إلا بلغة القوة، ليحكمنا بدلاً من التي هي أحسن، بالتي هي أخشن، لذا قد جمّع السلاح، لكنه غير أيِّ سلاح، فهو ليس بالذي يحمي البلاد من أيِّ عدوان خارجي، فقد اهتمّ بشراء الأسلحة المدرعة والصواريخ، قصيرة ومتوسطة المدى، التي لا تخترق نيرانها حدود البلاد، ما يعني أنها مُكرَّسة بالأساس للاستعمال الداخلي، القاضي بقمع الشعب، ليس إلا، وما يؤكد ذلك، أنه اكتفى بعدد قليل من الطائرات الحربية الصالحة للخدمة داخل سمائنا، والعاجزة عن أنْ تطول أيَّة أهداف أقصر من مرمى الطيور.
"كريمة" و"ثــُريا"- من أشهر الأسماء النسائية، وأكثرها شيوعاً بين بنات "طرابلس"وأحبها إلى الطرابلسيين- وكل بنات العاصمة، يستغثنّ بالله وبكم: "وامعتصماه"- من معتصماه معمر القذافي وأبيه وأخوته- لما شاهدنّ (هولاكو) بقرنيه، يعلو أسوار مدينتهم، ممثلاً في صورة "معمر" الغازي، وهنّ يستغثنّ يدركنّ، بأنّ الشّعب أصدق إنباءً من النُّخبِ.











0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية