السبت، 12 مارس 2011

كابوس ليلة 15 فبراير 2011

صحوت يوم الثلاثاء، الموافق لعنوانه، مُنقبـِض القلب، ومُتقطِّع الأنفاس، أبحث عن جرعات الهواء، كعطشان يهيم بالصحراء، يتسرّب موضع بركة السراب من تحت قدميه، كلما وصل إليه، والعرق يتفصّد من جبيني بكميات كبيرة، لكأنني كنت أهرول في (ماراثون) حول محيط الكرة الأرضية، في جوِّ قائظ، لا غـُمامة واحدة في سمائه، أستظلُّ تحت غطائها.. يا الله ما الذي رأيته في الحلم؟ بصقت على يساري ثلاث مرات- حاشا لكم- مُردِّداً بلسان مُتصلِّب: “يا ساتر استر.. الله يلعن الشيطان” بعدد حبّات مطر الغيمة، التي لم تنقشع من أمام غبش ناظري، تعوذت من الشيطان، لأني رأيته في حلمي، ولم أستطع أنْ أبوح بسرّ حلمي لأيٍّ كان، فمثل هذا الحلم، لا تروى أحداثه وأحاديثه لأحد من الناس، إلى انقضائه وزواله، هكذا علّمني أبيّ، ونِئتُ بحِمل الحلم، كحِمل (حَمل) العربية سِفاحاً، وهي في مضارب أهلها.. فيا للعار ويا للهول ويا للمصيبة، ويا له من كابوس.
بقيت في البيت يوم ذاك، لم ينقضِ اليوم، حتى ثبت الحلم وتحقـّق، بعد أنْ وصلتني أنباء عن خروج واعتصام أهالي ضحايا (قهرة بوسليم) التي لم يسلم من شرها أحدٌ في بلادنا- بوسقيم- واحتجاز أحد النشطاء منهم.. تفاقم الموقف وتأزم بشكلٍ مُتسارع، عشية أو قبل يومين من موعد يوم الغضب في بنغازي وليبيا ككل، المُقرر له أنْ يكون يوم الخميس 17/2/2011 ميلادياً.
صباح يوم الأربعاء 16/2/2011 خرجت إلى وسط المدينة، لألحظ هدوءً نسبياً وحذراً، يُخيّم بظلاله على شوارعها، مشوباً بشيءٍ من الاحتقان والتّرقب، وكان هذا المرأى غير غريب، في دولة ترزح تحت حكم نظام مستبد وغبي، لم يفلح حتى في حلِّ قضية جنائية كهذه، وأضاع على نفسه، فرصة حلحلتها بطريقة ودّية، كانت ستجنّب البلاد هذه الثورة الشعبية العارمة، نتيجة استفزاز واحتقار رأس هذا النظام لشعبه، طيلة مدة حكمه الأهوج، فهو في غبائه حيال هذه القضية، كغباء “صدّام حسين” الذي لم يفلح في ردّ التهمة المنسوبة إلى بلاده، بخصوص امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، حيث إنه غشّ وغلّوش على العالم وعلى شعبه، بل حاول أنْ يوهم البعض، بأنه يحوز بالفعل مثل هذه الأسلحة، في حين، أنه لو لم يتصرف بغباء وعنتريات، مع فرق التفتيش، طيلة أثني عشرة عاماً، لما أعطى الأمريكان ذريعة لافتراس بلاده.
صبيحة يوم الخميس 17/2/2011 أي يوم الوعد المُرتـَقب، عدتُ الكرّة، والكُرة إلى مرماها الأول، ذاهباً إلى وسط المدينة، لأجد أمام المبنى (المُتقنّفِد)- المثابة الـ(ماما)- أناساً كأنهم خارجون من فم عفريت، ابتلعهم لفترة طويلة وأسكنهم في أحشائه، أو هي مفرخة للشياطين و(الأبالسة)، يعتمرون القبعات الصفراء- كعلامة سرّ بينهم تـُميّزهم- التي عادة ما يستعملها العمّال الكوريون، فظنّنتهم شغـّيلة في إحدى الشركات الأجنبية، غير أنهم كانوا يمتشقون الهـِراوات، ويصيحون بنفس مُتقطـِّع: (الفاضح وحدوية.. الفاضح ضد الرجعية.. الفاضح في كل مكان.. الفاضح هو العنوان) كانوا يردّدونها بتائِها لا ضادهِا، ويُضادُّها من الجهة الأخرى، بعض الفتـّية القادمين تواً من الشارع المقابل لها، والمُتفرع من شارع “جمال عبد الناصر*”- ياريت اتغيرو اسم هالشارع بعد نجاح الثورة- وهم يهتفون بلازمة الثورات العربية الحديثة: “الشعب يريد إسقاط النظام”- أي إقعاد العقيد، المُعقد والمُتعقد منا- فيردُّ شغيلة المثابة: دوم “مؤمَّر**”-علينا طبعاً- هو القايد.. من غيره خرّاف وزايد.. وكانوا بذلك، يستفزون هؤلاء الشباب بالقمع الفكري والعملي، وهذه سابقة غريبة في منظومات القمع، إذ جرت العادة أنْ يقوم بصدّ مثل هذه التظاهرات السلمية قوات الشرطة والأمن، في حال اعتداء المتظاهرين على المنشآت العامة، في محاولة من أجهزة المخابرات التابعة لأجهزة “القذافي” القمعية والمُتعدّدة، للإيحاء بأنّ لديه مناصرين في البلاد، وأن الاشتباك الدائر بين الفرقتين، هو اشتباكٌ مُسموحٌ به، ضمن إطار اللعبة الديموقراطية، التي لا اتحاد فرعي لها في ليبيا ينظمها، كما الألعاب الباقية.
نعم، فقد كان في تواجد هؤلاء (الثيرانيين) في الظرفين الزماني والمكاني المُحدَّدين، خطأ فادحٌ وغير مدروس، خصوصاً أنهم قاموا قبل ذلك بيومين بنصب الخيم في ساحة (الكيش)، ليقيموا فيها (فلكلورهم) الثوري، بالهتاف لـ “قائدهم” إلى حتفهم، ولم يمنعهم ويتصدَّ لهم أحدٌ، وقد لاحظت أنّ ثمة بينهم، من يسبُّ النسوة في الشرفات بأقذع الشتائم، بمجرد أنْ يحاولنّ بأصواتهنّ، ردّعهم وردّ الخطر، عن أبنائهنّ المُتظاهِرين، ولعلّنا في استماعنا إليهنّ، في المشهد الذي تعرضه القنوات الإخبارية، وهنّ يصحنّ في وجوه هؤلاء، فيما يعرف في بنغازي بـ(شوارع الكبدة) وفعلاً (كانن اكبودهن دم عليهم): "يبو يحرقونا .. يا حقراء .. يا كلاب يا كلاب" تذكيراً لمقطع من فيلم عمر المختار، حين اقتحام الطليان لقريته، والنساء يصرخنّ: "خطونا.. ايش تبو منا؟.. خطونااااا".
احتدم الموقف بين الفريقين، غير أنّ الطرف الموالي لـ “القذافي” كان بينه من يطلق الأعيرة النارية في الهواء وعلى الناس، على نحو عشوائي، وحاول باستماتة الذود عن هذه المثابة، التي تمثّل له رمزية مهمة، فكلما اقترب منها شباب الثورة، زادوا من كثافة النيران، تركت الساحة وعدت إدراجي، وأنا على يقين بالنصر واحتشاد أعداد كبيرة من الثّوار في اليوم الموالي له (الجمعة) لأرى الشارع ذاته وقد تحرّر من شراذم أصحاب الخوذ الصفراء، التي بقيّ جُزءٌ كبير منها ملقياً على الرصيف، بعدما تم سحب رؤوس معتمريها كما بدا ليّ، إلى معقلهم ومعتقلهم الأخير في “طرابلس” وبعد أنْ رأوا قـُنفذ مثابتهم، وقد انكفأت دبابيس ظهره، وهي مثل تنور، وقوده نسخ ورقع كتابهم الأخطر.

أعمال شيطانية:

إنّ ما قامت به كتائب “القذافي” الأمنية من جرائم في مدة ثلاثة أسابيع، فاقت حتى ما قام به حزب الكتائب في “لبنان” إبان الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن المُنفرِط، المُمتدة لأكثر من خمسة عشر عاماً، فقد أوغلت في دمائنا، وتعدّدت جرائم هذا النظام وتنوعت، من كذبٍ وتلفيقٍ وقتلٍ ونبشٍ للقبور واختطافِ الجرحى، ومحاولةِ بثّ الفرقة بين أفراد الشعب الواحد في “ليبيا” بالفتن والدسائس، وانتهاك الحُرمات، ولم يكفِه، أنه لم يبنِ مسجداً واحداً في بلادنا، بل دكّ المساجد على رؤوس عامريها وأعمدتها من المصلين والمعتكفين بها، ولا ننسى إشاعته للأخبار المُغرِضة بين الناس على شاشات قنوات هذا النظام البائسة، باستحضار عدة شخصيات خانت الوطن والعباد، وعلى رأسها “يوسف اشكارة” الذي كلما انشقّ أحد المسؤولين- الذين فاقوا من سُباتهم، بعدما شخصت أمامهم حقيقة “القذافي”- والمخلصين من التكنوقراط، الذين إنْ عملوا في منظومته، فلأجل نهضة بلادهم، أتى بـ(اشكارته) المليئة بالقذورات والسُّباب، التي لا تصدر إلا عن شخص باع ضميره واسمه وفعله للشيطان، فشيطن الجميع، وفلم يسلم من لسانه السليط، حتى علماء الدين، الذين نـُكنُّ لهم أسمى آيات الاحترام والإجلال، ولست أعي من يكون هذا الكيس الدُّهني، حتى يطعن في كلِّ شخص، قال كلمة حقٍّ في وجه سلطان جائر، وما زلت أنتظر منه ما سوف يقوله في حقّ (ماردونا) إنْ طلب من “القذافي” التنحي، ولو تستغربوا إن حدث ذلك، أنْ يقول عنه: “تي من هو ماردونا؟.. عقاب واحد مدمن وصايع.. راهوعندي له تسجيل فيديو في مباراته مع بريطانيا في مونديال 1986 انتم مش شايفينها.. دار فيها GOOL بيده.. واللهي وراس القايد.. ما هي امخطمة عليه الكورة بكل.. ولعلمكم راهو استلم من الساعدي- ولد الأخ القائد- مبلغ وقدره.. بيش ايعلمه تسديد الركلات الحرة.. وما نفعش فيه القدر هالخاين.. وما وجعتني إلا التفتوفة اللي خذاها بلا فايدة.. يا طول ما جرّب الساعدي ايشوط الكورة بره خط الـ 16.. زي ما علمه هالأرجنتيني النصراني.. وفي كل مرة.. ايشيّر فيها في قلب السماء.. لين كره الكورة وبطّلها.. وخش على جو السينمات.. من تحت راس هالماردونا.. وربي ايوفقه في هوليوووود.. امغير انكان شاورني الساعدي بس.. راني ما نصحتش بيه.. ودلـّيته على زيكو البرازيلي الأشقر.. مش هضا اللي رايح كيف البتـّية***".
إنّ هذه التصرفات كلها لا تصدر إلا عن نظام عنجهي ومُتسلِط وعاهر، يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره، وهي لمن من رجس الشيطان.

حلمك يا شيخ علاّم:

بعد صعود بنغازي وتحسُّن أخبارها، بزوال أحبارها من تلاميذ التلموذ، وتآكل وسقوط عِظام النظام، التي نخرها سوس الفساد، وبعد كل ما شاهده الوطن إثر هذه الثورة المباركة، من وحشية وهمجية “القذافي” صار من المُتاح والمُباح أن أخبركم بكابوس تلك الليلة:
(رأيت في الحلم، عدة نساء شقراوات وعاريات، يتحلقنّ في حالة رقص، حول “القذافي” الذي بمجرد أن تقابلت عينايّ بعينيه، أدار ليّ ظهره، وهو بينهنّ، ليكشفَ ليّ عن شعره الطويل، الذي يصل إلى حدّ خصره، الغريب أنه كان يرتدي زي امرأة، بلون يميل إلى الزرقة القريبة من السواد، والأغرب هو أنّ شعره بان ليّ مُتفحِماً ومُتحجـِراً، أفقت من دهشتي لا من حلمي، وأنا أتساءل: من تكون هؤلاء العاريات؟ ولماذا يدير ليّ ظهره؟ ليجيبني هتافٌ: “إنهنّ روسيات الجنسية، وهو الشيطان” نهضت على تلك الحالة، باصقاً على الشيطان ثلاثاً، يوم الثلاثاء صباحاً).
ـــــــــ
(*): يكفي أنه من سلّط “القذافي” علينا وعلى العرب أجمعين، بعد تلك الوصية القومية: “أترككم وأنا أقول …. إلخ”.. فكيف لزعيم كعبد الناصر، أدّعى تبنيه للمشروع القومي وحرصه عليه، أنْ يضع طوق هذه الأمانة الغالية في عنق شاب صغير، بعد سنة واحدة من توليه الحكم، ولم يُكشف عن نيته بعد؟، فيا لها من فوضى ومراهقة سياسية، رهنتنا لهذا الطاغية، ليخوّن بموجبها، كلَّ من كانت له رؤيا غير رؤيته المُشمَّسة بنظارة التعالي، حتى انطبق عليه المثل الشعبي القائل: “وكـّلناه قطع عايلتنا”.
(**): هكذا نطق اسمه، بعض المرتزقة الأفارقة.
(***): لم آتِ بشيءٍ من عندي، فهو بهذه الكيفية، يوزع السُّباب ويكيل الشتائم، وأكثر ما يركّز على الجانب المالي

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية