السبت، 29 يناير 2011

الثورة قائمة لعن الله من نوّمها

حينما تكون الثورة ضد الظلم، فهي تسير في طريق صحيحة، ومتى كانت الثورة الحقيقية، تتـّجه في غير هذا المسار غير الدوّار؟ بل في خط مستقيم أفقي، من نقطة الموات إلى الحراك، أو على نحو متجه عمودي، سهمه، يُرسم من الأسفل إلى الأعلى، لما تصعد وترتقي بمطامح الشعوب إلى أعلى، وتوفـّر على المجتمعات، عناء التضحيات الفئوية والنخبوية والمثقفة، التي جرّبت الشعوب العربية الاعتماد عليها طيلة ستين من سنين الحراك ـ أو قـُل هو الخوار السياسي العربي ـ من دون فائدة، لأنّ هذه الأساليب المناهضة للقمع والمُطالبة بتعدّد الحريات، لا تأتي بالنظم الديموقراطية، بل الأخيرة هي من تأتي بها، وترعاها وتوفر لها الفضاء الواسع لممارستها.

الثورة حقيقة، أدركتها الشعوب المسحولة تحت أحذية قامعيها، بعد فترة سُبات وجبن وتواكل طويلة، بعدما تأكدت من نجاعتها، واختصارها لوقت طويل في صراعها ضد أنظمة الفوضى السياسية، التي لم تألوا ديناً ولا ذمة في تعاملها مع شعوبها، إذ أنها لا تؤمن حتى بأسلوب الحوار مع الحركات الوطنية، ونجدها على الديمومة، تفرض أجندتها الحوارية بأسلوب "عنز ولو طارت" معتمدة في ذلك على ما حصّلته في فترة حكمها من أدوات استبداد، لدرجة تسليح ميلشيات الحزب الحاكم، كما رأينا في "مصر"ـ في ثورة شعبها الأخيرةـ رجالاً غلاظاً أشداء على مواطنيهم، رحماء مع من يـُفترض بهم أنْ يوجّهوا جبروتهم إليهم من الأعداء الحقيقيين، بل ذهب الأمر بهذه الأنظمة، إلى العبث حتى بنتائج الانتخابات المزيفة أصلاً، لتزيدها زيفاً وزوراً، فجعلت من كل من صوّت فيها ممّن يحقون لهم هذا الحق الوطني، مجرد شهود زور.

سؤالي للعاقلين، الذين ما فتئوا يحاولون وعلى الدوام، أنْ ينؤوا بمجتمعاتهم بعيداً، عن الوقوع في صدام الشعب مع أجهزة الحكم الفاسدة، خشية الانزلاق في مستنقع الفوضى وانعدام الأمن، من دون أنِْ أذكـّرهم بـتقنية جدلية معروفة، تكمن في طرح هذا السؤال التبكيتيّ: "وما الذي سيخسره الشعب، أكثر مما خسره من الأرواح والأموال في وجود وتسلط هذه الطغم الحاكمة بطعم الذل والإفساد؟" فبعيداً عن ذلك، أسأل بتعبير آخر، وهو الأهم: " كيف لشعوب أنْ تداهن أنظمة تسلطية، تستكثر عليها، حتى أنْ تختار من يمثلونها في مجالس الشعب والبرلمانات والشورى، ناهيك عن رؤوس الحكم، ولو أدّى الأمر بهذه الأنظمة إلى انتهاج الأساليب الوضيعة، من غش وتزوير وتشويه للفئات النخبوية، في الوقت الذي نجدها فيه، قد احتكرت حتى الفساد لنفسها، وصار رجالها رجال فساد؟".

والحال كذلك، لا سبيل أمام الشعوب العربية، وأية شعوب أخرى، تعاني مثلما تعانيه الأولى، ولا أعتقد أنّ ثمة أنظمة بعد، ما تزال تتسلط على شعوبها، كيفما يحدث في المنطقة العربية، فحتى الأفارقة قد تخلصوا من مستعبديهم من الغرب وأبناء جلدتهم، منذ فترة طويلة، مع أنها شعوب فقيرة، وليست على درجة عالية من التعليم، كما هي النعت في الدول العربية، التي كانت وما تزال تـُحسب على المجتمعات النامية، إلا أنها نتيجة الطغيان الذي عانت منه، بدأت حتى مؤشرات التنمية فيها، ترتد على أعقابها، فهل من الحكمة في شيء، أنْ تصبر وتصطبر الشعوب العربية جمعاء على أنظمتها إلى هذا الحدّ، الذي من شأنه أنْ يضيع مكتسباتها واستقلالاتها بالتفريط في ثوابتها، لأجل أن ْ تظل في سُدة الحكم وفي هرمها.

الثورة ليست فتنة، فالإسلام في حد ذاته، كان وما أنفك ثورة على الباطل، وما مشهد الرسول الأعظم عليه أشرف صلاة وتسليم، وهو يفتح مكة، ويفتتح نظامها السياسي والعقائدي الجديد، وهو يكسر الأصنام التي بداخلهاـ360 صنماً،التي هي بعدد أيام السنة عند العرب، وأكثر بكثير من أصنام وتماثيل اليوم ـ وهو يقول: "جاء الحق وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً" إلا قمة الثورة على الكفر وجهابذته، بعد أخذ وعطاء ومسايسة لرموز الكفر، علّهم ينتهون على ما هم فيه، وبعد مكابدة وتنازلات، كما رأى بعض الصحابة مع جلاوزة الكفر، حتى لا يتهمه أيٌّ منهم، بأنه اعتدى على قومه، وسرعان ما بات الكل يطالبه بالنيل من المشركين، الذين طغوا واستكبروا، وما عاد ينفع معهم إلا القتال، وقد كانت ثورة سلمية.

العبث المخشي منه، في حالة الفراغ السياسي، الذي يعقب عادة ـ أو كما هو متوقع ـ الإطاحة بهذه الأنظمة الوضعية والوضيعة، لا تتحمل تبعته إلا هي، لا الشعوب، لأنّ الأخيرة، قد حكـّمت ضمير الوطنية لديها، وكانت أشرف منها مع أنّ الأولى كانت وما تزال تدّعي الحفاظ على الهويةـ هنا لست بوارد توجيه الاتهام إلى الشعوب العربية، لأنها استكانت كثيراً، فالمهم أنها فاقت من التخدير الذي كانت عليه ـ وسمعت فتاوي شيوخها بتحريم شق عصا الطاعة، غير أنّ غباء الأنظمة العربية وصلفها، هما من أوجبا إعلان الثورة على ما تبقى من أصنام وأزلام ونصب حقيقة وتاريخية.

قال تعالى: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .. صدق الله العظيم.

ولأنّ لكل مجتهد نصيباً، ففي هذه الآية ـ بحسب ما أحسب ـ تحريض وترخيص بالثورات على الظلم برموزه وأدواته، وسيحاسب الله كل من ألقى الرعب في قلوب الناس، لدى تخويفهم من باطشيهم الظالمين.
...
لدينا الآن نموذجان من الثورات العربية:

1ـ الثورة التونسية: وقد نجحت نجاحاً باهرا،ً فاق كل التوقعات والتقديرات، وفاجأ المراقبين بأنّ التضحيات كانت أبخص ما تكون في عددها على الرغم من الغلاء قيمتها، ولا أخشى عليها من أي طارئ.

2ـ الثورة المصرية: تأخرت كثيراً، وكان لي عتاب على الشعب المصري، الذي بسكوته على هذا النظام الكرتوني الفاسد، قد مكـّن من نشوء وقيام أنظمة أخرى في الدول العربية، هي نسخ طبق الأصل منه، إذ أنه برأيي ومنذ علوه هرم جيزة السلطة في "مصر"، قد دشّن للقمع وكبت الحريات الخاصة في الدول العربية بأجهزته القمعية وأدواته البطشية، وأسهم في رعاية الانقلابات، واستمراريتها في السلطة، حتى صار في كل قطر عربي "أبو الهول" الذي أذاق شعبه الهول والإجرام، وعلم هذا النظام المصري الأنظمة الأخرى، فنون الاستبداد والاستعلاء والتعذيب في السجون وأقبية المخابرات.

حيث لا يشفع لأي شعب، أنْ يتذرع: "إنّ ما يقوم به النظام لا يمثـّـل الشعب، وإنما نفسه" كما جرى أثناء شروعه في بناء الجدار الأرضي ضد المقاومين في غزة وتجويع أهلها، وقبل ذلك، في التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد" التي صار الشعب المصري ملزماً بها دولياً، حتى لو تمّ التغيير في "مصر" إذ أنه ورّث الشعب والبلاد حملاً ثقيلاً، سيعانيان منه لفترة طويلة، وأيضاً، بعد الأزمة التي أعقبت مباراة منتخبي "مصر" و"الجزائر"، فقد كان لزاماً على الشعب المصري، ألا يتحجّج بهذه العبارة المتخاذلة، وهو الذي فاق بعدده الثمانين مليون نسمة، وسبق وتقدّم العرب في النهضة، بل توجّب عليه أوقاتئذ، أنْ يقيم عليه الدوائر، ويمنعه من أنْ يعبث بأواصره الأخوية، ويضعه في مثل هذه المواقف، التي من شأنها، أنْ تؤلب عليه الشعوب العربية الأخرى، وتفقده احترامها له ولتاريخه، والحال نفسها، بالنسبة للجزائريين، فإلامَ تصمت الشعوب على أنظمتها الفوضوية، أ إلى هذا الحدّ؟.

الثورة المصرية أراها في خطر داهم يُحدّق بها، طالما سُلم الأمر إلى الجيش، المدرسة التي تخرّج فيها "حسني" وزمرته، وحكم البلاد بصفته بطل الحرب والسلم، خصوصاً وأنّ رئيس أركانه، كان في "واشنطن" حتى ساعات متأخرة، في جو يشي بصفقة سرية، سيرتب لها في المشهد السياسي المصري، يسلم من خلالها الرئيس "حسني" السلطة للجيش، وتضمن له الخروج سالماً غانماً من البلاد، فقد استغربت ترحيب الشعب المصري في ميدان التحرير بمدرعات الجيش، وهو يعلم بأنها ما نزلت إلى الشارع، إلا بأمر القائد الأعلى للجيش وللنظام "حسني" وآملُ أنْ تكون تقديرات هذا الشعب في محلها، وألا يُخيّب مسعاه ورجاءه، وألا يخذله هذا الجيش.
...
إنّ ما تشهد "مصر" في هذه الأيام من مظاهر ثورية على الحكم الفاسد هناك، إلا دليل على صحة هذا الحل الجذري مع هكذا أنظمة، التي ما تزال تتمترس وراء أكاذيبها ودجلها، حيث إنها على الرغم من انهيارها البنيوي والهيكلي، ما برحت تستند إلى الدستور الذي وضعته لتحكم به الشعب، من مثل أنّ "حسني" لا يزال الحاكم الشرعي لمصر، وتريد أن يفرض على الشعب المقاس الذي اختاره له، حتى في نهايته.
...
فبعد مراقبتي للوضع السياسي العربي الراهن منذ مدة طويلة، تيقنت بأنه ليست ثمة وسيلة للتغيير، إلا بالثورات السلمية غير الثورات الثيرانية، التي هي في حقيقتها إنقلابات، كانت ضد أنظمة شهدت الشعوب العربية أيامها، قدراً من الحريات، أو على الأقل ثورات تؤدي بها إلى كسر جدار وسقف الخوف لنيل المكتسبات على الأرض.

وهذه مقالة سابقة لي بعنوان "دور المثقف" بيّنت فيها أنّ التغيير سوف لن يكون على أيدي النخب، بل الشعوب عندما تنقضّ على مستبعديها ومستعبديها، ومن ثم يأتي دور النخب لإعادة تنظيم الشعوب من دون أن تقفز على طموحاتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): المقالة على هذا الرابط:


 





















3 تعليقات:

في 30 يناير 2011 في 10:51 ص , Anonymous غير معرف يقول...

ااتقوا الله و خلوا ليبيا في حالها ربي حافظها

 
في 30 يناير 2011 في 2:16 م , Blogger Libya against corruption يقول...

"وهو يكسر الأصنام التي بداخلهاـ360 صنماً،التي هي بعدد أيام السنة عند العرب،"؟؟ السنة عند العرب 356 يوما.. حيث اعتمد العرب على التقويم القمري و ليس الشمسي الذي يعتمده اليوم العالم الغربي

 
في 30 يناير 2011 في 6:18 م , Anonymous غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله


تحية لشخصك الرائع وقلمك النابض بالصدق والتحليل

أعجبني وأوافقك الرأي في كل ما كتبت واستغربت!!!!.

اسمحلي لي بالتفاعل والتعليق ....

إن ما ينقص الثورة في حال ان وجودها شي ضروري وحتمي هو رجال ذو ثقافة وعلم ووعي ديني
فبغياب الثقافة يصر الفرد على ان عدد أيام السنة (356يوم ؟؟) وليست ب 360 يوم وهي بعدد الأصنام التي حطمها رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في فتح مكة والتي كانت بالفعل عدد ايام السنة لديهم معروف بهذا العدد .. فلا عليكِ سوا مراجعة تاريخك الإسلامي ومراجعه مصادر التاريخ والاستفسار عن هذا الرقم ولما حدد ب 360 دون غيره .. ولكن أطمئنك بأنكِ لسِت بأفضل حالاً من الذين استفادوا بوجد الضوضاء والهرج الذي في الشوارع المصرية فغاب الوعي الديني ونسو بأن السرقة فعل منهي عنه وتلاشت هذه القيم وصار الدمار عنوان شامل للممتلكات الهامة كمثال بسيط المتحف المصري والمؤسسات العامة الخاصة بالمواطن دون غيره وبغياب العقل يلغى كلام الله من عقول البشر بتحريم قتل النفس كما قال تعالى( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ) سورة الانعام .151

وليبيا يا أخي بخير والكاتب لم يمس ليبيا بسوء وربي يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين

ختاما
لست ضد الثورة في حال إن كان التغيير للأفضل وفي الصالح العام قبل الخاص ولكن تكون برجال يحملون الثقافة والدين والعلم وليست بالنهب والفوضى ولا مبالاة فأنت تثور من اجل بلاد وليس لشخص أو لمصلحه شخصية..
وليبيا محفوظة في قلب كل ليبي ينبض بالخير والحب تجاه بلاده ..

أشكرك أخي زياد عما قدمت وبالفعل تحليل صائب وربي يحفظك ويحميك من كل سوء

في أمان الله
هـــــدوء الشتاء

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية