الاثنين، 15 نوفمبر 2010

ع الماشي

1- بالعربي الفصيح
الفاعل المنفي : 'لم ينجح أحدٌ'.. لست بسوقي لهذا الخبر، بوارد تقييم ومعالجة مسألة التعليم في بلادنا، وذلك بالوقوف عند هذه الجملة، التي دأباً ما تطالعنا بها صحفنا السيّارة والطيّارة، عند عرضها للنتائج العامة، عند نهاية كل عام دراسي، وبخاصة في المدارس الخاصة، بل إنّ الأمر أهم من ذلك بكثير، ومن شأنه إذا ما عالجناه، أنْ يختفي هذا الخبر من صحفنا وحوائط مدارسنا.
لكني ما جرّرت هذه الجملة الخبرية، إلا لأني قدّ وددّت، أنْ نتفحصها بمجهر لغويّ، ففي هذه الجملة، تُعرب كلمة (أحد) غصباً وقهراً عن الإعراب والحضر، بهذه الكيفية: فاعل مرفوع وعلامة رفعه، الضمة الظاهرة والزاهرة على أخرها، في حين أنّ الفعل- فعل النجاح- لم يحدث في الأصل، وطالما أنّ الجملة منفية بـ (لم) فإنّ الفاعل- من ثم- هو الآخر منفيٌّ عملاً ووجوداً في جزيرة المجهول، ما يعني، بأنه لم يقـُم بفعل شيء ذي بال ولا أهمية، مادام لم يأتِ في إثره أداة الاستثناء (لا) مبطولٌ عمل ما بعدها، فيعرب فاعلاً، كقولنا: 'لم ينجح أحدٌ إلا رمضان'.. فـ (رمضان) هو الفاعل الوحيد.
بل إنّ الفعل المنفي، قد لا يكون لازماً، كما سابقه (ينجح) وربما يتعدى ظلماً وعدواناً-على وإلى- أكثر من مفعول به واحد، وهنا تكمن الكارثة، التي نستبينها بهذا المثال: 'لم يعطِ فـُلانٌ عِلاناً شيئاً'.. فلا فلانٌ أعطى، ولا علانٌ أُعطي (مبني للمجهول) ولا العطاء، وقع على أحدٍ بالمرة، وجرياً وهرولةً على ذلك، في موضوعة الإصلاح- الذي استهلك من أعمارنا خمس سنوات ولم يُدون له النجاح- لا ثمة من أصلح، ولا من أًُصلِح (مبني للمجهول) ولا من شيءٍ أُصلِح به ولا لأجله.. وأصلح الله حالنا وأحوالكم.
***
2- بالعامي الصريح:
صلاح النيّة : جرّب ذات مرة، أنْ تسأل أمك العجوز، ومن ليست أمه عجوزاً، فليسل جدته، ومن جدته ليست على قيد وسجل الحياة، فليسل خالته، ومن خالته ليست عجوزاً- سأخبره لا حقاً من يسأل- كلاً بحسب عجوزه المتوافرة: يا مينتي، يا اجديدتي، يا احنينتي ، يا اخويلتي- كلاً بحسب لهجته- نبو انصلحو، انسقموا، انتكمو، انصينو، انرقعو، أي شيءٍ في الحوش، ازعمك ايش انديرو؟ ستراها تسحب يدها حتى تصل إلى تكـّة سروالها العربي، المزركش بالورود وأوراق الشجر، من عند الركبة، وتخرج ما فيها من مال، ثم ترفع يدها إلى عينها، حتى تمس رموشها البيضاء، لتفرز ما حوته يدها من عُملاتٍ ورقية ومعدنية، ثم تتنهد وتخبرك: ' يا اوليدي الرك ع الفليسات.. ونا ما عندي شي' .. ويا لهذا الشيء، فنحن لم نفعل شيئاً، ولا نملك شيئاً من هذا الشيء، وليس بمكنتنا سوى سيءٍ واحد نفعله، إذا توافرت أشياء كثيرات، وعلى رأسها (صدق النية) وهو أهم شيءٍ.
وأنت يا من لا عجوز لك، أعرني أذنك، لأنصحك بمن تسأل، اذهب إلى سوق الفندق البلدي، ستلفي هناك عجائز يبيعنَّ (الفاصوخ والبخور والوشق والجاوي والشبّة) ستجد بينهن عجوزاً تـُدعى 'أمغالية' فسلها دونما حرج، بعدما تعتبرها أمك أو جدتك أو خالتك، وإياك أنْ تستهين بها، أو تهتم بمن سينبزك (... عزايز): 'يا احويجة الجماعة متلخبطين زي ما قالو.. ومش عارفين كيف ايصلحو لبلاد.. وايمشو أمور العباد.. يا ريت اتسمعينا أدبارتك'.. ولن ترد عليك، إلا بهذه الإجابة: 'شوف يا باتي.. أول حاجة لازم اتديروها.. هي انكم اتدبرو كيف اتزوزو لعويلة.. والبنات قبلهم.. واللهي حرام عليكم.. راهن قعدن امعلقات في رقابي هلهن.. وهضا شي ما كنا نعرفوه سعتها.. ولاهو من طبيعتنا.. والحمد لله.. لبلاد خيرها واجد.. وسبحان الله اجدودنا جاهدو وربي كافانا بالبترول.. زينا زي أي شعب مجاهد آخر.. خوذ عندك الجزائر والعراق والسعودية.. إلا المصاروة والتوانسة والزلم.. اللي ما جاهدو بالدم زينا.. وطنهم ما فيه قطرة بترول.. اوخلاص دوبينا لفلوس موجودات ما فيش مشكلة.. عدي سلم اوليدي.. عد الشباب والشبابات.. اللي قاعدين بلا زيزة.. وسجّل روحك أنت أول واحد فيهم.. باقيتك طلعت راجل وحليت فمك.. وبعد أنْ تقوم بما طلبت إليك، ستخبرك: 'توا يا باتي.. اتدبرولهم قبل كل شي في المطارح-السكن- وتبنو ابزايد.. وما تظلمو حد.. كل ذكر وأنثى احجزولهم في اشقيقة.. وما تقعدوش مراخي.. شدو حيلكم وابنو ابسرعة.. وبعدها أثثولهم حيشانهم.. من عود الوقيد لعند الثلاجة والموبيلية.. وفكونا من القربج اللي تكركرو فيه.. جيبولهم الحاجة لمسقمة.. والله والنبي في البناويت.. راهو الرسول صلى الله عليه وسلم.. اموصي عليهن قبل ما ايموت.. ريت نبي انقولك سر.. اللي في يده حل لهن.. ومش امدورهن.. اتجيه على اخشيمة.. وشغلو العويلة.. بيش يلقوا ما يصرفو على صباياهم واعويلتهم'.. بهذا الاستسهال والتبسيط، ستنهي الحاجة 'أمغالية' مسألة العنوسة في البلاد.
سلها أيضاً: 'كيف انديرو في موضوع الفساد؟' لكن ليس قبل أنْ تشكرها و(اتختخها) لتشعرها بأهميتها.. وستعطيك الحل الآتي: 'شوف سلم اوليدي.. وقول ما قالتها خالتي أمغالية.. السرّاق ما سرق إلا لحاجة وحدة.. أنه جيعان وما لقش من ايرده.. وستسوق لك مثلاً، توهمك بأنه شعبيّ، في حين، أنه من تأليفها ووليد اللحظة: 'قالو للسراق شنو علمك السرقة.. قاللهم بطني الجعانة'.. استمر في (تختختك) لها: 'ما قال فمك إلا الصادقة يااحويجة' واسمع منها الحِكم والحلول الناجعة: 'العطشان.. ارموه في جابية امية حلوة.. لين يروى ويعرفها امية.. وكلا من الجعان.. ما تعطوش.. لحيمة لحيمة.. لا يا باتي.. دكوله في فمه عجل.. لين يشبع ويعرفه لحم.. وبعدها ينبشم (يصاب بالتخمة) ويزهد اللحم في عينه.. هذك الساعة معش ايدور حاجة.. ولا يقعد شاد روسكم.. لا هو ولا العطشان.. وبعدين تقدرو اتنظمو عيشتهم.. ومعش تحرموهم من شي.. ع الأقل ذوقوهم امريرة امريرة.. وتعتكم بعدها تبنو لبلاد وأنتم متريحين وبالعقل والهداوة.. ودقها ليا وشمة هنا- وهي تشير إلى ذقنها الموشوم أصلاً- انكان سمعت واحد سرق.. عارف ليش يا باتي؟.. باقيته معش يقعد اهناك ما ينسرق.. دوبينا كل واحد خذا وجابه'.
***
3– بالفصيح والعامي :
إذاً، الإصلاح كما ترى الحاجة 'أمغالية' الأميّة، لا يستلزم كل هذه العناء والإطالة وتعقيد الأمور، وبناء المؤسسات التي تحارب الفساد بالفساد، وبرموز تستمرئ وتستثمر الفساد، لتجني منه المكافآت أو الوجاهة الأدبية والإعلامية، بحججٍ واهية، تتمثل في أنها على قدر عالٍ من العلم، والإطلاع على تجارب البلدان الأخرى، التي حاولت محاربة الفساد لديها، بتوسيع ثقافة الإصلاح الذاتي، من دون المال، لكونها في الأساس دولاً فقيرة، فالإصلاح يستلزم قبل أي شيءٍ ثانٍ، صلاح النية، لا حُسنها وكفى، والعمل على إصلاح أحوالنا بأموالنا، لا بالتنظير العقيم، الذي لا ينجب ولا يلد الفائدة على أرض الواقع.
فالمنظرون بهذا الخصوص، ممن يظهرون على برامج الفضائيات، يذكرونني بقصة الشيخ الذي اصطاد طائرا،ً وعندما جاء ليأكله هو وحفيده، اقترح عليه الأخير: أن يصنعوا من أجنحته وجسمه طائرة، فلا الطائرة طارت، ولا اللحم، صار صالحاً للأكل، بعد فوات الأوان، وسيكونون ممن أضاعوا علينا فرصة الإصلاح الحقيقي، وكلنا يتذكر المثل الشعبي: 'قالوا لجحا وين وذنك .....' فلا تجعلونا ضحية (عيدية) لأحلامك وتطلعاتكم الأدبية الصالونية.. (راكم في ليبيا.. وما اتكبروش الشورخ والشطحة) ومتى كان للمثقف دورٌ في مفاصلها؟ أخاف أنْ يأتي يومٌ عليكم تقولون فيه: 'كنا عارفين.. ما ايصير شي.. لكن درنا اللي علينا' وما هو الذي عليكم سوى أنْ تختصروا الزمن والعمل والخطوات على خط مستقيم، يصل في أسرع وقت، بين نقطتين اثنتين، هما:

(صلاح النية) ــــــــــــــــــــــ (الإصلاح).

ومن كان مولعاً أكثر بكيمياء الكلمات، فليعتبر هذه الترجمة الرياضية معادلة كيميائية تؤدي بالتحلل والتحليل، إلى النتيجة نفسها، في وجود عامل مساعد واحد هو (المال).. على رأي عجائزنا، لا مُعجزينا.


0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية