الأربعاء، 16 مارس 2011

القذافي ظاهرة صوتية



لمقدرته الفذّة على التحكم في طبقتي الصوت المستعارتين (الجواب والقرار) والتلاعُب بهما،  كان للقذافي أسلوبه الخاص في خطابه الهادئ والناري، إذ لا يمكن أن يكون لإنسان مرونة صوتية، على النحو الذي تظهر به طبقاته، ففي ذروة حماسته أثناء خطاباته- الثمانينية المُتعلقة بالمسألة الفلسطينية والقومية العربية، وكذلك التسعينية، إبان تطوافه بالمدن الليبية، ليظهر للعالم مؤازرة الشعب الليبي له، أيام الحصار الذي تلى إدانته بتفجير الطائرة الأمريكية (بان أم) فوق مقاطعة (لوكربي)- التي كان يحشد لها- بالإكراه- مئات الآلاف من الشعب الليبي من الموظفين والعاملين والعسكر والطلبة والتلاميذ، بنقلهم بحافلات المؤسسات التابعة له إلى  الساحات العامة، كان يرفع من صوته ويصبُّ جام غضبه، بالسُّباب وتلفيق التهم إلى زملائه في نادي الدكتاتورية من العرب، حتى يصل إلى طبقة الزعيق، فيتشنج ويحتدَّ، وسرعان ما يتحوّل إلى صوت (ولية جالطة) ما يجعله يتناول كأس الماء، ليزيل اليبس الذي يتعلق بحنجرته، وفي خطاباته التي تبثُّ في مجالسه الحاكمة، من مثل مؤتمر الشعب العام، التي عادة تأتي إثر صياغة القرارات من قِبل المؤتمرين من الشعب، أو هم المُتآمرين عليه، وعلى قراراته، ليتدخل فيها بطريقته المعهودة من خلال شرعيته الثورية، ليتحوّل إلى ثورٍ هائجٍ، يثيره اللون الأخضر، كلما رأى خرقته الخضراء مُعلَّقة قـُبالته، فيضرب بها صفحاً وصفعاً، إلى درجة أنه يُعطـّـل أبسط وأهم قرار، تكرّر في مسودة هذا المؤتمر العام- و(الغام) على متطلبات الناس، طيلة 34 سنة من حكمه، وينصُّ هذا القرار على: "صرف المرتبات في حينها" التي تتبعها عبارة المُعطى لهم الكلمة في المؤتمرات الشعبية "ونا هضا قراري"، وهو أمرٌ مفروغٌ منه، وحقٌّ طبيعيٌّ، من الواجب واليسر  تطبيقه خارج دائرة هذه اللعبة الوسخة.  

عموماً، كان إذ ذاك، وفي هذه المجالس، يتحدث إلى الناس، بطبقة (القرار) بصوتٍ وصيتٍ سيئ، في هذه المجالس ودوائره المغلقة، محاولاً أن يزأر به، ليتأسد ويستأسد على كل صوت آخر، وليوهم السامعين، بفحولته وصولته وجبروته، بغلظة الصوت النابعة من قسوة قلبه- ولا يسمح بمقاطعته إلا للهتاف له بـ"علّم يا قائد علمنا.. بيش انحقق مستقبلنا"- مركّزاً بذلك على مسألة مهمة، واظب عليها طيلة سني حكمه، وهي التخويف وإلقاء الرعب في قلوب الناس، وخاصة المرجفين منهم، ولو بطبقات صوته.
وناهيك عن كل ذلك، فهاتان الطبقتان اللتان لا يمكن أن تجتمعا في رقبة إنسان واحد، كما يعرف خبراء ومهندسو الصوت، تحرفان القرآن، ولا يمكن أن تصدرا إلا على لسان من مسّه شيطان رجيم.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية