السبت، 26 مارس 2011

أنا عبد مأمور


بقلم : زياد العيساوي

في البُلدان الديموقراطية، يُشكَّل جهازاً خاصاً لحماية الحُكّام الشرعيين لشعوبهم، وفق نظام التعدُّدية وصناديق الاقتراع بالانتخابات الدورية، حسب كل بلاد، ويتألف هذا الجهاز من عددٍ محدود من الأفراد، قد لا يتجاوز العشرات، لكنه قادر على توفير الحماية له، من كل خطر أو اعتداء- طالما أنّ الحاكم، لا يتجاوز التشريعات المعمول بها- ويبقى هذا الجهاز قائماً بذاته، حتى بعد انتهاء مدة ولاية الحاكم، ليعمل من جديد على حماية من يليه، ويتولى شؤون البلاد من بعده، ويُعامل الفرد في هذا الجهاز الوقائي، بقدر ما يُعامل به، أيَّ موظفٍ آخرٍ في دوائر الدولة والوزارات الأخرى، من حيث الزيادات السنوية، وقانون التأمين والتقاعد والضمان الصّحّي إلى ما إليها من قوانين وتشريعات نافذة، فتصبح ميزانية هذا الجهاز المستقطعة من حجم الموازنة المالية لخزينة الدولة، معروفة ومُقدَّرة سلفاً، ولا مكنة للعبث ولا التلاعب بها، تحت أيِّ مُسمى ومُخوَّلٍ وغطاءٍ.

أما في المنظومات الاستبدادية الحاكمة، تذهب مقدرات الشعوب على شؤون الحاكم الأمنية، حيث تُسخّر الجموع، التي قد تعادل ما نسبته 50% من معدل السُّكان أو ما يربو على ذلك، لحمايته، مما يسهم في إنهاك ميزانية الدولة، نظراً للمرتبات والمكافآت والنثريات والجوائز الكبرى والصغرى، التي تذهب سُدى إلى زبانيته المجرمة، كلما أبدوا ولاءهم للحاكم، وكلما أمعنوا في قمع الشعوب، ويحدث ذلك، في غياب الشفافية والمحاسبة، وغياب سيادة القانون، وجهل من يعمل ضمن رجال هذه العصابات ولصوص الثروة، ولعلّ في منظومة "القذافي" الخربة، أفضل نموذج ومثال لا يُحتذيان، لكنْ يُضرب بهما المثل الصريح، لتوضيح هذه الخصوصية، التي تعرف بها هذه الأنظمة، التي تقع على شاكلتها.

المنظومة الأمنية القذافية
لقد حاول "القذافي" مؤخراً، تحويل القوى العاملة- بعد أن قلّص الموظفين من أعمالهم ووظائفهم- إلى فروع الأجهزة الأمنية، لإذلالهم وليكونوا حُماته وتحت إمرته، رغماً عن أنوفهم، ليزيد- من ثم- من شدة قبضته الأمنية على البلاد، وهذه كانت أخر أعماله الأمنية، التي اتخذت مظاهرة عدّة، ابتدأها منذ تسلقه ووصوله إلى سُدة الحكم في "ليبيا"، مُسخراً رجل الأمن إلى كائن يسجن ويُعذّب ويقمع، ويعدم بالشنق والرمي بالرصاص، بمجرد تلقيه اتصالاً هاتفياً، ومن دون أمر مكتوب، لعلم آمره، بأنه سيُساءل ذات ساعة، إذا ما وصلت ورقته إلى جهات التحقيق، أو إذا صارت مخطوطة فاضحة، ومستنداً ودليلاً على تورطه في أية جريمة، بعد سقوط نظامه، وتبدُّل الوضع، من نظام إجرامي إلى نظام سيادة القانون، وهذا ما رأينا وسمعنا "القذافي" نفسه، يقوم به، قبل عدوانه على مدينة "الزاوية" وتهديده أيضاً لمدينة "بنغازي" التي أراد بها شراً، لكنّ الله تعالى، جعل كيده في نحره، حينما بعث كلمة (تلفزيونية)، عبر هاتفه، ذي الذبذبات الإجرامية- محاولاً تغيير نبرته النشاز- كشفرة لأمرٍ منه لقواته، كي تزحف على المدينتين، وتُعمل فيهما القتل والسفك، حيث حرص على ألا يُظهـِر سحنته القبيحة على الشاشة، كي لا تكون ممتسكاً قانونياً عليه، بعد كلمته المشؤومة والمشهورة (زنقة زنقة) حينما فضح نفسه بنفسه، أمام مبصر ومسمع العالم بأسره، وهو يهدد ويتوعد الشعب الليبي في كل مدينة وقرية بأبشع الاقتراف، مما ألّب عليه كل الدُّنيا، وجعلها تحتشد في صفّ الليبيين؛ وحينما يُلامُ ويُحاسب من يمتثل لمثل هذه الأوامر، على أفعاله المشينة، لا يُبرِّر ما اقترفه من جرائم، إلا باختبائه تحت غطاء القول المكشوف: "أنا عبدٌ مأمور".
من أُكتُتِب في كتائب "القذافي" الأمنية، المُدجَّجة بترسانة عسكرية ضخمة، برغبة منه، طمعاً في معاش يتقاضاه، تحت ضغط الحاجة، ونتيجةً للفاقة والبطالة والعوز، التي مرّ بها شباب "ليبيا" كان عليه قبل أنْ يُقدِّم على ذلك، أنْ يتريّث طويلاً، ولا ينصاع تحت وطأة ما ذكرت، إلى الانضمام إلى هذه الأجهزة المشبوهة، التي رأينا شرَّها- من قتلٍ وسحقٍ وصنوف الإجرام جميعاً- بعدما اندلعت ثورة 17 فبراير المنصورة بحول الله، فقد تنوعت أجهزة الحماية لدى هذا المخلوق (العجائبي)، وتعدّدت مُسمياتها، من الحرس الثوري إلى الحرس الجماهيري- اللذين أظنُّ بأنه قد قام بحلهما في مرحلة سابقة، بعد أنْ تورطا كثيراً في عمليات إجرامية كبيرة، وقام بتصفية من أداروهما، تفادياً لأية محاسبة، قد يتعرّض لها، لأنه في الأول والأخير، الأمر الوحيد، والمسؤول الأول عن كل ما اقترفوه، متبعاً بتصرفه هذا، سياسة حرق المراحل وتغيير الوجوه- مروراً باللجان الثيرانية- اللي لا جت لا فوق ولا لوطا- ووصولاً إلى جهاز الأمن الداخلي، الذي يماثله في "مصر" جهاز أمن (الغولة)،وغيرها الكثير، وكلها كانت تهدف إلى غاية واحدة من تكوينها، وهي إبقاء "القذافي" في السلطة، ولو أدّى هذا، إلى تدمير البلاد، وإفناء الشعب الليبي من على وجه البسيطة، لا لتمكينه من ممارسة سلطته الشعبية، كما كان منصوصاً عليه، فيما كُتـِب عن دور ومهام اللجان الثورية، فبحسب ما قال ونظّر "القذافي": "هي لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة، بل تمكين الشعب من ممارستها" ورأينا ولمسنا عكس كل ما هذى به، إذ تبيّن لنا أنها حزبٌ استبدادي، تحت تسمية أخرى، إذ أنّ لهذا التنظيم جناحاً سياسياً- يقوده المُحاضرون في المعسكرات العقائدية- وآخر عسكرياً، كما في أي نظام سياسي فاشل، يحكم بالحزب الواحد، الخاضع لحكم الفرد، لتسلب هذه اللجان الثورية، السلاح والثروة والسلطة، تحت عين إشراف الحاكم، بدلاً مما يُثار عن دورها النظريّ.

لقد انساق بعض الآباء، إلى تجنيد أبنائه في هذه الكتائب، بدلاً من (الكتاتيب) القرآنية، حيث علمت من مصدر موثوق، يعمل في سريّة طبية بمدينة "بنغازي" بأنّ كتيبة ما يُسمى "خميس" فتحت باب التسجيل منذ فترة ليست ببعيدة، فأتى أحد الآباء، تحت وطأة الفاقة، بولديه، اللذين لم تبلغ أعمارهما العشرين سنة، طمعاً فيما سيتقاضانه من مال حرام، لكأنه لا يعلم بحقيقة هذه الكتيبة وشقيقاتها، ولا بالدور الذي سيناط بولديه، حال قبولهما ضمن أفرادها، وهذا يأتي على العكس تماماً، من الدافع الذي دفع الليبيين إلى حرب (تشاد) الواحد تلو الآخر، لمدة عشرة سنوات متصلات، في حرب استنزافية وعدوانية بامتياز، فـُرضت على الشعبين، مع غياب الوعي والتثقيف، وكان الشعب التشادي في موقع المدافع عن بلاده، أما الجنود الليبيون، فقد سيقوا إلى هناك مُرغمين، ومقيدي القلوب قبل الأرجل، وأغلبهم أُختطِف من عمله ومدرسته، وبلا إرادته، كنت آنذاك غرّاً، لكني لو كنت في محل من سيق إلى حتفه هناك، لفضلت أنْ أُعدم في بيتي على أنْ أطيع أمر "القذافي" فالنتيجة، لو أطعت من يستخفنا، إما قاتل أو مقتول، والاثنان سيساءلان أمام الله، لأنهما معتديان.

لم يكُن في عُرف الليبيين، ولا في ثقافتهم الشعبية الأصيلة، ولا في أسس تربية النشء الدينية والاجتماعية لديهم، هذه الثقافة الجاهلية المُستجلَبة من جُزر الشيطان، فالعبودية لا تكون إلا للخالق، والخالق لا يُجوِّز هذه الفواحش والموبقات كلياً، بل يُحرمها بالمُطلق، وخصوصاً قتل النفس، لأنها لا تأتي إلا بدافع تزيين الشيطان لبني آدم، فيخال من يقول: "أنا عبدٌ مأمور" بأنّ الشيطان مُنجيه من عذاب جهنم، بهذا العذر بعد الغدر بالناس، لأنه في الحقيقة وبحكم التجربة (عبدٌ مأجور) ذلك أنّ تربيته بالأساس، تحتم عليه أنْ يفضّل الموت بمسدسات آمريه ومرؤوسيه، ليكتب عند الله شهيداً، بدلاً من يطيعهم ويشهر السلاح في وجوه أخوته، بل يقتلهم فيؤثم، وهذا ما أقدم عليه شهداء (الفرجان) وأفراد كتيبة (الفضيل) الذين فضلوا، أنْ يُحرقوا على أنْ يطيعوا هؤلاء المجرمين، نسأل الله أنْ يتقبلهم من شهدائنا الأبرار.




1 تعليقات:

في 27 مارس 2011 في 2:16 ص , Anonymous غير معرف يقول...

...خذْ للحيـــاة سلاحــها

و خُض الخُطوب و لا تهب

و ارفع منار العدل و الــ

إحسان ، وأصدم من غصب

و اقـلع جُذور الـخائنـين

فـمـنـهم كـلّ الـعـطب

و أذق نفوس الظالــمـيـن

السـم يُـمــزج بالرهـب

و أهـزز نـفـوس الجامدين

فربـما حــيّ الخــشب



مـــن كـان يـبغي ودّنا

فـــعلى الكرامة و الرحب

أو كان يــبــغــي ذلنا

فـلـه المـهـانة و الحرب



هذا نـظـام حـيـاتـنــا

بالـنـور خـط و بـاللهب

حــتـى يـعـود لـقومنا

من مــجدهم مــاقد ذهب

هذا لــكـم عـــهدي به

حتى أوســد في التـــرب...مقطع من قصيدة" شعب الجزائر مسلم" للامام ابن باديس الجزائري رحمه الله ..

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية