السبت، 16 أبريل 2011

حذار ممّا قد سيأتي

بنغازي: 29/3/3011
من خلال متابعتي، لمجريات الأحداث على الواقع الميداني، أستطيع القول، بأنّ الغرب يسعى إلى القبول بالوضع العسكري القائم، الماضي في صالح "القذافي" بعد الهجمة الهمجية لميلشياته، وزحفها على المنطقة الشرقية من جديد، هذا الزحف، الذي ما كان ليُقدِّم عليه، لولا أنه قد تحصّل على ضمانات من قوى التحالف، بانتفاء توجيه ضرباتها إليه في الطريق الساحلي المؤدي إلى المدن المُحرَّرة، وقد توقعته في الأول، مجرد محاولة يائسة وبائسة من "معمر" لتشتيت الجهد، الذي قامت به طائرات التحالف في الجِّهة والجَّبهة الغربية، كي يخفّف من وقع الصدمة على منظومته المتمترسة هناك، وإجراءً متهوراً منه، عقِب عرض دولة "قطر" مساعدتها لتسويق النفط المُنتـَج من شرق بلادنا، فالقذافي يعلم بأنّ سلطته، ستنتهي حتى في المناطق التي يدّعي ولاءها له، وتضمحل فور فقدانه لهذه القوى الناعمة، فزحف على الهلال النفطي، بغية تأمينه وتأميمه من الشعب، مُمثلاً في الثوّار، لا من الشركات الأجنبية، وهذا ما سبق أنْ أكدت عليه في مقالة ، نشرتها عبر هذه الصحيفة، التي تحرّرت من تابوهات القمع الفكري، وكانت بعنوان "نصيحتي للثوّار.. لا تتجاوزوا رأس لانوف" في العدد 2268*.
صرّح (يهود باراك)- أو هو (بنيامين نتنياهو)- في بداية ثورة 17 فبراير، بأنه يتمنى نهاية حكم "القذافي" وقد انطلى على الكثيرين هذا التصريح، الذي أراد من خلاله هذا الصهيوني، تلميع صورة ديكتاتورنا، إعلامياً، ورفع رأسه واسمه وأسهمه بين العرب والمسلمين، وتقديمه في صورة العدو لكيانه الغاصب للأراضي العربية، وهذا يؤدي إلى مفهوم أولي وحيد، وهو أنّ الطاغية بطلٌ عربيٌّ مقاومٌ للحركة الصهيونية، وأنّ أعداءه (الثوّار) ما هم إلا شرذمة من الخونة والعملاء، هكذا تتسطح الأفكار، ويُتلاعَب بمشاعر الناس.
عود على بدء، إنّ بتراخي وتخلي قوات التحالف عن تنفيذ القرار الأممي رقم 1973، القاضي بالحظر الجوي على طيران المُلازم "معمر" وحماية المدنيين من قواته، مع أنّ هذا القرار الحازم والحاسم، قد اكتسب صفة الشرعية الدولية، بعدما مُرِّر في جلسة مجلس الأمن، ولم يصوّت ضدّه، أيُّ عضو دائم من الدول الخمس الكبرى المتمتعة بحق الفيتو، على الرغم، مما تلاه من تصريحات لمسؤولين روس رفعي المستوى ومنخفضي الأخلاق، كعادتهم الابتزازية، ودأب بلادهم الانتهازية، بممانعتهم لهذه العملية، مع أنه كان لديهم الحقّ، كل الحقّ، في استعمال حق النقض، قبل فوات الأوان، والبتّ في قانونية هذا القرار وسنـِّه، ويناظرهم في ذلك رئيس الوزراء التركيّ، المقاول (أردوغان) الذي يريد أنْ يُضفيَّ على دولته المنتهجة للتيار الإسلامي، دور الدولة الإسلامية الكبرى، باعتبارها المُمثـِّلة لكل المسلمين، وهي المنضوية تحت حلف الناتو، والمرتبطة عضوياً مع الكيان الصهيوني، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ورياضياً ومائياً، هذا المُتخبـِّط والمُترنِح فوق (اسقالات) أعماله العمرانية، منذ قيام ثورتنا المُضفَّرة، ولم يثبت على رأي واحد، فبعد أنْ كان معارضاً لمسألة الحظر الجوي وحماية المدنيين، رأيناه وهو يهلل لمشروعية القرار الأممي، إثر زيارة أحد المسؤولين الأمريكيين الكبار إلى عاصمته، بل ويشارك في هذه العملية العسكرية، تحت مُسميات إنسانية، تحفظ ماء وجهه، ثم يعارض القيام بتسليح الثوّار، ويحذرهم من استغلال تجار السلاح لهم، فنصيحتي له، أنْ يترك ما لا يعنيه، ويستمر في نصحه للقذافي والضغط عليه، كي يتنحى عن السلطة، إن كان لديه شأن لدى الأخير، ووزن وقيمة دوليان بحقّ، ولا يستغل شأننا الداخلي، للتعويض عما فقده من شعبية داخل بلاده، لأنه لم يُفلح حتى في إرغام (إسرائيل) على الاعتذار، ولا في فرض التعويض على الصهاينة، بعدما استهدفوا سفينته المتوجهة إلى "غزة" في المياه الدولية، فالشعب الليبي ليس قاصراً، ويعرف مصلحته من أين وكيف تأتي.
على أية حال، دعونا من (أردوغان) وما جاد- بل ما بخل- به من دعم سياسي، تجاه إخوانه في "ليبيا" كما يدّعي في كلماته بمجلس البرلمان التركيّ؛ فإنّ تقاعُس قوى التحالف الدولية، عن توجيه ضربات جوية لآليات "القذافي" العسكرية المُهدِّدة لسلامة المدنيين، قد صاحب بدء العمليات في الجهة الغربية من ليبيا، في سعي سافر ومحموم لإعطائه فرصة، لإجهاض الثورة في المدن القريبة منه، حتى يكتسب موقفاً سياسياً، يستطيع من خلاله، فرض سياسة الأمر الواقع، خصوصاً وأنّ دول التحالف صرّحت أكثر من مرة، بأنها لا تسعى إلى استهدافه، ولا إسقاط نظامه، على الرغم من كونه، قد فقد شرعية الحكم، فيصل بالأزمة إلى واقع التقسيم؛ ولن يقف مخطط اللوبي الصهيوني، المتحكم في دوائر القرار في عواصم القوى الكبرى عند هذا الحدّ، اللاجم والكابح لاستمرار العملية العسكرية، بل سيتجاوزه إلى مرحلة أخطر من ذلك، لم تخطر حتى ببال "معمر"؛ فبعد أنْ استطاع المجلس الوطني الانتقالي، والثوّار من خلفه، أنْ يحددوا ملامح التدخل العسكري لقوى التحالف واشتراطاته، بالإصرار على عدم وجود أي مظاهر للتدخل العسكري على الأرض، ومحدودية العملية العسكرية المطلوبة- في نجاح سياسي كبير- وقدّموا الضمانات الأكيدة، لتسديد فاتورة عمليتهم العسكرية الجوية، ما أضاع على "القذافي" فرصة إضفاء العامل الجهادي- ولو إدّعاءً- على هذا التدخل، وتحريض أصدقائه وعملائه للاشتراك معه في المعركة المُقدَّسة التي يدّعيها، وإظهار الثوّار في صورة العرَّابين لهذه الحملة الصليبية، ليؤلب عليهم الشعب الليبي والعربي والمسلمين، حتى يتنادوا إليه من كل حدب وصوب، فيسطح- من ثم- من جوهر القضية والثورة، والحقيقة أنه، هو من أدّخل العنصر الخارجي إلى البلاد، وعرّض أمنها إلى المخاطر، باستقدامه واستخدامه للمرتزقة، وسيؤدي بها إلى منزلق آخر، لن ينجو منه هو الآخر، ولو بعد حين من الزمن؛ فبإزهاق روح هذه الثورة المندلعة، بغض النظر عن المذابح، التي يقوم بها أزلام الملازم "معمر"، بمنع تسليح الثوّار بالعتاد اللازم، للقضاء على رأس النظام، ستتم الإطالة في عمر العقيد، بإنجائه من أي زحف قادم إليه من قوى الثوّار، مع توفير الغطاء الآمن بالفعل للمناطق المُحرّرة بما في ذلك مدينة "مصراتة" ونواحي "الجبل الغربي" ومدن المنطقة الشرقية بالطبع، مع استمرارية "القذافي" في حكم المناطق، التي ما يزال يخنقها ويسيطر عليها بالحديد والنار، وسيستمر الحصار، الذي نصّ عليه مجلس الأمن بموجب القرار 1970 الداعي إلى حظر السلاح على بلادنا، وما قامت به الإدارة الأمريكية من إجراءات وعقوبات ضد الشركات النفطية الليبية، لفترة طويلة جداً، فسوف تسهم هذه العقوبات مجتمعة، في تهميش الآلة العسكرية للقذافي، ثم يعقب ذلك، قرار أممي جديد، يسمح بالتدخل العسكري في ليبيا، بدعوى استبعاد "معمر" من الحكم تحت أية ذريعة، والأقرب هي فقدانه لشرعيته، من دون تعريض القوات المتدخلة لأية مخاطر، فحذار من ذلك، وحاولوا يا ثوّار "طرابلس" بجدية، لتعزيز موقفكم الميداني العسكري على الأرض، بأنْ تضعوا اللمسة الأخيرة لهذه الثورة، وتأكدوا بأنّ نصر الله للمسلمين، يكمن في نصرهم له، وأعملوا ببسالة على إخراج الشيطان من تحت أرضكم، كي يكفّ بلاؤه عنا وعنكم.
وسيظلُّ ما أتيت على ذكره في مقالتي هاته، محض اجتهاد، ورأياً شخصياً، استخلصته من التجربة العراقية، إبان الانتفاضة الشعبانية، التي تلت الأيام الأولى لحرب تحرير الكويت من قوات "صدّام حسين" وفرار فلوله إلى الداخل، حيث أعطت القوات الأمريكية، الحرس الجمهوري العراقي، الفرصة لإخماد تلك الثورة، التي أتت على المحافظات العراقية جميعها ما عدا "بغداد" ثم أعقب ذلك قرار أممي بمنع الطيران على منطقتي شمال وجنوب العراق، وعقدٌ كامل من الحصار على نظام "صدام حسين" وكان المتضرِّر الأول والأخير منه، هو الشعب العراقي، أعقبه غزو واحتلال له عام 2003 ميلادية، والتصرُّف في النفط العراقي، من قبل أمريكا ومن لفّ لفـّها، وشارك معها في هذا الاحتلال؛ نعم سيظلّ ما كتبته كذلك، ما لم يثبت نقيضه، على سطح الواقع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): يبدو أنّ هناك من لم ترُقه مقالتي تلك، وظنّ بأنني أريد من سطورها، أنْ ألقي في قلبه الرعب، وأحبط مساعيه للزحف نحو العاصمة، فقام بتمزيق صفحة مقالتي المُعلقة على حائط مبنى اللجنة الإعلامية القريبة من مبنى محكمة شمال بنغازي.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية