الأحد، 17 أبريل 2011

القذافي .. من الملكية الدستورية إلى الملكية الاستبدادية

بنغازي: 12/4/2011
"الشعب يريد أنْ يحكم" بوقود هذا الشعار، الذي أوجده من غياهيب المجهول، ولــََّد "القذافي" مُحرِّكات ديناميكية منظومة حكمه السياسي، ونضّدها بروافد أخرى من شعارات زائفة وزائلة، لا أثر لها في قواميس المجتمعات السياسية والمدنية الدولية، منذ أنْ خلق الله آدم إلى خاتم عليهما وعلى ما بينهما من رسل، أشرف صلاة وأزكى تسليم، وبه شتـّت اهتمام الشعب الليبي عن أولوياته في الحياة، مُختزِلاً تجارب الشعوب، في هذا المطمح الطوباوي، وصانعاً منه، ميداناً لمعركة وهمية زجّ في رحاها- واستنزف- جهد ووقت ومال الليبيين، فيما لا ينفع، ولا يأتي في أدنى مقامات اعتباراتهم، ليحيوا على نحو طبيعي، مثلما شعوب العالم قاطبة، فخصّص دوائر ومربعات ومثلثات إعلامه المفصلية والمُسيطرة على أذرُع البلاد، لبثّ هذه التخريجة الشّاذة والغريبة، التي ظهر بها طِوال فترة حكمه، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من نهايته، بعد أنْ فطن الشعب إلى ضروراته السياسة، الكامنة في وجود نظام حكم، لا يجعله يحكم، بقدر ما يوفر له مقومات التنمية المُستدامة، ليعيش في ظلِّ حياة كريمة.
تحوُّل "القذافي" إلى النظام الجماهيري، كأطر سياسي عقيم في "ليبيا"، أعقب انكلابه، وأتى بعد عهدٍ ملكي دستوري ورشيد، وبعد ثماني سنين من مرحلة الجمهورية، التي توسطتهما (1969-1977) وكانت جمهورية وليدة مُشوَّهة، غاب فيها عامل التداول على السلطة، ذلك أنها لم تخضع لأبجديات الحكم الجمهوري المعروف من النماذج الغربية، فمدة ثمانية أعوام، لو قورنت وقيست بمثلها في أيّة جمهورية حديثة، تعني أنها تساوي ولايتين متتاليتين على أقل تقدير، غير أنّ ما جرى في بلادنا أعوامئذٍ، لم يكُن في حُكم الحكم الجمهوري، بقصده الحقيقي والعام، فترأس "القذافي" البلاد طيلة هذه الفترة، من دون اللجوء إلى صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة، ولم يحاول كغيره من الحكام العرب، تلميع سلطته بانتخابات مزوّرة بنتيجة (99.99%) من أصوات المُرشحين، في تحدِّ سافر وغادر لإرادة الشعب.
والناظر إلى النظام السياسي الجماهيري البديع- و"كل بدعة ضلالة وكل ضلالة صاحبها في النار"- الذي اختلقه مُنظره من توهماته، لا يلفي أية فروق بينه وبين النظام الجمهوري، الذي عملت به أغلب دول العالم لتنظيم حياتها السياسية- ومن ثم- الاقتصادية والاجتماعية، فهو كذلك نظام تمثيلي برلماني، وكل ما هنالك، هو تغيّير المُسميات فحسب، فصار مجلس الشعب (البرلمان) في المفهوم الجمهوري، بتعريف آخر (مؤتمر الشعب العام) في النظام الجماهيري المسخ، والوزراء في الأول، يُناظرهم أمناء اللجنة الشعبية في الثاني، غير أنّ سعة التمثيل ازدادت في نظام "معمر" على ما هي عليه في الآخر، ما أنشأ شيئاً من الفوضى والبيوقراطية، اللتين أودتا بالبلد إلى حالة من الشلل، نحن هنا نقارن من حيث الشكل والتنظيم والخصوصيات، لا التنفيذ والنجاعة بينهما، فذلك مضيعة للوقت وإنهاك للعقل فيما لا يُثمر، لأنّ "القذافي" لو أراد خلق نظام ديموقراطي بصدق، لأعتمد النظام الجمهوري السائد في العالم قبل مجيئه ولصار عليه، طالما أنّ هذا النظام قد أثبت وحقـَّق الديموقراطية في الدول التي انتهجته على قدرٍ كبير.
خريطة الطريق، التي يرسمها لنا الاتحاد الأفريقي- الذي أسّسه "معمر" على أنقاض منظمة الوحدة الأفريقية، التي أسهم في تفتيتها وخرابها، بما يجيء ضد الطبيعة، طبيعة صيرورة الحياة، ففي حركة وتسلسُل الأطوار السياسية الاندماجية المعاصرة، غالباً ما تأتي الوحدة بعد طور الاتحاد، كتتويج له في تاريخ تضحيات الشعوب- الذي على الرغم، من تغنـّي "القذافي" بموارد بلدانه الطبيعية، حتى ألـَّف في مدحها القصائد، ووصفها بفردوس الله على الأرض، وهي كذلك، فشل في أنْ يستورد لنا من جنانها، بأموالنا التي ذهبت كهدايا وعطايا لمأجوريه هناك، نوعاً واحداً من الفواكه، التي تزخر بها- ولو جوز الهند والأناناس، ولا حتى جالون ماء عذب من بحيرة (فيكتوريا)، ولأنّ علاقته بـ(أوغندا)، مرّت بفترة شدّ أعصاب وتوتر في سنين طوال، ماذا كان سيخسر لو جلبه لنا من بحيرة (تشاد)، طالما أنّ (إدريس دبي) صديقه وحليفه في منطقة الساحل والصحراء (س-ص)؟ لكنه لم يجلب لنا من هناك سوى المرتزقة- في حين، أنّ الأوربيين هم من استفادوا من خيرات هذه القارة كلها، وعمّت عليهم فوائدها، على أية حال، فإنّ في تضاريس هذه الخرائط، التي تأتي من الاتحاد الأفريقي وغيره، نجد إقراراً رسمياً- منه وابنه- بضرورة إدخال الدماء الجديدة- بدعوى للإصلاح- على المشهد السياسي الليبي بآلية الانتخابات، في محاولة منه لالتفاف على ثورة الشعب الليبي، وتمهيد الطريق أمام ابنه ليخلفه ويرثه.
المُدّهِش هو انصياعه وقبوله بهذه الوسيلة الديموقراطية المُثلى- الانتخابات- بعد تعنـُّته واختلاقه لمعارك عقائدية وفكرية وهمية، أضاعت أنفس كثيرة من الشعب الليبي، فقط لاختلافهم معه، حول ما أتى به من أوهام وأفكار سياسية هدّامة وضالة، وغيّبت على الوطن فرصة النمو والتطور؛ أما عنصر الإدهاش الأكبر، فيتجسد في أنه لم يرضَ بإعلان الحكم الملكي الدستوري في ليبيا في فترة ماضية من تسلطه، وقبل بأنْ يملك قارة بأسرها، لما لـُقِب بملك ملوك أفريقيا، وهو لقب غير رسمي، كما زعم، والحقيقة البائنة، هي أنه يرى في شخصه أنه أكبر من أنْ يصبح ملكاً لليبيا، ولا حتى رئيساً لها.
ما يعني أنّ "القذافي" هو المستبد الأول في العصر الحديث، لأنه حكم "ليبيا" بصفته رئيساً للجمهورية العربية الليبية، ثم قائداً لثورته المزعومة، وأخيراً ملكاً مقنعاً ومتوجاً بصولجان مرصع بالعقيق الأحمر، المُستمِد لونه من دماء الليبيين، حتى لو أنه لم يقرّ بذلك.








0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية