الخميس، 28 أبريل 2011

صراع الإقناع

صراع الإقناع
بنغازي : 27/4/2011
الافتراض غير النسبي
هو أنْ يأتيك أحدهم عقب نهاية أية مباراة، ويناقشك في مسائل ضعف أو قوة الفريق الذي يميل إليه، فيعلق بعد أنْ حُسِمت نتيجة المباراة بالتعادل: "لو أنّ الكرة التي اصطدمت بالقائم، دخلت للشباك، لفـُزنا" مثل هذا الافتراض، أراه افتراضاً غير نسبي، لأنه يقوم على احتمال من جهة واحدة، ويلغي أية فرضية أخرى، قد تحدث من الطرف الآخر، حال اعتماد الافتراض الأول، وغالباً ما كنا نسلم بهذا الافتراض من دون اعتراض، ولا يدور في خلد الواحد منا، أنّ يدحضه بهكذا تعقيب: "وما أدراك، فربما افتراضك هذا لو حدث، قد يدفع بالفريق الآخر إلى الاستماتة من أجل التعديل؟ أليس كذلك؟".
مثل هذا الافتراض غير النسبي، علا صوت الصادحين به في هذه الفترة الراهنة من عمر بلادنا، وما تشهده من ثورة عارمة ضد جلاوزة الطغيان، وخصوصاً ممّن تحركت وارتعشت في أجسادهم روح الانهزامية والتخاذل، حينما تلقي بلومك على من تقاعس عن القيام بدوره، وبما يتوجب عليه، لأجل نصرة هذه الثورة المُضفرة بحول الله، إنْ عاجلاً أو آجلاً، فيقول لك: "لو كانت في بنغازي خمس كتائب أمنية، لعزّ على شبابها تطهيرها" وعندما أحاول أنْ أدخل معه في صراع الإقناع، عادة ما تواجهني عواصف الصدّ والتعنت من طرفه، لذلك آتيه من الأخير، سائلاً إيّاه: "هلّا أفدتني، ما هي النتيجة التي صارت عليها بنغازي؟" فيجيبني: "لقد تحرّرت" حينها تأتيني الحجة لأنْ أدّحض كلَّ ما جاء به، بهذه النتيجة: "طالما إنّ الله أراد النصر لهذه المدينة، فإنّه حاصل لا محالة، حتى لو كانت في بنغازي أكثر من عشر كتائب للقذافي" وسرعان ما يحتج عليّ، ويحاول أنْ يفحُمني بفحم قلبه الأسود: "ولكنْ كيف توصلت إلى ذلك؟ وهل أتاك الله من علم الغيب؟" فأجيبه من منطلقنا الأول، وهو تحليلي لمفهوم الافتراض غير النسبي، الذي حاول به من خلال سؤاله الخبيث، أنْ يُعطي المستكين ذريعة لتخاذله، ويبيح له هذا الهوان، بيد أنّ هذا المفهوم، يتمثـّل بكل معناه في هذه المسألة، التي دار حولها جدل كبير، حجّم بعض الشيء، من دفعة مسيرة الثورة، فالافتراض غير النسبي، الذي طرحه باستدراكه، يتلخص في أنه قام بمضاعفة عدد الكتائب في بنغازي، خمس مرات على ما كانت عليه، من دون أنْ يُحرِّك ويزيد من القوة التي تحصل عليها الثوَّار من مخازن الجيش الليبي في المدينة، فمثلما أراد الله النصر والتحرير لهذه المدينة الباسلة- بمعنى الشجاعة- والمالحة بسباخها، بالظروف التي كانت عليها، فإنه كان سينصرها، حتى لو كانت بها خمس كتائب- كما افترض ذلك الشخص- فهل ستعجزه عن نصرها، بأنْ يمدها بخمس أضعاف الأسلحة التي كانت موجودة بين أيدي شبابها؟.
بتفصيلنا لهذا المفهوم، نستطيع أنْ ننطلق إلى مسألة أخرى، حدث حولها خلط ولغط آخران، لهما المردود الكبحي نفسه، فالإعداد من أجل نجاح الثورات، يختلف عن الإعداد للدخول في ساحات الحروب المنظمة، لكون الثورات غالباً ما تأتي عفوياً، وتخرج شرارتها الموقوتة من حجري صوّان، لا يعلم بحجمهما ومكانهما وكثافتهما إلا الله تعالى، وتـُدفـَع الشعوب إليها مُكرهة، من دون أنْ تحتسب ولا ترغب، وعادة ما تتخذ الثورات الصفة المسلحة، إذا حاول العدو الداخلي المستبد مواجهتها بما يحوزه من أسلحة وجبروت، فالثورة لا تعرف الرجوع، ولا ترضى بأن تـُكبح أمام أعتى وأظلم الجبابرة، ولا أنْ تنكسر على صخورهم الصلبة والصلدة، التي لا تلبث أنْ تنفجر أمام سيلها الدافق، من ينابيع الحقّ، إذ لا يمكن أنْ تثور الشعوب- لكي تخلق حالة من الفساد- ومن طبيعة تدفق الموائع، أنها لا ترجع إلى منابعها الأولى، بل تسير وتسير، وتحطم كل الحواجز التي في سبيلها، حتى تصل إلى مصباتها، لكنها تظلُّ في حاجة دائمة إلى الدافع والزخم، اللذين يحددهما عدد الملتحقين بالسابقين.
الثورة تتباين مع الحرب، ولا تخضع لمعاييرها من حيث الاستعداد بالعدة والعتاد، وفي مسمى آخر مهم، وهو أنّ الثورة هي في الغالب الأعم- بل على الدوام- إرادة الجميع وإدارة الجموع، وعلى كل الفروع أنْ ترفدها، مهما قصرت قامتها وقلت همتها، ولكم في الإسلام مثلاً على الثورات، لكونه أكبر ثورة تصحيحية في تاريخ البشرية من لدن آدم عليه السلام، إلى أنْ يرث الله الأرض ومن عليها، فقد جابهت عتاة الكفر، بأقل الإمكانيات وبأقوى الإرادات.
هذه القناعة، جعلتني في الأيام الأولى للثورة في بنغازي، كلما قذفنا وقصفنا "القذافي" بالقذائف المُضادة للطائرات (م/ط) ونحن العُزّل من أي سلاح، أسمع دوي سبطاناتها يقول: "م/ط.. معمر طاغوت".. فلا أخشى من حشوة مواسير مدافعه.










0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية