الأحد، 17 أبريل 2011

في قمة دمشق .. حذر القذافي من المخطط الخارجي

بنغازي: 12/4/2011

بعدما أقام في مدينة "طرابلس" معرضاً مُصوَّراً، يؤرّخ لجرائم "صدّام حسين" بحقِّ الشعب العراقي، بُعيد سقوط "بغداد" بتاريخ 9/4/2003 بيد القوات الأمريكية، تباكى واحتجّ "القذافي" في قمة (دمشق/2008ميلادية)، على الطريقة الشنيعة، التي أُعدِم بها الرئيس العراقي "صدّام حسين"- في أول أيام عيد الأضحى المبارك- الذي رأى في شخصِه، وسياساتِه القمعية ونهاياته المأساوية، انعكاسات على أفعاله الشّاذة، في تصرف متناقض وغريب، كغرابة أعماله، التي ألِفها الليبيون، وقد قدّم لكلمته المُطوَّلة- التي أغمضت لها جفون الحاضرين المتكومين أمامه مللاً- بعرض فكاهي، نال فيه من هيبة رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عبّاس" حينما نبزه بالغباء هو وقادة الصهاينة، لأنهم لم يضعوا نهاية للنزاع العربي/الإسرائيلي، واقترح عليهما، وعلى أمانة الجامعة العربية، مشروعه الكتاب الأبيض، الداعي إلى قيام دولة (إسراطين)، جاء وحذر- فيما بعد- زملاءه في منتدى الدكتاتورية من الحكّام العرب، من المُخطَّط والمصير، اللذين يتهدَّدانهم من مخابرات الدول الإمبريالية، وتغافل عن الشعوب، التي لها الكلمة الفصل والفاعلة، على الرغم من تحكُّم هؤلاء في مصيرها، ظناً منه، بأنها قد تخاذلت، واستمرأت الركون إلى سياسات مستبديها، واستغرقت في غفوتها وغفلتها، اللتين طالتا، كأنه أمِن غضبتها وقولتها، فالثورة العربية الأخيرة، تتباين مع الثورة العربية الكُبرى، التي اندلعت في بدايات القرن المنفرط، ضدّ استبداد (فرامانات) السلطنة العثمانية، فثورة العرب ضد الرجل المريض، الذي ملأ حياتهم قيئاً وصديداً، تبنتها المملكة البريطانية، ودَعَمتها بالسلاح، ودعّمتها بجنودها وضباطها وقادتها في مراحلها، منذ بدايتها حتى نهايتها، أما الثورة العربية الراهنة، فقد تفاجأت بها حتى دول الغرب، وأصابتها بربكة شديدة، حتى أنها لم تعرف الإجراء، الذي تتخذه حيالها، من حيث الدعم أو الاشتراك في إجهاضها، جنباً إلى جنب، مع المُتحكِّمين في مصير الشعوب العربية، من أبناء جلدتها، لأنها لم تضع خططاً مستقبلية للتعامل معها، لكون التقارير الاستخباراتية، التي أمدَّها بها الحكام العرب على نحو دوري، كانت تفيد دائماً، باستقرار الأوضاع وخنوع الرعيّة، ومع تحرُّك إرادة الشعب العربي التونسي بثورته، بادرت وزيرة الخارجية الفرنسية- على خلفية التقارير الصادرة عن أقبية المخابرات التونسية الحاكمة- إلى مساندة الرئيس التونسي المخلوع "زين العابـ(ر)ين بن علي" وحكومته، حتى آخر لحظة، فأساءت إلى سُمعة بلادها، من دون أنْ تحتسب، ما جعلها لاحقاً، تقدِّم استقالتها مُرغَمة، إزاء تنديد القوى الشعبية الفاعلة في (فرنسا) أم الثورات، من موقفها المتخاذل حيال هذه الثورة الشعبية العارمة، التي صارت رائدة الثورات في المنطقة العربية، واتبع وزير خارجية (فرنسا) الذي حلّ محلها (ألان جوبيه)، نهجاًً آخراً، وسياسة مُغايرة لها، بدأت تباشيرها، بمعاضدتها للثورة الفتيّة في "ليبيا"، مُنتصِراً لإرادة الشعب الليبي الأبيّ.
لم ولن يُستهدَف "القذافي" من العدو الخارجي البتـّة- وأظنه عنى الغرب، لا الصين والبرازيل- ذلك أنه لم يناصبه العداء في يوم من الأيام، منذ اغتصابه للسلطة، فحتى من كان يظنُّ، بأنه انتهج التيار اليساري، وانضم إلى المعسكر الشيوعي (الشرقي) في الفترة الأولى من حكمه، ضد قِوى الاستكبار في العالم وعلى رأسه دول الغرب- ما يُعرف بأوربا الغربية وأمريكا، المشكلة لرابطة حلف النيتو- لم يكـُن ظنُّه في محله، لأنّ القرائن والشواهد، تثبت ما يتنافى مع هذا الطرح، وأرض الحدث، كانت في (أفريقيا)، حيث واجه "القذافي" الأنظمة الشيوعية هناك- ومن ضمنها نظام الإمبراطور الأثيوبي (هيلاسيلاسي) المُتشيّع للشيوعية ورجل الاتحاد السوفييتي الأول في هذه القارة- إلى درجة إعلان الحرب عليها، وإرسال الليبيين، من الجيش والطلبة المختطفين إلى حتوفهم في أدغالها، ما يدلل على حقيقة واحدة، هي أنّ هذا الشخص، لا ينتسب ولا ينتمي إلى ليبيا قط، ولا تعنيه سلامة الشعب الليبي، وإلا ما الذي حمله على إبادة أبنائنا، والمغامرة بأرواحهم؟ إلا لأجل كسب ودِّ من نصّبوه علينا؛ وللتفريق بين من هو ليبي الأصل وشذاذ الأفاق، ذروني أحكي لكم هذه الحادثة: روى ليّ والدي رحمه الله، أنه بينما كان في حضرة الملك الراحل "إدريس السنوسي" في زيارة رسمية له، أنْ سمِعا جلبة بالخارج، ولما تحرّى الملك عن مصدرها، أبلغوه بأنّ ثمة مجموعة من المواطنين تريد، التطوّع للمشاركة في حرب 1967 بمصر، حينها انتفض وقال: "مصر لا ينقصها الرجال، مصر ينقصها المال.. دعوهم يرجعون إلى بيوتهم" ثم اقترح- ولم يأمر- على البرلمان، دفع قيمة سنوية للجيش المصريّ، دعماً له في تلك الحرب، فرحمة الله على هذا الملك الصالح، الذي حرص دائماً على أرواح مواطنيه، ولم يسمح بالزجّ بهم في أوار تلك الحرب، على الرغم من رغبتهم بذلك، لسداد وحصافة رأيه الرشيد.
وليتعرض كلَّ من نصحه "القذافي" في ذلك اليوم المنحوس، من جلاوزة الطغيان في المنطقة العربية، إلى المصير ذاته، وأول من لحقت به لعنة ذلك التحذير، الرئيس السوري، الدكتور الدكتاتور والطائفي "بشار الأسد"، الذي استأنف بعد أبيه، نهش الشعب السوري بمخالبه وأنيابه المُهترئة، بعد لعبة الدستور المعروفة، التي تلاعب بها، وحوّلت "سوريا" قلب العروبة والإسلام النابض، من جمهورية إلى جملوكية، على خلفية تلك الوصية، التي أوصى بها "حافظ الأسد"، وهو مُمدَّاً على فراش الحكم، مجلس الشعب السوري، الصوري التأسيس، بها لابنه؛ يحضرني في هذا المقام، أنّ "القذافي" علَّق ذات مرة، حينما سُئِل في لقاء صحفي، عن رأيه بخصوص هذه السابقة- وأظنه جازماً، قد أراد بتعليقه، تبرير توريث أحد أبنائه الحكم في ليبيا- هذا ما استشفته من قوله: "وما الضير في أنْ يخلف بشار أباه، إذا كان ذلك في مصلحة سوريا" من دون أنْ يكترث برأي الشعب السوري المقموع في عهد أبيه، ليواصل الابن مسيرة قمع هذا الشعب البطل- حتى انطبق عليه المثل العربي المعروف، وبتصرُّف مني: "هذا البشـّار من ذاك الأسد"- الذي غُيّب عن قضايا أمته، لما يزيد على أربعين سنة، كانت سبباً في هوان العرب، فـ"سوريا" حاضرة الشام، هي الرباط الأمامي المدافع عن قضايا المسلمين على مرّ التاريخ، من زمن الأمويين إلى عهد "صلاح الدين الأيوبي" وقلعته في "حلب"؛ إنّ في عودة "سوريا" المُحرَّرة إلى حضنها العربي، بعد زوال حكم أسرة الأسد، نقلة نوعية، سيكون لها الأثر الملموس، في رفعة شأن العرب والمسلمين ونصرة قضاياهم، لذا، يحاول "بشار الأسد" قمع هذا الشعب بالأسلوب نفسه، الذي قام به "مبارك" في مصر، و"القذافي" في ليبيا، وقبلهما زين العابـ(ر)ين بن علي في تونس، فنسخة القمع في مطابع الدكتاتورية العربية، هي واحدة، وبكربون باهت، تبدأ كعادتها، بكيل الاتهامات المُغرِضة إلى بعض الأطراف الخارجية المُندسَّة، والتخويف من فزّاعة التنظيمات الإرهابية والإسلامية المُتشدِّدة، بالتواقت مع سطوة البلطجة، ثم بمسدسات وغازات الشرطة، وبعد ذلك نزول الجيش إلى الشوارع فوق دباباتهم، وما يقابلها من تفاعل الدول الكبرى، هو كذلك واحد، يبدأ بنصيحة هذه الحكومات بضبط النفس، ثم بالكفّ عن إيذاء الشعب، وبعد ذلك المطالبة بتنحي الحكّام؛ فمن الضرورة بمكان، أنْ يحفظ كل شعب، ما يزال يرزح تحت وطأة من نصحهم "القذافي" في تلك القمة من طـُغاة، هذه الخطوات العملية، وما ينجم عنها من مواقف دولية، ليكتسب الخبرة اللازمة، كي تنجح حركته الثورية التقويضية.
كأنني بالقذافي، ومن جلس إليه في تلك (الغمّة)- هكذا يلفظها السودانيون- على الطاولة المستديرة، لم ينصتوا في يوم ما إلى هذا النشيد، الذي ألـّفه الشاعر "بيرم التونسي"، ولحنه وأنشده "فريد الأطرش"، لكثرة ما استمع إليه من مدَّاحيه، الذين غنوا له (رجال ونسوان قائدنا ماشيين معاه) و(يا قائد ثورتنا على دربك طوالي)، ولم يكلف أحدهم نفسه قبل أنْ (يعوي) بهذه الأضاليل والأحابيل المُغناة، إلى أين سيمضي بنا هذا المعتوه؟.. فراهن على أجهزة قمعه، وأمِن العدو الداخلي، الذي قام باستعدائه على مرّ اثنتين وأربعين سنة، بظلمه له، وهو الشعب الليبي، الذي انتفضّ من حوله، وانتفض على بُطلانه، وستنتفض الشعوب العربية كلها، لأنّ روح الإباء فيها، وقد قيل فيها هذه القصيدة، من عهدٍ بعيد:



شعبُنا يوم الفداء



فعلـُه يسبقُ قولـَه



لا تقـُـل ضاع الرجاء



إنّ للباطلِ جولة



***



ما لعدوانٍ مقرُّ



والوغى كرٌّ وفرُّ



نحن للتاريخ أمجاداً بنينا



ورسالاتُ الهُدى بين يدينا



نحن شعبٌ لا يُبالي



يتسامى للأعالي



بكفاحٍ ونضالِ



وجنودُ اللهِ حوله



إنّ للباطلِ جولة



***



فوق أرضي لن يمرّوا



وبها لن يستقرّوا



في طريقِ النصرِ



لن نحني الجبينَ



لن يهون العزم فينا



أرضُنا للحقِّ مهدٌ



وانتصارُ الحقِّ وعدُ



لم يدُم للظُلمِ عهدٌ



لم تعِش للظُلمِ دولة



إنّ للباطلِ جولة..








0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية