السبت، 2 يوليو 2011

لقد تبلدنا

أم الثوار في جبل نفوسة
لقد تبلدنا
المجرمون والأغبياء الثلاثة


لن نمسح بأيدينا على رؤوسنا ولن نقول: "لقد هرمنا"، فبها صرنا نمسح على وجوهنا، لنواري سوءة أعمالنا وما نتحسّسه من التموجات الباردة على سطوحها، حتى تنغرس أناملنا في تشققاتها، فربما حينئذٍ ندرك حجم الفاجعة، وألسنتنا تلهج: "لقد تبلدنا.. في هذه اللحظة البليدة، التي نرى فيها عجائزنا وأطفالنا ونساءنا، وقد ألقى بهم القذافي خارج الديار الليبية، ولم نفعل لهم شيئاً قط".
تبلدت مشاعرنا إلى حد البرود في عزّ الصيف، فما زادتنا حرارته إلا تبخراً وأكسدة لأمواه وجوهنا إلى حد الجفاف في بلاد النهر الصناعي، فها نحن أخذنا نعرض صور بناتنا المُعتدى عليهنّ- المغتصبات- على القنوات الفضائية معتقدين بذلك، بأننا سوف نلفُّ القيد على معصمي العقيد "القذافي" لنسوقه كمسعور أجرب إلى قفصه الحديدي في محكمة الجنايات الدولية، التي في أسوأ الأحوال- بالنسبة له- ستسجنه إلى الأبد، فلهذه الجريمة خصوصيتها في المجتمع الليبي، ويكفي حال توثيقنا لها، أن نجعلها شأناً داخلياً وقصيّاً عن الإعلام، ليس حياءً أو خجلاً أو شعوراً بالفضيحة، لكنْ لكي لا نشعر "القذافي" بتحقيقه لمناله، فمسألة تجريم هذا المختل ممكنة، حتى من دون الخوض في هذه الجريمة (الاغتصاب) التي اقترفها، فيكفيه قتله لنا واستجلابه للمرتزقة وتعريض أمن البلاد للمخاطر وتدميره لمكتساباتنا الحيوية.
مع تصديقي لحادثة الاعتداء على المواطنة الليبية "إيمان" التي اقتحمت أحد الفنادق الحكومية أو هي التابعة لنظام الخزي والعار وسط جمع من المراسلين والصحفيين، إلا أنني تساءلت لماذا لم تمنع السلطات في ذلك اليوم بثّ ذلك التسجيل لحديث هذه المواطنة المجني عليها مع مراسلي وكالات الأنباء؟ مع أننا قد شاهدنا في التسجيل نفسه محاولة بعض من أتباع وضباع "القذافي" المتواجدين في بهو الفندق، وقد اشتغلت لديهم غريزتهم الانقضاضية والأمنية، بمحاولتهم تكميم فمّ هذه المواطنة وثنيها عن الحديث، كي لا يُفتضَح أمرهم وأمر آمرهم المجرم، وذلك بمصادرة (الكاميرا) بل وتحطيمها وضرب حتى المراسلين إذا استدعى الموقف، الحسم والحزم، فيبدو أنّ جهاز التعبئة الحربية (النفسانية) الخاضع له، ارتأى أنْ يستثمر ذلك التسجيل في محاولة منه لإرهاب الآباء والأمهات، فيقومون- من ثم- بإلجام أبنائهم وبناتهم عن الاستمرار في الثورة، بإثارة الفزع وإخافة الليبيين ككل على مصير بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم، فالقذافي قبل أنْ يعطي الأمر لميلشياته باعتماد هذا العمل المشين لاحقاً، كان يعلم لخبرته في الحكم ومعاصرته لكل الحروب والجرائم في حقّ الإنسانية وخاصة في أفريقيا، بأنّ نهايته ستكون كنهاية كل مجرم حرب، حال إقدامه على مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية بتوسع، ومنهم الرئيس السوداني "عمر حسن البشير" وقبله (كابيلا) في الكونغو، الذي صار مطارداً حتى لقيّ مصرعه، فقام هذا المجرم بتمرير التسجيل إلى أنْ وصل إلى القنوات الإعلامية، ليس من باب الشفافية الإعلامية وحرية التعبير- مع انتفاء تشكيكي فيما تعرّضت له تلك السيدة- بل كتجربة منه قد تؤتي ثمارها الفاسدة، فلا يقع في هذه الزلة على نحو أوسع، إذا كان لهذا التسجيل التأثير المُبتغى منه، ومن ثم سيقوم بمعالجة الحادثة على أنها مسألة شخصية وفردية يمكن الخروج منها بأقل الخسائر، ويعود المعتدون والمغتصبون إلى أوكارهم سالمين.
يعرف "معمر" بلا لقب "القذافي"- فهذه القبيلة براء منه- تأثير هذا الأمر على معنويات الليبيين جيداً، وأنهم إذا تعرضوا إلى مثل هذا المصير في بناتهم ونسائهم بصفة عامة، فسوف يتكتمون عليه، لذلك منح مجرميه أجهزة النقال التي تعمل بالكاميرا لتصوير اعتداءاتهم الجنسية- ومن ثم- التشهير بأهل الضحايا وإيقاع الفزع في صدور الآخرين، غير أنّ الأحمق الذي أراد أن يلحق العار بنا، لم يكُن ليعلم بأنّ الثوار سيتضامنون بضمائرهم وعطائهم مع الضحايا من البنات، وسيمضون في طريقهم إلى التحرير وتخليص "ليبيا" من المغتصب الأول الذي انتهك شرفها ووأد أحلامها ودفنها في أرض جماهيريته العظمة، كعظمى تعفنت وتعففت حتى الجراء من لحسها بلعابها.
لقد تبلدنا ولم نعد نحسن تشغيل صنعة حواسنا ومشاعرنا بالآخرين، فها نحن نرى جزءاً من شعبنا مهجراً وأغلبهم في عراء صحراء تونس، وكل ما استطعنا عمله هو إيصال النزر اليسير من المساعدات الأوليّة، من دون أن نكترث لمسألة التفكير في ترحيل العوائل من هناك إلى المدن المُحرَّرة في الشرق، سواء بنغازي أو مدن الجبل الأخضر، الذي لا تختلف تضاريسه وبيئته كثيراً عن نظيريهما في جبل نفوسة.
إنّ الحرب ضد "القذافي" تستلزم شعباً واعياً يعرف كيف يردع مخططات هذا المغتصب الأول بقراءة وتوقع كل فعل قد يُقدِّم عليه، فمثل هذا الوضع الذي يعيشه أخواننا في جبل نفوسة وكذلك في مصراتة والزاوية والكفرة، من ضياعٍ وتشريدٍ واحتياج وعوزٍ، مخططـٌ له مع سبق الإصرار والترصد، من لدُن دكتاتور خبر جيداً ومنذ زمن بعيد كيفية قمع الشعوب وإدارة أية أزمة عاتية قد تعصف بعرش مملكته والنيل من إرادة الشعوب التي تطلب حريتها، فطالما أنّ أغلب هؤلاء المُهجّرين مقيمين في العراء، فعراء بلادنا أولى بهم إنْ لم تتسع لهم بيوتنا، وبيوتنا لهم مُشرعة بكل توكيد، فليست "ليبيا" بطاردة لأولادها وبناتها، لكنها ستكون مُطاردة لنا بلعناتها إذا قبـِلنا بمعيشة الهوان لهم.
بنغازي: 1/7/2011












1 تعليقات:

في 2 يوليو 2011 في 3:01 م , Anonymous غير معرف يقول...

السلام عليكم أخ زياد. أنا عبد الله من تاجوراء، تعجبني كثيرا كتاباتك، وأراها دائما فيها من الجدة والحديث عن الواقع الشيئ الكثير، وكنت أرد على من يتسفه عليك بكثرة صورك وأقول لهم هي مدونته وهو حر يضع ما يشاء، واليوم أنت كتبت في أعلى الصفحة ما وددت دوما إفهامه للقراء، فلا عليك؛ فإن هناك الكثيرين يحبون القراءة لك، فاستمر فنحن محتاجون لمن يكتب شيئا يقرأ.
وموضوعك اليوم فيه تحليل جيد، بالنسبة لموضوع إيمان العبيدي، فنحن نعلم أن إخراجها للصحفيين كان لغاية في نفس الطاغية، ولذلك فأنا أرى ما تراه.
أما بالنسبة لأهلنا في تونس فقد عرض على كثير منهم نقلهم للمناطق المحررة في شرق بلادنا لكن كثيرا من العائلات هي من كان يرفض، وذلك لسببين: الأول أن رجلا واحدا فقط يكون في العادة مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال، وبقية الرجال في الجبهة، ثم يأتي آخر للتناوب على من يكون في معية العائلات، فليس هم عائلات كاملة يملك ولي أمرها أمر الذهاب للشرق أو البقاء. والسبب الثاني أن العائلات تريد أن تككون قريبة من أولادها في الجبهات للاطمئنان عليهم، فالمقاتلين يتناوبون أيضا على الذهاب لرؤية أمهاتهم وآبائهم في تونس، وهذا ما لن يكون متحققا لو نقل الناس لبنغازي أو غيرها من مدن الشرق.
أرجو الاستمرار في الكتابة.
وفقك الله.
عبد الله.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية