الجمعة، 17 يونيو 2011

ليبيا في أطلس الجماهيرية



خريطة ليبيا الثورة

خريطة الجماهيرية

 لم يعرف الليبيون في حُقبة (حقفة) الجماهيرية، وطِوال أعوام حكم "القذافي" إلا قطارين اثنين وكفى، اكتفى أحدهما بالربط بين هذه الكلمات بخطوط عرضية وهمية: (الجماهيريةــ ـ ــالعربيةــ ـــالليبيةــ ـ ــالشعبيةــ ـ ــالاشتراكيةــ ـ ــالعظمى*)، فأطالس الجغرافيا العالمية، تبرز بعلاماتها المُتفـَق عليها- دولياً وعلمياً واصطلاحياً- وهي رسومٍ لمثلثات ودوائر ومربعات صفراء وخضراء وحمراء، وأسهم لأعلى وأخرى لأسفل، ونقاط سوداء وزرقاء وحمراء وطائرات وسفن، فهي تشير بذلك إلى التضاريس المتباينة- الصحراوية والزراعية- وتعداد السكان بالنسبة المئوية لكل إقليم، والمعادن والمطارات وموانئ التصدير النفطية، والجبال وموارد الخام المعدنية والمحاصيل الزراعية وحصة الفرد من الدخل العام، وما إليها من بيانات، حينما توضّح للمُطّلِع الخارطة السياسية لأية دولة كانت.
وفي الأطلس الجغرافي للجماهيرية، ثمة علامتان شاذتان لا تلفيهما في أيّ أطلس عالمي، وهما عبارة عن خطين أزرقين متوازيين يمتدان من فرعٍ واحد يمضيان من عمق البلاد إلى المدن الشمالية، اصطلحه فقيه الجغرافيا الأول مُعمِّر البلاد "القذافي"، لتوضيح مساري نهره الصناعي الـ(ع)ـقيم غير المُعقـَم ماؤه، فمن المعلوم أنّ الأنهار الطبيعية هي التي تـُرسَم على الخرائط، نظراً- وأمعن النظر- لتدفقها من منابعها إلى مساقطها ومصباتها، وهي تسير في مجاريها سائلة على سطح الأرض، ونهر العقيد مدفون تحت القشرة الأرضية في أنابيب متراصة ملحومة بعضها ببعض، لذلك يتعذر رسمه أو رسمها، غير أنّ "اعميرينه" أصرّ على ذلك وأصدر قراراً لصندوق عجائبه الأسود (تلفازه) ليُلزم الليبيين باتباع هواه، وأنْ يروا قبل العالم بأسره خطوط نهره العريضة مرسومة على خارطتنا كل يوم مرتين أو ثلاث في نشرة الأحوال الجوية التي لا تنبئ إلا عن رياح القبلي والجفاف والتصحر والقحط، مع وعيهم بأنّ بلادهم لا تـُصنَّف ضمن البلدان النهرية، ومع ذلك أتى بمن يرسم خطوطه الوهمية بطريقة تفوق كل الوصف، حيث جعلها أعرض حتى من مجرى نهر الأمازون الطبيعي، فيا للعجب، ومن عجب إلى عجب آخر في أطلس القذافي.
تجوّل في أرجاء البلاد ببصرك عبر أطلس الجماهيرية، ليس إلا، وسوف لن تجد على رقعة هذه البلاد الشاسعة بعدما تتسلى قليلاً بتقشير الاسم المُلصَق (الجماهيريةــ ـ ــالعربيةــ ـ ــالليبيةــ ـ ــالشعبيةــ ـ ــالاشتراكيةــ ـ ــالعظمى) مثلما تسلخ غطاء لطفح جلدي، ليبدو لك اسمها الحقيقي في كلمة واحدة لا تجاورها كلمة ولا تتوسط كلمتين، وتأبى حتى أنْ يُلازمها حرفٌ، وقد وصلك أنين الفرح بنزعك للغطاء عن اسمها الحقيقي، نعم ابتهاجاً لا ألماً بل وكأنك تسمع زغرودة من كل فتاة اسمها "ليبيا" تعيش على بلادنا- بسقوط الضياء عليه، بعد ذاك لن تجد أيَّ علامة للسكك الحديدية بين مدن ليبيا، إلا سكة وحيدة لقطار ثانٍ لم يعرف الليبيين غيرهما، الأول وقد أتينا على تفصيله، أما الثاني فهو قطار الموت، الذي شدّ وشقّ سكته "القذافي" على رمال صحرائنا، وعلى طول ساحلنا، من شرق البلاد إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، فخاط البلاد بسلكٍ طويل أضاع إبرتنا حتى تاهت بوصلتنا وابتلعتها الرمال ونفتها العواصف في مجاهل الأمكنة، فحاك بسلكه المعدني- الذي يتباهى به، بعدما كوّره على كرتنا الأرضية ووجده يساوي مئات أضعاف محيط الكرة الأرضية- به المؤامرات ولفـّه على رِقاب شبابنا في عكس اتجاه عقارب الساعة، فعادت عقاربها القهقرى، لتلسع الوقت وتسمم زماننا لأربعين عاماً، أين الإبرة؟ لا ندري، أين البوصلة؟ لا نعلم، أين الوجهة؟ نحن تائهون لأربعين عاماً، أفي اتجاه الشرق؟ لا ندري، أفي اتجاه الغرب؟ لا ندري، هل نسفل جنوباً أم أسفل سافلي أفريقيا؟ لا ندري، هل نعلو شمالاً؟ لا ندري؟ لا ندري، ومن يدري؟ غير من أنشد: "على دربك طوالي" الدرب إذاً (طوّالي) ما يعني أنه لا التفاتات إنسانية تجاه هذا الشعب، ولا انحناءات تبجيل لهذه البلاد، بل الحركة في خط مخطوط ومُخطَّط له، حتى الاصطدام بطريق مسدود، صدَّع جدار الخوف.
لقد كانت لهذا القطار عدة محطات مؤلمة من القمع والقتل، فأنطلق هذا القطار المرعب بسرعة جنوبية وجنونية قصوى ليختطف الأرواح والأبدان، فمن لم ينتشله من محطة حرب (تشاد) ونجا بإعجوبة منه، فإن أعجوبة هذا القطار هي من اختطفته في سجن (بو مريض**) وكانت لهذا القطار عدة جولات وصولات أخرى وهو يجوب ويجوس خلال الديار عبر شساعة بلادنا، من اغتيالات في الخفاء وعلى المشانق في العلن، بل إنّ هذا القطار العجائبي الذي صار معجزة، وقتما استطاع أنْ يصنع لنفسه سكة وهمية أخرى على سطح البحر، ووصل إلى محطات أخريات في دول المنفى والمهجر، كي لا يحرم أي ليبي من حقه في القتل، أسوة بليبييّ الداخل.
كان هذا القطار يبرق حديده وقتما يمر بسرعة البرق الصاعق، عند أيّ (استسيوني) انتظار، فيلفي ويلقى عدة رُكّاب ينتظرون مستسلمين له وهم مُتحلِّقين حول عازف (بيانو) ينشد بحسّ فنان نغم كنائسي مهيب وحزين، على جملة موسيقية معدة على لحن جماهيري عتيد (افتح يا فاتح يا امنور في كل مكان/محمد حسن) فيصعدون وقد قرؤوا الفاتحة على أرواحهم الجبانة، غير أنه في آخر محطة له، تعرّض له فتية آمنوا بربهم ولم يصعدوه، ورشقوه بالطوب، فطوبى لهم أنْ استشهدوا، بعدما فغرت نوافذه عن كتائب مدججة بالسلاح، فاستمر رشقهم لهذا القطار المدمر الذي يقود "معمر" الذي اكتشف في نهاية الرحلة، أنْ سكته ليست على طول، وأنّه يجب أنْ ينتهج المسارات الأفعوانية، فترقط كحيّة ميتة في (حقفته)، واكتشف أنّ القطار الذي لم تـُرسَم سكته على الخارطة الليبية السياسية في أطالس العالم، لكي يفصل بين أبناء الشعب الليبي الواحد، آن لها أن تـُدشّن غصباً عنه، لكي يُعاد رسم البلاد خارج أطلس الجماهيرية، باسمها الحقيقي (ليبيا).
فـ(ليبيا) من اليمين إلى اليسار (الشرق إلى الغرب) ومن اليسار إلي اليمين (الغرب إلى الشرق) هي نفسها ليبيا رسما لا (نطقاً***) على الرغم من محاولاته الدؤوبة، لأنّ يفصل بين حدودها وحروفها الوسطى (الياء والباء والياء) فرد عليه طرفيها اللام والألف، بقولة (لا)، لا شرقية ولا غربية ليبيا لُحمة وطنية غير وهمية، لا شمالية ولا جنوبية ليبية وحدة قبلية غير وهمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): (ــ ـ ــ)/ سكة وهمية
(**): بوسليم سابقاً، لأنّ لا أحد من المساجين في يوم المذبحة قد سلم منه، فما الذي جعله بوسليم؟.
(***): في العديد من المسابقات، يُطرَح سؤالٌ عن اسم الدولة التي تنطق من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين باللفظ نفسه، وكثير ما تحصل الفائز على ملايين الدولارات حينما يجيب بـ"ليبيا"، في حين أنّ ليبيا تنطق بالعكس: ايبيل.




بنغازي:17/6/2011

1 تعليقات:

في 18 يونيو 2011 في 4:32 ص , Anonymous غير معرف يقول...

مع إحترامي لك كإنسان ولكن والله لا أرى في كتاباتك سوى كلام غير مرتبط وأفكار غير متناسقة ـ أخي لا تجبر نفسك على شيء ليس لك فيه مهارة . ووالله لا اعرفك والله لا اعرفك شخصيا ولكن كلما رأيت كتاباتك في المنارة أشمئزت نفسي ,,,
عاشت ثورة 17 فبراير وعاشت ليبيا حرة أبية ..
أنشره لو كنت فعلا تأخذ بالرأي الأخر

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية