الأحد، 31 يوليو 2011

نوري المسماري .. المنشق الأهم عن القذافي


لم ينل انشقاق "نوري المسماري" الذي شغل منصب المسؤول الأول عن تشريفات القذافي ولمدة طويلة، وكان يعدُّ بنك معلوماته، وعُرِف بكونه حلقة الوصل (المترجم) بين القذافي- الذي لا يجيد اللغات الحية، ويدعو الليبيين إلى تعلم الميتة منها، كالسواحلية وما (يرطن) به سكان الأدغال من القبائل الأفريقية من لهجات محلية- وبين ضيوفه من الرؤساء والموفدين الرسميين من قِبل حكومات العالم، فلم يكُن مجرد مترجم بل مخلصاً لا يتوانى عن خدمة سيده إلى درجة أنه لا يشعر بأيِّ حرج لو أُظهـِر عن قصد أمام شاشات التلفاز، حاملاً المبخرة بين يديه، ويحصن قائده ببعض التمائم والطلاسم، وهو يدور حول معبوده الأول، كسادن يطوف بصنم في العصر الجاهلي، فلم ينل هذا الحدث اهتماماً من المحللين السياسيين في حينه، ومرّ مرور الكرام، وظنـّه البعض مجرد حادث عرضي لا قيمة ولا تأثير له، لأنّ القذافي تظاهر بأنه غير مُبالٍ وألا يُعيره عناية، وأظّهر نفسه متماسكاً بعد ذيوع خبر انفصال "المسماري" عنه، غير أنّ زمن وأسباب والمكان الذي اختاره لنفسه بعد انشقاقه- حيث يمم وجهه شطر (فرنسا) عبر إحدى الدول الأفريقية، التي كان يزورها رفقة القذافي- يجعله حدثاً استثنائياً وفريداً من نوعه، ذلك أنه ينتشل المهتم والمعني بالشأن الليبي من غموض عميق لفّ موقف (ساركوزاي) المعادي للقذافي وزمرته منذ الأيام الأولى لثورة 17 فبراير، والمتضامن مع محنة الشعب الليبي، الذي لاقى الويلات على مدى حكم هذا الطاغية المرير، فكانت فرنسا- وكما تعلمون- أول دولة تعترف بشرعية المجلس الانتقالي وتفتح أبوابها الدبلوماسية الخارجية لخدمة هذه الثورة التي بدت وبدأت فتية منذ اندلاعها، وسارعت إلى استصدار قراري مجلس الأمن الداعمين للشعب الليبي في وقت قصير، لأنها عملت بحنكة دبلوماسية غير متشنجة بقصد التأثير على الأعضاء الدائمين وغير الدائمي العضوية، لأجل الإجماع على هذين القرارين التوافقيين، بترويض الدب الروسي والباندا الصينية، اللذين خُشي من استعمالهما لحقّ النقض (الفيتو) ضد أي قرار قد يُدين القذافي، لقاء ما قدّمه لهما الأخير من مغريات وامتيازات نفطية واستثمارية، وكان لحكومة (ساركوزاي) التأثير على لبنان التي نالت حريتها بعد اتفاق فرنسا وأمريكا على ضرورة إعادة انتشار الجيش السوري المتواجد على أرضها لأكثر من ثلاثين عاماً، وإزاء هذا الحزم سُرعان ما خرج هذا الجيش من لبنان، وامتثل لذلك الاتفاق رغماً عن أنف الأسد المكسور، وكان من حُسن حظ الشعب الليبي أن تكون لبنان هي المُمثلة للجامعة العربية في تلك الدورة للمجلس، والناطقة في حين واحد باسم جامعة الدول العربية، التي طالبت بتوفير الحماية لنا نحن المدنيين من جبروت هذا المجرم.
إنّ هروب "المسماري" إلى فرنسا، عنى في وقته حصول فرنسا على الرقم السري لخزينة معلومات القذافي السياسية وخططه الرامية إلى استبعاد النفوذ الفرنسي من القارة السمراء ومساعدته على استجلاب الشركات الصينية والروسية حتى على أراضي الدول التابعة للفرانكوفونية- المستعمرات الفرنسية السابقة التي إلى الآن ترتبط بمصالح وعلاقات متداخلة ووطيدة معها- وخاصة في غرب القارة، وهذا ما يحلل أيضاً القتامة التي جعلت رئيس له وزنه في ذلك الإقليم يزور مدينة بنغازي ويعلن عن اعترافه بشرعية المجلس الوطني الانتقالي، وهو الرئيس السنغالي "عبد الله واد" وبذلك يصبح قد أعلن بالقول مدعوماً بالفعل عن حرصه على المصالح التي تجمع بلاده بباريس، ولعلّ البعض يتساءل: "وما مصلحة القذافي من وراء استعدائه لفرنسا؟" وكأنّ السائل، لم يعِ بأنّ هذا الموتور، قد استعدى شعبنا منذ أنْ قفز على هرم السلطة من غير سبب، لكنّ مرجعية استعدائه لهذه الدولة الأوربية العظمى، قد حدث منذ تدخله في الشؤون الداخلية لبعض الدول الأفريقية المتاخمة لليبيا، وكذلك المتوغلة في أدغال هذه القارة من تشاد إلى النيجر مروراً ببوركينا فاسو والجابون وانتهاءً بالكونغو، وأظنه في ذلك الوقت عمل على تأجيج الكراهية لدى الأفارقة ضدّ فرنسا الاستعمارية، بهدف استبدالها بالنفوذ الأمريكي، ولعلّ في تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر)- الذي انتهت ولايته في سنة 1980 ميلادية، وأعقبه الرئيس (رونالد ريغان)- الخبر اليقين، عندما استضافته إحدى القنوات الإخبارية منذ أقل من عامين، وسألته عن السرّ الكامن برأيه وراء عزم إدارة (بوش) الابن على إسقاط نظام الرئيس العراقي "صدّام حسين"، في حين أنّ ثمة دولاً أخرى، ما برحت تعلن عن مناهضتها للهيمنة الأمريكية، وأعطت مثالاً على ذلك بالزعيم الليبي معمر القذافي؟، فلم يرد على ذلك إلا بقوله: "القذافي لم يكُن عدونا في يوم من الخمسة عشر يوماً التي حكم فيها الليبيين، بل ربطته بنا مصالح كثيرة" وممّا لا شكّ فيه، أنّ المصالح التي عناها هذا الرئيس الأمريكي، لا تخرج عن كونها عمالة القذافي لواشنطن، لأنّ دولة في حجم الولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن لها بحال من الأحوال، أنْ تتبادل المصالح إلا مع دولة تكون ندّاً لها، وما يدلل على ذلك، إنّ لا فائدة عادت على الشعب الليبي من وراء هذه المصالح، اللهم إلا إنْ كانت مصلحة فردية للقذافي، تتبلور في غضّ طرف هذه الدولة العظمى عن نظامه الديكتاتوري وانتفاء عملها على إسقاطه، إما بعمل عسكري، في حجم ما كان منها ضد الرئيس "صدام حسين" أو حتى استخباراتي، من شأنه أنْ يدعم المعارضة الليبية لأجل هذه الغاية في فترة حالكة، مرت بها ليبيا تحت وطأة نظام هذا المستبد.
بنغازي: 31/7/2011


0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية