السبت، 30 يوليو 2011

رسائل مغلفة بطابع الثورة

 
1- إلى الثوّار غير المنضبطين
الكثير من الناس يضعون اللوم على أداء المجلس الوطني الانتقالي، حين حدوث أي اختراق أمني من الطابور الخامس، بحجة أنّ أعضاء المجلس واللجان المنبثقة عنه، ليسوا مؤهلين لإدارة الأزمة، والحقيقة التي تراءت ليّ من خلال المتابعة، أنّ بعض هذه الاختراقات تنجم عن أخطاء بديهية، ولا أظن مجرد الظن، بأنّ حتى الأطفال يقعون فيها فما بالكم برجالات المجلس، فممّا لا ريبة فيه أنّ الإخوة في المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي به، قد تداركوها منذ البداية هذه الثغرات وحاولوا ترميمها وكانوا يتوقعونها، فهم من النخبة المثقفة والمتعلمة في أغلبهم، فمثلاً الانفجار الذي حدث منذ فترة في ساحة التغيير (الحرية) نتيجة لقنبلة يدوية، أنحى البعض بمسؤوليته على اللجنة الأمنية التابعة للمجلس والمسؤولة على توفير الأمن هناك، ولست أشكّ أبداً في أنّ هذه اللجنة أعطت الأمر قبل وبعد الانفجار إلى عناصرها لمنع دخول السيارات ببرهان أننا لاحظنا التكثيف الأمني الذي جرى بعد هذه العملية الخسيسة، حيث أقفل شارع "عمر المختار" بموانع إسمنتية وتمّ الحظر على دخول السيارات إلى مكان التجمع والاعتصام، وقامت اللجنة بإعادة انتشار عناصرها على نحو رائع، إلا أنّ هذا الضبط الأمني لم يستمر إلى أكثر من ثلاثة أيام فقط، وسُرعان ما عاد الأمر إلى حالته الفوضوية الأولى، بعدما تركت هذه العناصر مواقعها من دون أنْ تتلقى الأمر بذلك من قيادتها.
وهنا يستلزم الموقف توجيه النصح إلى الثوّار الشباب، الذين يتملصون من توجيهات قادتهم العسكريين والمدنيين، بحجة أنهم هم من أشعلوا لهيب الثورة، ولا سلطة لأحد عليهم، بل إنهم صاروا يُعيّرون قادتهم بحجة حقّ أريد بها باطلاً: "نحن الذين فجّرنا الثورة، ولستم أنتم يا من قبلتم بالهوان في عهد القذافي، ولم تثوروا عليه".
قد تكون هذه العبارة المؤسفة حقيقية، لكنها لا تصل إلى درجة الحجة الدامغة، وعلى من يصدح متفاخراً بهذا الرأي من الثوّار، أنْ يعرف بأنّ الثورة أخذت مساراً آخراً، حيث إنّ المشهد السياسي في ليبيا، انتقل من مرحلة الثورة إلى حرب التحرير، وهذه الحالة تستلزم رجالاً يحسنون إدارة الأزمة، لذا وجب على الثوّار جميعاً أنْ ينضووا تحت إمرة قادتهم، ويمتثلون لتوجيهاتهم في الميدان العسكري والمدني على حدٍّ سواء، فمثل هذا الكلام قد يقود ثورتنا إلى ثورة مضادة وهذا ما يضرّ بمصيرها نتيجة الجهل.
ولعلّ من المضحك، هو عودتي من ساحة التغيير حافياً بعد ضياع نعلي، بسبب الاختراق الأمني الذي حدث هناك نتيجة البلبلة التي أعقبت خبر استشهاد اللواء البطل "عبد الفتاح يونس".
2- إلى البسباسي
أستهل هذه البرقية بتذكيركم بهذا الحوار في برنامج البسباسي، الذي استمعت إلى أولى حلقاته منذ مدة خمس سنوات تقريباً:
البسباسي: اللي راتبه فوق الخمسمية دينار يقدر ايعيش عيشة امبحبحة في رمضان.. واللي راتبه أقل من ميتين دينار، ايش ايدير مع هالغلا يا غرسة؟.
غرسة: ما له إلا القايد.
السؤال استفزّ القائد، وظهر في موعد البرنامج في اليوم الثاني والتالي لتلك الحلقة، ليقول بعدما أحسّ بأنّ البرنامج خرج عن الإطار المسموح له به، خصوصاً وأنّ "غرسة" قد حملته وزر فقر ومعاناة ذوي المرتبات المنخفضة، حيث تزامن الشهر الكريم مع بداية العام الدراسي:
"أستغرب ممّن راتبه منخفض، ويشتكي من حجم المصروفات وغلاء المعيشة في رمضان، فطالما استطاع المواطن أنْ يكيّف نفسه وإنفاقاته قبل الصيام، فكيف لا يستطيع ذلك في شهر الصوم الذي يُحرّم التبذير؟".
إليك يا من أوجعت رؤوسنا في كل شهر رمضان، إليك يا من سفهت أحلامنا وأسمعتنا ضجيج توجيهات قائدك عبر ملاحظاته إليك، نقول: "لن نقول آه يا راسي"، إليك يا من أشعت بيننا ثقافة الفقر والخنوع للظلم، نقول انتهى عهد سيدك، وهو من صار الآن يضع يده على عمامته ويتأوه من الصداع الذي أصاب جمجمته من خلال شعارات الثورة وهتافاتها الخالدة، ومن كلمة الشيخ الزنتاني "طاهر اجديع" التي تهكم فيها في مسجد الزنتان على قائدك وابنه سيف أبيه: وما تزال تقرعه على رأسه، حينما قال: (عطك غُدة).
قد تتشابه الأسماء وتتباين الشخصيات، فأنت يا أيها البسباسي لك الاسم نفسه لذلك الشيخ الزنتاني الطيب، وكان بإمكانك، أن تحيل تلك الرسالة إلى قائدك، لكنك خشيت على نفسك منه، وأنطته إلى الأستاذة الإذاعية "فاطمة عمر" التي كانت أشجع منك.
الجدير بالذكر إنّ هذا البرنامج قد ابتدأ حلقاته منذ العهد الملكي، وقد حظيّ باهتمام وعناية المستمعين لما طرحه في تلك الفترة من أمور اجتماعية، لكن وبعد الانقلاب وظّف القذافي هذا البرنامج لما يخدم توجهاته التي لا اتجاه محدد لها عدا إخضاع البلاد لسياساته المتهورة.
3- إلى المتفرجين على برنامج شاكير
لا يدهشني من ينصرف إلى الفرجة على شاكير، لكنْ ما أستغربه هو حجته بأنه يعرف مدى تلفيق هذا الأفاق، ومع ذلك يحرص على متابعته بذريعة أنه يضحكه، وهذا لعمري ما يدهشني، فكيف لعاقل أن يستمع إلى شخص يخوض في أعراض الناس ويحفزهم على الاقتتال فيما بينهم، ويستهزئ بثوارنا ومن يمثلون الثورة، ولا يهمه أنْ يناله الإثم، نتيجة ما أباحه لأذنيه من الاستماع إلى قول الفسق؟، قد يكون من المفيد متابعة هذا البرنامج لذوي الاختصاص من القادة العسكريين والمحللين السياسيين لقراءة ما بين سطور نغمات النشاز لهذا البوق المثقوب، لمعرفة أية خطوة يريد أن يقدم عليها النظام المنشق عن الشرعية المحلية والدولية، أما عدا أولئك فيحسن بهم انتفاء مراقبة ، فقد لاحظت أنّ من يتابعون هذا السفيه يقبلون عليه بشكل أكبر، في حالة تأخر المرتبات أو حدوث خطب جلل في المدن المحررة.
4- إلى المسؤولين بالمكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي
هل من إجابة عن السؤال الذي في أخر هذه البرقية، غير هذه: لأنّ ثمة فرقاً بين النظامين السياسيين عربياً، فالملوك على علاتهم لهم إنسانية، وهذا النظام السياسي أثبت تسامحه مع الشعب، بدليل مساندة قطر والكويت والأردن للشعب الليبي، وهي دول تقترب في شكل جسمها السياسي، بعكس ما يسمون بالجمهوريين؟ وهذا لا يعني أنّ النظام الجمهوري، هو نظام مُعادٍ للثورات، لأنّ التاريخ السياسي يقول بأنّ من يتصدّى للثورات هم الملوك، والثورات هي من ينتقل بالبلدان إلى عهد الجمهوريات، لكنّ السبب قد يعود لانتفاء تحقق هذا النظام السياسي الذي جاء به العسكر بعد انقلاباتهم على الأنظمة الملكية العربية، ولا يغرنـّكم ما تبرّر به بعض الجمهوريات العربية بخصوص تأخر اعترافها بالمجلس، حينما تضع نفسها في قائمة المعترفين فعلياً لا رسمياً، حيث إنها أرادت بذلك- وبحسب استنتاجي- أن تفكّ ارتباطها بالمجلس وقتما شاءت ومتى تعامل معها المجلس بحسب البروتوكول السياسي، الذي من خلاله يستطيع أنْ يمارس العمل السياسي بحسب الاتفاقيات الدولية وما يضمن للشعب الليبي أمنه ومصالحه، وخاصة حينما يطلب المجلس إلى حكومات هذه الجمهوريات العمل على تطبيق القرارين الدوليين 1970-1973 فهي بذلك تكون في حلٍّ من ذلك، على الرغم من أنّ مسألة تطبيقهما لا تعود إلى العلاقات الثنائية والبينية، لكنها عند الاعتراف بالمجلس ستكون مطالبة بتسليم المطلوبين إلى الشعب الليبي ممّن يتواجدون على أراضيها.
والسؤال المتأخر عن الإجابة التي تقدّمت بها، هو: الدول العربية المعترفة بالمجلس الانتقالي حتى الآن، تتشابه في نظام حكمها، فهي إما ممالك أو إمارات، فهل من جمهورية عربية ستعترف؟.
5- إلى جهاز التخطيط العمراني
الشهيد البطل "عبد الفتاح يونس" يستحق منا أنْ نسمّي ونستبدل شارع "جمال عبد الناصر" باسمه ليكون رمزاً للأجيال القادمة، فلقد كان لانشقاق هذا الضابط الكبير الأثر السلبي على "القذافي" ليس فقط من موقعه العسكري، ولكنْ معنوياً، فانضمامه إلى ثورة 17 فبراير، أصاب القذافي بنكسة سياسية كبيرة، إذ أنه ممن انتسبوا إلى انقلاب سبتمبر 1969 ميلادياً، وإذا كان ذلك التغيير السياسي ثورة كما يدّعي، فما الذي جعل "يونس" ينشق وينضم إلى شباب فبراير، غير أنّه اقتنع بأنّ حركة هؤلاء الشباب هي الثورة الحقيقية، هذا السؤال، هو ما كان يردد على القذافي دولياً، فيخرسه.
6- إلى شركة الكهرباء
توفر الوقود لا يعني استنزافه، طالما أنّ تعويضه أمر صعب نتيجة للقرار الدولي القاضي بتجميد أموالنا، فعند نفاده نجد أنّ التيار الكهربائي يغيب لمدد طويلة يومياً، قد تصل إلى أكثر من عشرين ساعة، لذا أقترح قطع التيار لمدة ساعة أو ساعتين يومياً، مع تحديد جدول لذلك حسب كل منطقة وحي يبين ساعتي القطع، فالقليل المتصل أفضل عند الله وعندنا من الكثير المنفصل.
7- إلى اللجان المشرفة على إغاثة النازحين
بنغازي معقل الثوّار، ضحّت ككل المدن والقرى بدماء أبنائها لأجل نصرة هذه الثورة المباركة، أهل هذه المدينة والمدن المحررة لم يتوانوا على دفع التبرعات لإخوانهم النازحين ضمن الجمعيات الخيرية، بإرسال المؤن والحاجيات الأساسية، ومنهم من سافر إلى مخيمات النازحين في تونس ومصر، مصحوباً بمبالغ كبيرة من الأموال، ليشترى بها المواد الأولية في هذين البلدين العزيزين، مما سبب في فقدان السيولة وخروج الأموال إلى الخارج وافتقار المصارف لها، فارجو العمل بالحرص على إبقاء الأموال بالداخل، والحرص على شراء مواد الإغاثة من الداخل، والنظر في مسألة نقل النازحين إلى المدن المحررة لتحقيق هذه الغاية لتبقى الأموال في الداخل، ثم أريد أن أتساءل لماذا لا يعود النازحون المتواجدون في مصر سامحهم الله؟ كيف تخصّص هذه المساعدات لمن يحتاجها بالفعل، فيسهمون بذلك في تخفيف الضغط على هذه اللجان.
8- إلى المشككين في أداء المجلس الوطني الانتقالي
مسألة وفاة المرحوم "عبد الفتاح يونس" سببها إشاعات المغرضين، التي نالت من صدّقية وكفاءة أعضائه، فمن يتوجع على "يونس" الآن، عليه أنْ يتذكر دوماً، بأنّ الطعن في المجلس- في هذه الظروف الصعبة، وهو يعرف مدى الصعوبات التي تواجهه والعبء الذي يقع عليه بالداخل والخارج- هو بمثابة الطعن في الشهيد وهو على قيد الحياة، فتسريب الشكوك والاتهامات والطعن في كفاءات المجلس، كان لها دور خطير في مقتل "يونس" وهذه الحالة ذكرتني بالفتنة الكبرى التي حدثت نتيجة لإشاعة سرّبها ابن السوداء في اليمن بحقّ الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" وطبعاً لست هنا أضع رجال المجلس في مرتبة الرشد والعصمة، لكنّي أحبّبت فقط التذكير بتلك الحادثة التاريخية (الفتنة الكبرى)، ثم يجب على المشككين أنّ يشيدوا بدور المستشار "مصطفى عبد الجليل" الذي يحتل رئاسة هذا المجلس، الذي أسهم على نحو كبير في درأ الفتنة التي أعقبت اغتيال الشهيد، لما له من مكانة لدى أسرة الفقيد وقبيلة العبيدات.
9- إلى المستغلين السياسيين
أرحب بأي عمل وحراك سياسيين في بلادي، لكن سأناهض أي عمل خارج الدستور في الوقت الحاضر، فالعمل الحزبي يستلزم قانوناً ينظمه، وأنّ أي عمل كهذا وفي الظرف الراهن، هو بلا شك عمل انتهازي، يستغل غياب عدد كبير من الليبيين وانشغالهم بالتحرير الذي يعقب سقوط "معمر".. وما يدرينا فقد يكون وراء إنشاء أي حزب سياسي الآن أيدي أجنبية؟ ففي العرف الحزبي يجرّم القانون كل حزب يستمد دعمه المالي من الخارج، بل إنني أناهض حتى ظهور مؤسسة ما ستكون نواة لحزب بعد انتهاء عملية التحرير، لأنّ حدوث شيئاً كهذا، يعني البدء في الحملة الانتخابية وكسب الوقت الكافي لها من باب "اللي سبق غز اللي نبق".
10- إلى قبيلة العبيدات المجاهدة
أعزي نفسي قبل أن أعزيكم في ابنكم شهيد الوطن "عبد الفتاح يونس" فمسألة اغتياله غيلةً وغدراً، ذكرتني باغتيال عمّي العقيد "إدريس العيساوي" الذي كان يشغل منصب نائب القائد العام في العهد الملكي، لكني بصفتي أحد ورثة المرحوم، سأقوم برفع صحيفة دعوى على القذافي، الذي يتهمه العديد من السّاسة الليبيين والأجانب باغتياله، متى يحين الوقت لذلك.
بنغازي: 30/7/2011












2 تعليقات:

في 2 أغسطس 2011 في 8:31 ص , Anonymous fayez يقول...

مقال جميل و تحليل اكثر من رائع بارك الله فيك اخي

 
في 2 أغسطس 2011 في 9:20 ص , Anonymous إيهاب الطرابلسي يقول...

صح قلمك يا خوي, وبارك الله فيك, نحييك على فطانتك ومنطقك وتفكيرك السليم, لعمري لديك مستقبل في أنت تشغل منصبا في حكومة المستقبل.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية