الأربعاء، 27 يوليو 2011

دعُه يتفاوض دعُه يتنحى


لا أدري لماذا كلما قامت أية شخصية اعتبارية، تحظى بتأييد واحترام محليين لدى بعض الليبيين من الداخل أو الخارج، بعرض أفكار سياسية وتفاوضية تريد من خلالها الوصول بماراثون الأزمة الليبية إلى شريط النهاية في طرابلس، بتنحي القذافي وزبانيته وزبالته عن مقاليد الحكم، ينبري البعض منا بالتصدي لها، وقد تصل به هذه الممانعة إلى تخوين هذه الشخصية وإقصائها من أية حسابات ومشاركة سياسية آنية ومستقبلية، على الرغم من أنها قد تكون تتفاوض مع بقايا عظام النظام بمباركة دولية في الخفاء؟.
لما خرج الشباب في ثورتهم كان هدفهم الأول إسقاط نظام العقيد، ولا يعني إمعانه في تقتيلنا أنْ نمضي في مسار آخر غير مسارنا المستقيم، الذي قد ينحرف بثورنا إلى تفرعات تتولد منها تشعبات مُضادة، حتى يصبح المشهد الثوري في بلادنا أشبه ما يكون بمتاهة لها بداية بلا نهاية، فالتفاوض لأجل تنحي "معمر"، هو انتصار كبير لثورتنا، لو استطاع أي مفاوض محنك تحقيقه، فذلك يعني بأنّ "القذافي" قد خسر معركته معنا، شرعياً ثم عسكرياً ثم سياسياً، أي نكون بذلك قد هزمناه على ثلاث ساحات لا واحدة وبضربة واحدة من شعب واحد، أجمع مسبقاً على ضرورة تنحيه.
في جهاد أجدادنا عبرة وإسوة لنا:
شهدت فترة الجهاد الليبي ضد الطليان أنواع عديدة من أوجه المقاومة الشرسة، فإلى جانب القتال المقدس الذي تكفـّل به بعض المجاهدين الأشاوس بمطاردة هذا المستعمر الاستيطاني في الجبال والصحارى والسهول، وبتزامن مع ذلك، وُجـِد آخرون ارتأوا ضرورة التفاوض معه لأجل الحصول على الحقوق المشروعة للشعب الليبي، الذي لا قبل له بتلك الحرب، وذلك بتآزر وتوافق بين الجناحين المدني والعسكري، إذ لم يقـُم جانب منهما بتخوين الآخر، على النقيض ممّا حاول إعلام "القذافي" تسويقه بين الليبيين بتشويه الجانب المفاوض واعتبار من تولوا القيام به، من خونة الوطن، بعد إنشائه لمركز جهاد الليبيين، وما يدحض هذا القول أننا قد نجد شخصين من أسرة واحدة، كان كل منهما يقوم بواجبه في أحد الجانبين، ليس من قبيل الاختلاف بل التوافق على هدف واحد، وجب تحقيقه، مهما اختلفت الطرق والسبب واحد، هو إنهاء معاناة الشعب الليبي من نير الاحتلال.
ومسألة التفاوض مع النظام لا أرمي من خلالها بالضرورة إلى إيقاف حرب التحرير، بل إنّ الاستمرار في هذه الحرب، يجب أنْ ينتج عنه سقف أو مكسب سياسي، كأية حرب شهدها العالم، غير حرب واحدة، لم يُعرف لها هدفٌ ولا مكسبٌ سياسي، وهي حرب معمر ضد "تشاد"، فلو أردنا مواصلة هذه الحرب التي هي في أصلها دفاعية من جانبنا هكذا من دون أي هدف سياسي، بل ثأري انتقامي لا عدلي، فهذه مسألة أخرى ليست من متطلبات ثورتنا، بكل توكيد، وعلى من يريدها منا، ألا يُحمل شعبنا وزرها وتداعياتها.
لا أجد أية غضاضة في التحاور والتفاوض مع نظام العقيد، شرط أنْ يلتزم المفاوض المُفوّض من ناحيتنا بالالتزام بالعنوان العريض الذي خططناه على لافتاتنا بلون دم شهدائنا: "الشعب يريد إسقاط النظام" بأكمله- شخوصاً وإيديولوجيةً.
منذ أيام قليلة أطلق بعض الحلفاء تصريحات متباينة حول إمكانية وقف الحملة العسكرية على ميلشيات "معمر" بعد أنْ وصل إلى حقيقة مفادها، صعوبة حلحلة القضية الليبية بالاعتماد الكلي على الشق العسكري وتجاهل مبدأ التفاوض، فانبرى بعض مسؤولونا بالتصريحات العنترية، حيث ذهب أحدهم إلى القول:"سنقاتل بأسناننا، لو توقف حلف الناتو عن أداء المهمة"، وهو مما لا ريب فيه خطاب حماسي لا أكثر ولا أقل، ويعيدنا إلى المربع الأول لأحداث الثورة، لكأنه نسى أن أسناننا التي يعتمد عليها قد نخرها السوس من (تعسيلة) القذافي على سدة الحكم، فإذا كانت الحال كذلك، لماذا طلب مجلسنا منذ البداية دعم المجتمع الدولي لنا، ممثلاً في جامعة الدول العربية وجمعية الأمم المتحدة؟ لقد كان الأجدى به، إنْ تقاعس حلف الناتو عن واجبه، أنْ يطلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن لتقويض دور الناتو رسمياً وتفويض جهة أخرى للقيام بتطبيق القرار الأممي 1973، فليس من الحكمة أنْ نفرط في هذا القرار الذي فـُزنا به بعد عدة مداولات في أروقة مجلس الأمن والسلم الدوليين، أو ربما لأنه لم يعِ ما رمى إليه الحلفاء من وراء هذا التصريح، وهو الدفع إلى طرق باب التفاوض بين الثوّار وأتباع القذافي، ولأنّ المجلس الوطني الانتقالي ملتزمٌ بتطلعات الشعب الليبي بخصوص تحريم المتاجرة والسمسرة بدماء الشهداء والمغتصبات، لم يبدِ أي تنازل بهذا الخصوص- وقد تكفلت به شخصيات ليبية أخرى من خارجه متنازلة عن علاوة الخطر الذي ستقحم نفسها فيه، وهو الإشارة إليها بسبابة السُّباب والخيانة- ولست أدري هل بموافقته أو من دون درايته، ولكن في الحالتين، سيكون التفاوض مع النظام الخارج عن الشرعية الدولية غير مباشر، مما يضمن لهذا المجلس الموقر انتفاء دخوله في محادثات مشبوهة، ولن يلزمه هذا التفاوض بأية إجراءات، طالما لم تلبِ طموحات شعبنا المنكوب بحكم العقيد، وأمام مفاجأة قد يقوم بها الأخير من دون حتى تفاوض معه، تتمثل في رغبته في التنحي عن السلطة من طرف واحد ودونما مفاوضات، هل سيتعنت من لا يريد التفاوض من جانبنا؟ فإذ ذاك، سيلجمه المجتمع الدولي بالتوقف عن الحرب طالما أن الهدف سُجِّل في شباكنا بقصفة جاراد قذافية مباغتة، أو قد يعود مجلس الأمن إلى المبدأ الأول (حماية المدنيين) لكنه سيوظّف في غير صالحنا، فما أدرى الحلفاء قد نقوم بأعمال انتقامية، وسيلزمنا على الموافقة عملاً بمأثورنا: "نص الطريق ولا كمالها" ومنتصف الطريق قد يعني وصول ثوارنا إلى مشارف (سرت).
إذاً لندع المجال متسعاً لكل من يريد إسقاط العقيد، كلٌّ بحسب أسلوبه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. وفي النهاية أقول عن القذافي: "إذا خاف واستحى، تنحّى".
بنغازي: 27/7/2011
        

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية