السبت، 10 سبتمبر 2011

مأساة الدكتور مصطفى العراقي

مأساة الدكتور مصطفى العراقي
عيب عليهم .. عيب علينا
القانون (يحمي) المغفلين، خصوصاً إذا كان أحد هؤلاء المغفلين متغرباً عاش في بلادٍ أُستغفِل شعبها قبل الآخرين، من قِبل حاكم دجّال جمع حوله الأفاقين ومنعدمي الضمائر الحيّة الذين اغتصبوا حقوق الشعب؛ القانون يحمي المغفلين إذا كان هذا القانون يسدُّ الطريق أمام كل صاحب حق طالب به، ولم يجد أية ثغرة يلج منها ولو تحايلاً، كي يعترف بقضيته أمام محاكم الزيف والباطل.
هذه مأساة دكتور عراقي تواجد على أرض ليبيا منذ عام 1976م، بكلية الهندسة، وكان له دورٌ فاعل في تأسيس كلية الهندسة بجامعة قاريونس، قدم إلى بلادنا بعد أن أُبرم معه العقد أثناء تواجده بإحدى جامعات بولندا إبان الشيوعية المقيتة، هارباً من رمضاء "صدّام حسين"، وهو لا يدري بأنه سيستجير بنار بومنيار منه، خرّج العديد من الدفعات وكبار المهندسين لدينا تتلمذوا على يديه وعلمه، بدأت مأساة الدكتور "مصطفى" حينما التقى بأحد طلابه في مطار طرابلس أثناء سفره لرؤية زوجته وبنيه في العاصمة وارسو، فعرض عليه استضافته في منزل عائلته في مدينة الزاوية، لم يتوقع هذا المُغفل- بلغة القانون، لأنه على قدرٍ عالٍ من العلم والمعرفة- بأنّ هذا الطالب المتنفذ في الجهاز الأمني، سينهي مستقبله العلمي ويجعله بائساً يتجرع ما تجرعه أهل هذا البلد من جور وظلم زبانية القذافي، الذين سلطهم بسلطته الشعبية على الشعب الليبي قبل حتى الأجانب.
تفاصيل القصة طويلة، ومضى عليها أكثر من خمسة وعشرون عاماً، عانى خلالها هذا الدكتور الحرمان والذل وشظف العيش والبعد عن أسرته التي لم يرها منذ ما تعرض له، وجدته ذات مرة يلتقط الخبز الحافي واليابس من على أرضية الكورنيش يتقاسم والأسماك رزقها الذي يرميه إليها المتسلون والعشّاق على الرصيف، بدا عليه أنه إنسان فاضل لكن مصائب الدهر عصفت وحاقت به في بلدنا.
خاطب جهات الاختصاص وتحصل على عدة قرارات في صالحه، إلا أنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ في عصر قمع الجماهير، قبل بأية طريقة تمكنه من إرجاع حقه إليه البالغ (295) ألف دولار، ولو بالعملة الليبية بسعر الصرف القديم بعد أن أُرغِم على ذلك غير أن شيئاً لم يكُن، فانطبق عليه القول (رضينا بالهم وما رضا بينا)، وعن طرق أبواب الجهات الدولية كان له رأيٌ وطني لم يُعرَف به حتى بعض الليبيين مفاده أنه لن يسيء ويشنع ببلاد عاش فيها وأكل من خيرها على الرغم من حثّ بعض معارفه من عراقيي المهجر بالإسراع في هذا الدرب، صبر وصابر إيماناً منه بأنه ذو حق وأنّ حقه لن يضيع، تقدّم به العمر وساءت أحواله الصحية والمعيشية وهو في مسيس الحاجة إلى من يعوله من أبنائه المقيمين بالخارج، بقي في بنغازي وروحه تنازعه شوقاً إلى أسرته.
عرفت الدكتور "مصطفى" منذ أربعة أعوام وشرح ليّ تفاصيل حكايته، وصارحته بأنّ حقوقه لن تعود إليه في عصر هادم القوانين وآكل حقوق الناس ووعدته بأنّ هذا النظام لن يستمر طويلاً وقد يئسنا منه حتى نحن الليبيين، وأن أملنا منعقد على عهد جديد لن يطول انتظارنا له، وها هي الثورة قد اندلعت ونجحت ونرجو من الله تعالى أن يعجل بخلاص المحرومين والمظلومين من الليبيين والعرب الذين اكتووا بظلم ذلك العهد الفاسد.
كنت أستطيع بعلاقاتي الخاصة ومعارفي أن أسعى جاهداً لإنصاف هذا الرجل، لكني خشيت من أمر آخر قد يفسد ما أنتويه لأجله إذ قد يفسر البعض سعيي هذا إلى فائدة أطلبها لنفسي من وراءه (عمولة) فوجدت بأنني قد أقدر على إرجاع حقه إليه عن طريق طرق باب الصحافة الحرة التي بها قد يصل هذا الدكتور إلى حقه، من دون تعطيل طالما أن القرارات تؤيده، فباعتباره من الرعايا الأجانب أظن بأن وزارة الخارجية أو الأخ المسؤول بالمكتب التنفيذي على الشؤون الخارجية، هو من يستطيع تمكينه من وضع نهاية سعيدة لقصته الأليمة.
عيب على القذافي أنه لم ينهِ مأساة هذا الرجل وسيكون العيب علينا أكثر لو لم نقُم بما يمليه الضمير والدين علينا بشأنه.
فلتكُن هذه القضية أول امتحان في مدرسة حقوق الإنسان يتعرض لها (الانتقالي) و(التنفيذي) ومنظمات المجتمع المدني هي كذلك في امتحان لإنصاف هذا الرجل ولو من باب ردّ المعروف إليه لإسهامه الكبير في تعليم أبنائنا.
زياد العيساوي
0926284437        

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية