الجمعة، 15 أكتوبر 2010

تراكـُمات


تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
تراكمات كبيرة .. تراكمات صغيرة ... تراكمات ننساها وتراكمات كثيرة
تراكمات منسيّة .. تراكمات قليلة ... تراكمات نذكرها وتراكمات مستحيلة
تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
***
تراكمات بنغازية .. تراكمات طرابلسية ... تراكمات بيضاوية وتراكمات مرجاوية
تراكمات مصراتية تراكمات درناوية ...  تراكمات زوارية وتراكمات سبهاوية
تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
***
 تراكمات ما أصعبها .. تراكمات ما تبعدنا
تراكمات ما أثقلها .. تراكمات توحدنا
تراكمات عنوسة .. تراكمات مرصوصة
تراكمات استياء .. تراكمات أعباء
تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
***
تراكمات ماضية .. تراكمات جايئة ... تراكمات يا خوفي منها
تراكمات بعيدة .. تراكمات جديدة ... تراكمات يطول حديثي عنها
تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
***
تراكمات مُتراكِمة .. وترافقنا على طول
تراكمات في الزحمة .. وماشية بنا للمجهول
تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
***
تراكمات ديون .. تراكمات فنون ... تراكمات أجيال .. تراكمات مسؤولية
تراكمات اقتصادية.. تراكمات اجتماعية ... تراكمات أموال .. تراكمات أهلية
تراكمات .. تراكمات .. تراكمات
***
تراكـُمات أجيال : 
الطابور الأول : مواليد الستينيات.
الطابور الثاني : مواليد السبعينيات.
الطابور الثالث : مواليد الثمانينيات.
الطابور الرابع : مواليد التسعينيات. 
عندما بلغ وأدرك مواليد الستينيات، العشرين سنة من أعمارهم، أي في عام 1980 ميلادية، اصطفوا عند باب كل الوزير، وهذا جانب مما حدث معهم عند هذه الأبواب، وسنعمُّمه بالقياس على الأبواب كلها، بحراسها وحجابها وانتظارها ولا جدواها.
 عند باب وزير العمل، اصطفّ هؤلاء الخريجون الباحثون عن العمل بالتعيين، مُشكـِّلين الطابور الأول، فخرج إليهم حاجب عين الوزير، وأخبرهم: 'التعيين واقف زي وقفتكم في الطابور.. يا ريت يا أخوانا.. اتراجعونا كل يوم سبت من كل أسبوع.. وابشروا خيراً' فمضت الأسبات والأسابيع تباعاً، وبعد عشرة سنوات من التربص بلا فائدة، ترك أول واحد في الطابور، صدارته، وهاجر إلى ديار الإفرنجة، أما ثانيه، فقد ترك الطابور، وجلس بعيداً على (بلوكه جيّرية) يشاهد حركة الطابور، أما الثالث، فقد ارتأى أنْ يبحث له عن عمل خاص، فذلك أصلح له من بقائه في هذا الطابور، وأخر من في الصف، كان صبره قليلاً، فنفد منه، وقام بسبّ حاجب الوزير، فقز عليه أثنان من نوافذ الوزارة- لأنهما سمعاه يقول: 'لنقنكم مزطتونا' - وقبضوا عليه بتهمة الإخلال بالنظام، والتحريض على الشغب، والذي كان أمامه (رعش) من هذا الموقف، فأصابته سكتة قلبية، لأنه لم يستطع أنْ يُعبّر عن مشاعره الطابورية، فسقط ساكتاً، لكنّ الذي صار في مؤخرة الطابور، وبعدما شاهد بأم- وأب وجد وخالة وعمة- عينيه، ما أصاب اللذين في خلفه، صار يردّد:'اللي يرجى خير م اللي ايتمنى'.
تشكـّـل إلى جانبه الطابور الثاني، في سنة 1990 ميلادية، فقد أدرك منتسبوه هم أيضاً، باكورة شبابهم وعزّ عمرهم، وسمعوا ما حدث مع الصف الأول، وأدركوا ذلك، من ترديد أخر واحد في الصفّ: ' اللي يرجى خير م اللي ايتمنى' وطلبوا إلى نظيره، في طابورهم، أنْ يردّد هذا المثل الشعبي، أفضل له ولهم، وأنْ يعتبروا مما جرى للأولين، وعندما جاء أول واحد فيهم، ليترك مكانه للثاني، ويغادر الدّيار، نصحه الأخير: 'خليك برضك.. واللهي ما هو صاير منك برّه.. راهو أنت لا عندك لغة ولا راسمال' واتـّبعها بـ : 'اللي يرجى خير م اللي ايتمنى'.
جاء (اعويلة) الثمانينيات، وفي ركبهم مواليد التسعينيات، وشكـّـلوا الطابورين الثالث والرابع في سنة 2010 ميلادياً، عند ذلك، انسحب أغلب مواليد الستينيات، فقد أصابهم الملل والكلل، وشعروا بأنهم قد تكهلوا عُمرياً، وانتابهم يأسٌ شديدٌ، من هذا الوقوف، الذي طال، وألحق بهم العار،  والأجيال، وأوصوا شباب الطابور الثاني:'ما تخلوهش وصيّة.. انكان فتحو الباب كلمونا.. تلقونا هنكاهي'- يقصد في الشوكات- وصار أخر واحد منهم، في الطابور، هو الأول، وما يزال على عادته، ويردّد تلك العبارة: 'اللي يرجى خير م اللي ايتمنى'.
أحد مواليد الطابور الرابع، حاور أول مُصطفٍّ في الطابور الأول:
 90 م : من امتى وأنت امصبي هنا.. يا خويا؟.
60 م : خوك صحيح!.. امصبي هنا.. من قبل ما اتجيبك أمك.
90 م : بلااااااااااااا.. وااااااااااااااااو.. لنقنك بغبارك.. ونا انقول كنه ملفك متنحف؟.. صار هكي!.. مبّرد وجهك وخلاص.
60 م : احترم نفسك.. راهو انكفـّخك.. راني مش من جيلك.. وانكني متزوج.. راهو عندي عيل من طورك.. خزي ع الطوابير اللي خلّن (....) زيك يحكي معايا.. اللي يرجى خير م اللي ايتمنى.. الحمد لله أنا الأول.. وشاد مطراحي من ثلاثين سنة.. مش زي اللي كانو معايا وحلّو.
 فجأة، حدثت انفراجة عشوائية، مرتبطة بالنظام العالمي الجديد، وبعض المتغيرات الدولية، التي تلت انهيار الشيوعية المتعفنة، فعُرج باب الوزير قليلاً، وخرجت منه يدّ الحاجب، تقبض الهواء وتفتح، في إشارة منه، لبداية استلام الملفات، مما تسبّبت في تراكم الأجيال عند الباب وازدحامهم، ومع أنّ مواليد الطابور الأول والثاني، كان لهم باعٌ طويل وعريق، وصولات وجولات في أنظمة الطوابير في بداية الثمانينيات، وقتما كانوا يصطفون على الملابس والخبز والدخان واللحوم، إلا أنّ أعمارهم، لم تسمح لهم بالقفز والجلوس على أكتاف بعضهم البعض، وكان الحظ حليفاً أطلسياً، لأصحاب الطابورين الأخيرين، وحليفاً وارسوياً نسبة إلى حلف وارسو، الذي كان لا يُعتمد عليه في ساعات الحسم (الزر) كما أثبتت التجارب- فاخترق التسعيني، الذي استهزأ بالستيني، ومن معه من فتية، ودخلوا بملفاتهم، ثم الأكثر نشاطاً ولياقة والأصغر سناً، وأُقفـِـل الباب من جديد، وظلّ صاحب العبارة ينتظرُ، وعندما خرج أولئك الفتية بشهادات التعيين، احتجّ على حاجب الوزير:  
-  كنكم معانا.. راني شاد الطابور أول واحد؟.
-  أنت قليل صرفة.. وما تعرفش تصّرّف.. فاتوك حتى لعويلة الصغار يا درويش.. يا مضحكة الأجيال.
-  منكم أنتم اللي بردتولنا وجوهنا.. وخليتو الـ .... ايطقو فينا وايفوتونا.
-  عدّي قمعز مع جماعتك الفاشلين اللي قاعدين في الشوكات.. وسيّبو الطابور بدري خيرلك.. وتصبايتكم هنا تو تقعد ذكريات.
    مزّق ملفه البائد ( المتنحف) إلى قطع صغيرة، ونفخها في الهواء، معلناً عن ألامه وضياع        أحلامه.. وقلب عبارته إلى: 'اللي يتمنى خير م اللي يرجى'.

***
هذا ما حدث عند باب وزير العمل، وهو نفسه ما حدث عند وزيري الأسكان والاقتصاد، وهذا مآل لأشياء كثيرة تبعتها، فمن تحصّل على العمل من الطابورين الأخيرين، هو من كوّن نفسه وتحصّل على مسكن وتزوّج قبل الأولين، ولأنّ من العادة، أنْ تتناسب أعمار الزوجات مع أعمار الأزواج، فإنّ البنات الصُّغريات، هن من تزوّجن قبل الكـُبريات، حتى داخل البيت الواحد، ليس هذا فحسب، بل جعل الصغار يتصادقون مع الكبار، ويتخذونهم خلاناً لهم، كل ذلك نتيجة لتراكم الأجيال، فطالما أنّ مواليد الستينيات أو السبعينيات مثلاً، لم يتحصلوا على أعمال ولا مساكن، مثلما مواليد الثمانينيات، فهم- والحال كذلك- يشتركون في مأساة واحدة، لا تجعل للكبير ميزة على الصغير، كي يرفض رفقته، ومشاركته ومُجالسته.. لذلك صار الستيني المولد، الذي فاته مكـّـوك العُمر، يجلس مع التسعينيي المولد، الذين ما يزال المستقبل مفروشاً أمامهم، ويستظرف معه، بطرفة الطوابير، كما تنبأ له حاجب عين الوزير.
وحتى إنْ صدقت خرافة الإصلاح، فإنّ العبء بات ضخماً، لتراكم الأجيال، والديون والحقوق والمشكلات، فحتى أهل البادية يقولون: 'البقر راس ابراس' أي معالجة الأشياء، أولاً بأول، وقبل تراكمها، فالدولة إزاء ما تراكم عليها من أعباء مٌثقـَـلة، صارت مثل الإنسان المُستدين- مع فساد القياس- المُريد التخلص من هذه الديون، حينما تطالبه أكثر من جهة بالسداد الفوري، فيقف عاجزاً عن دفع درهماً واحداً، فعلى الدولة بالإسراع، بسداد ما عليها من تراكمات.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية