السبت، 9 أكتوبر 2010

الليبيون براء من ذلك

حمداً لله دائماً وأبداً، لكوني لا أمتلك سيّارة، والحمد لله، لأنني لا أجيد القيادة، فلا أقودُ ولا أنقادُ، ولا أنصاعُ لقاء سيّارة، فماذا لو كانت لديّ سيّارة، ودهست دونما عمدٍ – لا حتـّم الله – أحد المارة، ففارق الحياة، الاحتمالُ واردٌ، والنتيجة مُدرَكة مُقدَّماً، حيث إنني – إنْ حدث ذلك – سأذهب إلى أمين صندوق العائلة، كما هو العُرف، وأعود من عنده، خالي الوفاض، في أحسن الأحوال، وفي أصعبها، سيزجرني: ألم يكفِك ما أسديناه لك من أموال في الحادثة السابقة؟ اذهب وجـِد لذاتك حلاً.. راك حشمت بينا.حال ذلك، سأضطر إلى بيع بيت أهلي ونصري، والحلال و الحُلي، لأقدّم أثمانها كديّة لورثة المرحوم، وإلا فسوف أمضي وأقضي بقية سني عمري خلف القضبان، لأني لو جربت وجئت إلى خزينة الدولة، لتفكّ عني هذه الكربة، لردتني مكسور الخاطر، وطردني أمينها: ' دوّر جماعتك .. هذين افلوس الشعب مش لعب .. حل يا شاب ودير لروحك حل'.
انبرى قسم من مثقفينا - جزاهم الله عنا خيراً متواصلاً – طيلة الفترة الماضية، إلى تناول قضية 'بومريض' - هكذا أسميها، ولا أذكرها بمسماها الأصلي (بوسليم) لأنه لم يسلم منها أحدٌ - هذه القضية المأساوية بشكل مُنفلِت (بمعناه الإيجابي) ومُلفِت للحواس الخمس، لا النظر وكفى، حتى صارت لكأنها القضية الأم لليبيين جميعاً، والحقيقة تقال، إنها مأساة (ما قبلها مأساة *) وليس من سوي، إلا وزلزلته، وما من عاقل إلا وضعضعته، وجعلته يتعاطف ويتلاطف مع الضحايا وأهاليهم، ويعمل بكل ما أوتي من قوةٍ ومقدرةٍ، على مواساتهم وتقديم العون والحلول العادلة لهم، ولقد تأخرت طويلاً في تناول أبعاد هذه الفاجعة، لأنني رأيت أنّ من سبقوني بالكتابة بخصوصها، قد أجملوا كل قول، ولم يبقوا ليّ حيزاً لحرف واحد، قد أضيفه بشأنها، حتى أنني صرت في الأونة الخيرة، لا أجد جديداً من الأفكار المطروحة في هذا الخِضم، فقد أصبح كلُّ ما يُقرأ مؤخراً، هو ترديد لما قيل قبلاً، لذا أحبّبت في مقالتي هذه، أنْ أنظرَ إلى القضية من ركن آخر، فانصح بانتفاء الخوض في هذا الأمر أكثر مما ينبغي، حتى لا يلهينا ويصرفنا عن قضايا الأحياء من الشعب الليبي، والعمل على المطالبة بإصلاح أحوالهم المعيشية، عملاً بالقول: 'الحي أبدى من الميت' وهذا لا يعني ولا يقصد بحالٍ من الأحوال، تناسي ضحايا هذه المذبحة الشنيعة، من الأموات والأحياء من ذويهم، الذين باتوا كما اللأجئين وهم يجوبون أزقة وشوارع المدن، حتى باتوا ضحايا أحياء، و حتى لا يمسي حلّ هذه القضية أكبر إنجازاً يقدَّم لليبيين، إنْ وجـِد لها حلاً، ترتضيه الأطراف كلها.
حجم المأساة
لا مراء أبداً، في أنّ حجم هذه المأساة بأضلاعه الفراغية كبير جداً، وغير فارغ من المصيبة، وللذي لا يتصوره، ما عليه إلا أنْ يقرأ هذه المقارنة:
في عام 2008 ميلادياً، قصفت إسرائيل طيلة أربعة وعشرين يوماً، قطاع غزة بالقنابل العنقودية والفوسفورية بالبوارج والمدافع و المُقنبـِلات الأمريكية المتطورة، على مبصر ومسمع وملمس من العالم قاطبة، ما أسفر عن سقوط ، بل علو (1200) شهيد إلى بارئهم، وهو رقم مساوٍ لضحايا (بومريض) بالرصاص الحي، الذي لم يُبقِ على حي، في زمن قياسي لم يتعدَ بضع يوم، فيا للهول!.
مصار ما صار
عنوان هذه الفقرة، يحتمل معنيين، فهو (مصار ما صار منه) بقصد، أنه لم يتمّ بعد، فهنالك من أسر الضحايا، من ارتضت بقبول بمبلغ مئتي ألف دينار فقط، كديّة، بحسب وسبب ظروفها الاحتياجية، وثمة من الأسر، من لم تقبل بهذه القيمة، ولها مطالب أخرى، تتمثّل في معرفة الجناة والقصاص منهم، وهما مطلبان عادلان وعاديان.
أما المعنى الثاني، فهو (مصار ما صار بكل) بمعنى فرادته، حيث إنّ المبلغ المدفوع، الذي استلمه بعض الأسر، هو مدفوع من الخزينة العامة، أي من أموال الشعب الليبي، وكان من المُفترض به، أنْ يصرف على مشروعات التنمية، وتحسين أحوال هذا الشعب من الأحياء، والأجيال التي لم تأتِ بعد، لا أنْ يصرف من غير وجه حقٍّ على ذلك، فالذين قاموا بهذه الجريمة عليهم أنْ يخلصوا أنفسهم من هذا المأزق، الذي وضعوا ذواتهم فيه وعن عمدٍ، من حُر أموالهم، كما يفعل المواطن العادي، حينما يبتلي بمثل هذه المصيبة، ولو عن غير قصد، لكنْ لا بأس في ذلك، إذا كانت هذه هي المرة الأخيرة، التي نقبل فيها بهذا التجاوز في المال العام.
الرأي و العمل
في أحسن الأحوال، ستتم مقاضاة الجناة الضالعين في هذا الاقتراف المُقرف، وتعويض ذوي الضحايا بأموال الشعب، التي سُخـِرت بسخاء في أكثر من قضية خارجية على الأجانب، وطالما أنّ التعويض، سيدفع من مال الشعب، ولأنني مواطن من ضمن هذا الشعب البريء من هذه الفعلة، فأني لا أمانع البتّة، بأيِّ مبلغ سيدفع لمن لم تتمّ التسوية معهم بعد، من أهالي الضحايا، فسعرهم بسعر الأجانب، بل وأكثر من ذلك، مع أنّ ذلك سيوحي بأنّ الشعب الليبي هو المسؤول عن هذه الجريمة، لكن ما علينا، لأجل المصلحة العامة.
لكنْ الأهم، هو أننا لا نغفل عن الأحياء من الشعب الليبي، ونطالب بتزامن مع مطالبنا لأهالي ضحايا (بومريض) بتحسين أحوالهم المعيشية المتردية، التعليمية والبنياوية و الصحية، فقد بتنا يومياً نفقد شهيداً نتيجة المرض والسقم في (بوسقيم).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): وجدت التعبير هذا، أبلغ من التعبير: (ما بعدها مأساة) فقد جرت العادة، حينما نريد أنْ نعبّر لغوياً عن شيء ما، أن نقول ذلك، لنعبّر به عن صدارته، في حين، أن الذي ليس بعده شيء، هو كل شيءٍ، يقع في المصاف الأخير، لكن التعبير الذي وضعته في هذه المقالة، هو الأبلغ والمؤدي للمعنى المُبتغى، فالذي ليس قبله شيء هو من يأتي في المرتبة الأولى، وهناك تعبير أخر هو(ليس قبله وبعده شيء) أراه يعني التميّز والفرادة.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية