السبت، 9 أكتوبر 2010

متفرقات ومفترقات ليبية


 
1- الباحث عن الراحة في ليبيا
أُصيب بفشل مُبكـِّر، فقد ملّ الدراسة، وهو ما يزال في الصف الرابع الابتدائي، وجدوه (امعكس) تحت أحد ممرات الجسور في المدينة الرياضية، فوبخوه وأخبروه: لما تنال الشهادة الإعدادية (سترتاح) يا بابا.. نالها بعد تسعة أعوام من الدراسة، فما وفّرت له عملاً ولا قيمة، ولم (يرتاح).. فشحنوه أملاً: لما تأخذ الشهادة الثانوية (سترتاح).. أخذها عن جدارة، وكان بين الناجحين في الصدارة، ولم (يرتاح).. أقبلوه على الحياة: أنت الآن في مفترق طريق المستقبل، فما عليك إلا مواصلة تعليمك الجامعي، ولما تتخرّج في إحدى الكليات (سترتاح).. تخرّج في الجامعة، وكاد أن يتخرّج من عقله، في أحد معسكرات التدريب العام، ولم (يرتاح).. زينوا له حياة الدنيا بمصابيح في عينيه: اختـَر لنفسك فتاة جميلة وتزوّج بها، وستستقر حياتك و(ترتاح).. تزوّج بفتاة نغصت عليه معيشته.. وطاح وين استراح.. ولم (يرتاح).. أوصلوا موجب وسالب مولد الصبر في قلبه: اصبر عليها، ريثما وحتى تنجب لك أطفالاً، فوقتذاك، سيثقل حِملها وتتهذّب من حِدّتها، وتتعقل هي و(ترتاح) أنت.. أنجبت له أربعة ذكور وأربع إناث، ولما كبر الأولاد، أحدهم فشل في دراسته، والثاني، أودِع السجن لتهمة سياسية، هو بريءٌ منها، والثالث حمل عوده على كتفه، وهاجر البلاد، ولم يره من يومها، أما الإناث، فقد تعنّسن لأسباب اقتصادية واجتماعية.. ولم (يرتاح)..  زهّدوه في حياة الدنيا: الدنيا دار شقاء، ولن تنال الراحة الأبدية إلا في القبر.

 في صباح أخر يوم من عمره، طرق باب داره، أحد وجوه الهم والنكد (شرطي) بطرقات عنيفة، كادت أنْ تقتلع الباب من منبته، ليخبره بأنّ ابنه الرابع، قد اعتدى على شرف بنت الجيران، فأصيب من فوره بجلطة دماغية، جمّدت الدم في أطرافه، وصار طريح الفراش، ولكأنّ من كانوا ينصحونه، قد استبطؤوا وفاته، ويريدون له الحياة الأبدية، فوشوش أحدهم في أذنه: 'راهو ولدك المحبوس.. في بوسليم جتنا ورقته اليوم' فتزلزل كيانه، حتى شـُلّ لسانه، فمات وفي نفسه شيءٌ من كلمة: ' تعبنا في هالبلاد'.. مات ليجد في حياة البرزخ، عذاب القبر ينتظره، مات وكل شيء راح، ولم(يرتاح).  
*********
2 - بنغازي الخضراء بعد منتصف الليل
أحد عناصر الحرس البلدي، بينما هو ساهرٌ في مقره، استمع في قناة 'وطني الكبير' مساءً، إلى 'احميدة حسن' وهو يغني صُحبة الأطفال، رائعة الشهيد 'ناجي العلي':

ارسم شجرة ... ارسم عشرة ارسم بستاناً .. لون ثمرة ارسم خوخاً .. ارسم عنباً ارسم نخلاً يحمل تمراً
ارسم أزهاراً وسنابل ..  ارسم أغصاناً وبلابل
خفف من جوعك وتسلّى .. لوّن بستاناً يتجلى لاتتخلى .. بالصبر تحلى بالعزم تشكل وتوكل .. بالدمع لا تتوسل لاتتشاءم  .. لوّن وتفاءل لوّن بستانك بالأخضر  .. لون رمانه بالأحمر
لون بالأصفر ليمون  .. لون بالزعتر زيتوناً لوّن بالعنبر والحنة .. لوّنه بألوان الجنة لاتساوم .. ارسم وقاوم فإنْ منعوا عنك الغذاء ارسم بستاناً وإنْ منعوا عنك الدواء ارسم وطناً
وإن منعوا عنك الهواء ارسم فلسطين..
الصورة للفنان مجيد الصيد 
تنهد ' الله الله .. الأغنية هذي.. خطرت عليا أيام عزنا في الثمانينيات.. أيام سيارات لانصر صندوق'.. أعجبته الأغنية، حتى صار يدندنها إلى أنْ نام جالساً، ورجلاه على المكتب وبجانبه كوب شاي مطفأ فيه بعض أعقاب الدخان.. وفي الصباح، اقترح على رئيسه، أنْ تعود الحاجة حليمة إلى عادتها القديمة- فالموروث القديم، بات يفرض نفسه على الأصعدة كلها .. وما جت إلا ع الحرس بس- وذلك بدهن المحال التجارية باللون الأخضر.. قاد السياّرة وإلى جانبه مديره، وعند الفندق البلدي، وقف قبالة أحد محال بيع الأشرطة، طالباً شريط هذه الأغنية من صاحب المحل، فأهداه أياها، رمى الشريط إلى المدير من نافذة السيارة، فقام بتشغيل الأغنية- وهو (يتمنقه) بسبسي رياضي- لتزيدهما همة على همة في أداء العمل، وعاد إلى صاحب المحل، ليأمره، هو وأصحاب المحال الأخرى:
ادهن بالأخضر بابك.. وإلا كرشمنالك دكانك.
بينما 'احميدة حسن' يغني:
لوّن بستانك بالأخضر ..لون رمانه بالأحمر.
وأصحاب المحلات يردّون ككورال وراءه:
 -    الزوق منكم واللا منا.. يا افندينا؟
-         لا منكم أنتم.
-         ينفع بازيلي يا أفندينا؟.
-         كلمة وحدة عاد .. قلنا أخضر داكن.. وإلا انكرشمولكم الدكاكين.
وبينما 'أحميدة حسن' يغني:
لا تساوم .. ارسم وقاوم.
كان الجندي يغني:
لا تتردّد .. زوّق وتبغدّد.
بدأت حملة التخضير الصناعي، بالدهان لتزيين المدينة، المتوقف على لون (الصرانتيات) الأخضر، كما يرى الحرس البلدي، بدلاً من التخضير الطبيعي بالتشجير.. حتى اشترك كل صاحبي محلين في علبة دهان واحدة، بعد أنْ أمهلوهم مدة ساعتين فقط،لإتمام المهمة.
المُضحِك في هذا الأمر، أنْ لون أبواب المحلات الأخضر، لا يظهر إلا في حالة واحدة، وهي عند إقفال المحلات، غير أنّ هذه المحلات لا تقفل أبوابها، إلا بعد منتصف الليل، بل في الساعات الأولى من الصباح، فحتى في القيلولة و يوم الجمعة، غدت لا تقفل، خصوصاً محال بيع المواد الغذائية، التي لا تقفل أبداً إلا بعد منتصف الليل، فهذا الإخضرار الصناعي، لا يبين إلا بعد أنْ تنام الحياة في مدينة بنغازي.. ولله العجب، في شأن هذا التخضير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كنت سأكتفي بكتابة (الباحث عن الراحة في ليبيا) لكني بينما كنت كذلك، جاء الحرس البلدي إلى مقهى الإنترنت، الذي أنا محبوس بداخله الآن، لأنّ عناصر الحرس البلدي، أعطوا صاحبه مدة نصف ساعة فقط، ليدهن بابه بالأخضر، وإلا فأنهم سيقومون بتشميعه بالشمع الأخضر، إذا وجدوه على حاله، ما اضطر صاحب المحل، إلى أنْ يغلق أبوابه الأربعة علينا، حتى يتفرغ من مهمة التخضير، التي استغرقت ثلاثة ساعات.. فكتبت الفقرة الثانية ارتجالياً لكم.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية