السبت، 9 أكتوبر 2010

من بنغازي إلى طرابلس ( 2 / 4)


نظراً لطول الرحلة ، سأمدّد هذه القصة إلى حلقة ثالثة ، مع اعتذاري لسكان المدن و الأرياف الطاهرة الأخرى ، التي تجاوزتها في رحلتي هذه ، لأصل بكم إلى طرابلس فوراً ، دائساً على بنزين السائق إلى أقصى سرعة ممكنة ( 160 كم / ساعة ) و قد وصلناها في هذه الحلقة سالمين ، كما وعدتكم في الحلقة الأولى ، و سأفرد الحلقة الثالثة لطرابلس لكي أفيها حقـَّها .
للتذكير فقط ، هذا المشهد النهائي للحلقة الأولى :
ما لهذه المدينة – اطرابلس – كلما اقتربنا منها ، انزاحت و ابتعدت عنا ؟ لكأننا في رحلتنا إليها ، نـُلاحق أسراب السراب ، فغنيت : ( مشينا مشينا مشينا و الطريق اطوالت / لناصر المزداوي ) .. ها هي طلوع النخيل تستقبلنا بها مدينة ' تاورغاء ' ها قد بدأت تبتسم لنا الطريق ، ها قد رأينا الإخضرار بعد جدب طويل – من إجدابيا إلى الهيشة - انفرجت سرائرنا ، نزلنا هناك ، و صلينا الظهر و العصر جمع تأخير .. و بعد ذلك واصلنا رحلتنا ، و قد عدّلت من اتجاه نظري ، و صرت أرمي به بعيداً إلى الأمام ، فما عاد يهمني البحر.
أصابني شيءٌ من السِّنة ، فلم انتبه إلا إلى الحاجة ' فاطمة ' و هي تزغرد و تدربك على ( حكية نيدو ) - استجلبتها معها لتحفظ فيها بعض أشيائها - منشدة بصوت مبحوح : ( امشينا و جينا سالمين بريكة رب العالمين ) .. ( هيا يا باتي انزل .. طيب فينا وصلنا سالمين ) .
***
فسخرت منها السيدة ' رجعة ' : ( وصلنا في عينك .. بطلي و انتي اتكبري في لشورخ .. و خللي العيل راقد يا بتي .. طيّح نخرتك .. يكللا وصلنا طرابلس ! .. ما زال ياما دونها .. هذي مصراتة يا ممدودة الوجه ) .. فضحك الرُّكابً ، أما السائق الشاب ، فصار يضرب بكلتا يديه ، و هو يقهقه : ( هههههههههههه .. وااااااااااااااو .. قوية منك يا عمتي رجعة ) مُتشمِتاً في الحاجة ' فاطمة ' التي يبدو أنّ السائق الأول ، قد حذره منها ، و أخبره بأنها عجوز مقاومة و عنيدة - لا أدري ، لماذا عجائزنا ، أشّجع و أجّسر و أكثر إباءً من شيوخنا ( عمراً ) الذين باتوا يلتزمون الصمت ، حتى إذا رأوا مشاجرة بين أطفال ، لا يتدخلون حتى بالكلمة الطيبة - لم تحتمل المسكينة هذه الممازحة الموجـِعة ، فارتفع عندها ضغط الدم ، و صار حفيدها يسألها : ( امتى نوصلو يا اجديدة ؟ ) فصفعته على خدِّه ، بكفها المُخضَّب بالحناء ، مُترجـِمة بذلك غضبها من استهزاء الجميع بها ( فشّة خلق يعني ) و مُخيفة ًأياهم ، بأنهم سيلاقون الصفعة نفسها ، إذا استمروا في استهزائهم بها ، و صارت بعد ذلك تتأوه ، من شدة الصداع ، الذي في رأسها ، فطلبتُ إلى السائق ، أنْ يُعرّج بنا على مدينة ' مصراتة ' لمعالجتها ، فاحتجّ : ( اتفقت مع السائق الأول ، أنْ أضعكم مباشرة في طرابلس ) هنا توسلت إليه : ( يا راجل امغير خش بينا على أول عيادة .. و تو نعطوك حق خشتك ) فلم يمانع تحت إغراء المال ، نزلت الحاجة ' فاطمة ' و كنت بصُحبتها ، و جئت لأحجز لها عند الدكتور المناوب ، فنادتني : ( تعال يا ازويدة .. راهو ما فيا شي .. امغير انتبودع اشوية بس .. و راني ما نبي إلا دورة المياة .. راهو عمتك فاطمة فيها السكر و ما تقدرش تصبر بلا حمام .. و تحشمت قدام الرجاجيل .. و قدام المصري و الأفريقي .. عنيّة قنيّة .. اللي اصناناتهم قلبلي راسي .. كسبس يا حنة ما يدهنوش روحهم حتى بتشيشة مسك .. الا انتم راكم كيف اعويلتي .. و مش دايرة غيبة معاكم ) .. ( لنقنك ملعب يا حويجة - يانا عليا منك و خلاص .. خاطري في ابنية تقعد أمها زيك .. لن يهمني اسمها و لا شكلها .. و مع ذلك ، فهي أكيد جميلة مثل أمها .. التي لم يفلح الزمن بإخفاء و لو آثار حُسنها .. اهي الأم اللي ايتنسل منها يا بلاش - نحسابك زعلتي و رقا عليك الضغط ) .. ( لا و حياتك ما زعلت .. اجعني ابنيتك - قاطعتها في سرّي : لا .. اجعن ابنيتك ليا - ما ريت امفيت اعظيماتهم ع الكسكسو .. خليها بينا سلم اوليدي .. و راك اتقولها لما نطلعو ) .. و منحتني قطعتي عبمبر كرشوى ، مع قرصة خدّ و ( ترجيبة : نجك ليا ) .. عدنا و امتطينا سرجينا في مركبتنا من جديد ، و الحاجة ' فاطمة ' تنظر إلى المباني في شارع ' السويحلي ' و تقول : ( عمار عمار يا بلادنا ) فعلقت عليها : ( ما قعدتي يا حاجة ' فاطمة ' إلا ' فاطمة أحمد ' الله يرحمها ) المسكينة لم تكن تعلم برحيلها ، فلم تتمالك نفسها ، و بكت من ( الجواجي .. لين طاح سعدها ) هنا احتجّ السائق عليّ : ( يا راجل اسكت .. ما لقيت ما اتدير تو اينوض عليها الضغط .. و تمرضلنا أخرى و نقعدو انعانو فيها ) .. هنا التفتت إليّ و غمزتني بعينها ( راك تحكيلهم عاد .. و ناولتني قطعة عبمبر أخرى محشوّة بجوز الهند من علبة النيدو ) ثم صارت تعدّد أغاني الراحلة ( الله ايسامحك - توبة - فرحانة - عز الرفاقة ) و ركزت على أغنية ( يا عز الرفاقة ) ذاكرة : ( كان صاحب بيتي ايغنيلي فيها الله يرحمه .. عليك غناوة تمسح الكبد .. مش كيف اغنا اعيال و بنات هالوقت .. اللي ايتكرسو و يتخنسو في لخيّم .. الله ايزعم اكبودهم ) هنا صاح الراكب المصري لأول مرة : ( الله .. دي أغنية حلوة أووووي .. لما بسمعها با عيّط .. عشان المادام في دمنهور وحشتني ) .. فالتفتّت نحوه ، بعد أنْ تلثمت بجردها ، مظهره عيناً واحدة : ( باهي اللي سمعنا صوتك يا ودّي .. و انتم ما شاطرين امفيت في لغني و الشطيح ) .. لاحظت أنّ لسان الحاجة ' فاطمة ' انقلب إلى لهجة الجِّهة الغربية ، فسألتها : ( عجباتك مصراتة يا حاجة ؟ ) .. ( و خيرها ما تعجبني ؟! .. راهي وطن جدي .. و من ازمان ما شبحتها .. أخر مرة جيتها .. كانت في جية ولد عمي ' الزّروق ' من الحج .. جيت انباركلها و انحمدله ع السلامة .. أني و أوخيتي سالمة الله يرحمها .. و بعد لغدي .. سألته : زعمك شنو صار في الوطي = الوطا امتاع مصنع الحديد و الصلب .. ما نعرفش خير دعوته .. ركباته مصيبة و فنص فيا زين ' الزّروق ' .. لين اعويناته ازرقن من راسه .. و بعدها طلع و لما روح في الليل .. كلم ولده .. اللي ماد فصخته زي هالسوّاق - الرُّكـّاب : هههههههه قوية يا حاجة فاطمة - و قاله غدوه باش ترفع عماتك للمطار .. بعد لغدي و اللا حتى في لضحي .. راني حجزتلهم في الطيارة .. و منها يا ودي ما عادش شبحتها ) .. المصري : ( الله .. ده ابن عمك مفتري و غتت غتاتة ) .. ( اوسكوت = اسكت .. يا منجوه ايش مالك و مالنا ؟ .. مرة أخرى تطري ولد عمي ابسو .. نهارك أحرف ) .. ( حازر يا حاقة .. مليش دعوة بيكم .. توبة بعد المراااادي ) .. أمست الطريق تسير في اتجاه واحد ، و راحت تتسع أمامنا ، ما زاد في شهية السائق بالإسراع ، فصارت الحافلة كما ألعاب مدينة الملاهي تماماً ، تتقلب ، تطير ، تموج ، تنكمش ، تتمدد ، و ركابها يصرخون ، كما الأطفال لأمهاتهم و آبائهم ، في ألعاب الملاهي : ( سوق بشوية يا خويا .. رانا مش مستعجلين ) و المصري يغني له : ( سوق على مهلك سوق .. بكره الدنيا اتروق / لشادية ) فلم نستمتع برؤية ما تلا مدينة ' مصراتة ' من مدن و قـُرى ، فقد شاهدناها خطفاً ، لأنّ السائق كما احتجّ ، يريد أنْ يعوّض زمن دخولنا إلى ' مصراتة ' - فهو ملتزمٌ بسداد أقساط القرض - بسبب الحيلة العبمبرية للحاجة ' فاطمة ' و بُعيد سويعتين أو أدّنى من ذلك ، دخلنا إلى مدينة ' طرابلس ' فارتخت سرائرنا قبل أعصابنا ، لنستبين أمامنا عدة أبراج قصيرة : ( مجمع ذات العماد - برج : 1 / 9 - فندق كرونتيا ) .. فأخذت الحاجة ' فاطمة ' علبتها ، و بدأت تقرع عليها بفرح ، و هي ترمي بكلامها نحو الحاجة ' رجعة ' : ( قوليلي ما وصلنش عاد ؟ ) ثم أنشدت أهزوجتها المؤجلة ' مشينا وجينا سالمين .. بريكة ربي العالمين ) .. فردّت عليها الحاجة ' رجعة ' الماكرة : ( خللي الدربيك لهله .. و هاتي اهني الحوكة = الحكية .. احني = نحنا اللي مشينا و جينا سالمين .. إلا أنتي و العيل اللي لاصق فيك من جيتنا - و تمديله في العبمبر .. اشبح شني فيه بينكم ؟! - و مش امدورني بكل .. و إن شاء الله ما جا شوري .. اني ما انحبش الراجل اللي يقعد ايتلصق في العزايز .. مازالت قدامكم المرواحة ) هنا علّق المصري : ( الله دنتي مُزهلة يا حاقة رقعة بشكل؟! ) .. و أخيراً قالت الحاجة ' فاطمة ' ما تمنيته منها في ردّها على إهانة الأخيرة ليّ : ( و اللهي هالوليد .. ما اخسارة فيه عبمبر و لا احويجة .. امغير انروحو لوطنا .. تو انزوزه بنتي سليمة ) .. المصري : ( ابسط يا عم .. دنت حزك من السما ) فابتسم الرُّكّاب جميعاً ، حتى الأمانات الموجودة على رفّ السيارة ( الطّبلون ) حينما حركتها الرياح ، ما عدا السائق ، الذي كان ينظر إليها و فيها - تاركاً المقوّد - ليؤديها إلى أصحابه ، بمقابل مالي ، يساوي نصف ثمن الراكب البشري ، و هي : مستندات رسمية : شهادات نجاح ، شهادات سقوط ، شهادات ميلاد ، شهادات وفاة ، شهادات فصل ، شهادات زور ، قرارات طعن ، قرارات لعن ، شجرات عائلية ، بطاقات دعوة ، بطاقات دعا شر ، شهادات عقار ، طابوات طوبوية ، رسائل بلا طوابع بريدية ، رسائل غرام توزن بالغرام ، رسائل لفت انتباه ، ملفات باحثين عن عمل ، ملفات فاقدي الأمل ، طلبات لجوء اقتصادي ، طلبات لجوء اجتماعي ، طلبات لجوء ثقافي ، مناشدات حقوقية ، مناشدات طبية ، مناشدات أدبية ، مناشدات رياضية ، استشارات فنية ، استشارات هندسية ، استشارات زراعية ، استشارات صناعية ، استشارات قضائية ، استشارات بلا إشارات ، برقيات إعجاب ، برقيات استغراب ، برقيات عتاب ، برقيات أحباب ، برقيات اخياب ، برقيات مبايعة ، برقيات ممايعة ، برقيات فارغة ، برقيات مليئة بالنقاق ، عقود زواج ، عقود ثلاثية الطلاق ، عقود اشتراك ، عقود افتراق ، صور عشاق ، تقهر المسافات و الاشتياق ، صور عقارات للبيع ، صورة جديدة ، صورة منسية ، صور مفقودة ، صرخات مسموعة ، صرخات مكبوتة ، صرخات موجوعة ، إيصالات استلام ، إيصالات استسلام ، كلها بلا أختام ، رسائل حرفية ، رسائل شفهية ، رسائل مطويّة ، مبالغ مالية ، مبالغ مُبالًغ ٌ فيها ، مبالغ لن تدرك وجهتها ، صكوك ملغية ، صكوك من غير أرصدة ؛ و أمانات أخرى موجودة في ذيل السيارة : فازوات عسل ، عليها عناوين أصحابها لتصلهم جلونات زيت زيتون بدلاً منها ، حافظات مقروض و معمول ، شكاير قعمول ، علب سمن وطني و زبدة وطنية ، ألبان و مشتقاتها ، قطع غيار سيارات .. اللعنة على المركزية .
***
نحن الآن نمرُّ على طريق الشط ، حيث يوجد ( البط و الإوز ) ليلاً ، هناك كانت السيارات متوقفة على نحو كثيف ، و رأينا شيوخاً ( عمرياً ) يلعبون لعبة الورق جماعات جماعات ، و شباباً يمارسون كرة القدم الرملية ، فسألتْ الحاجة ' فاطمة ' : ( ايش دوة هالسيارات يا سوّاق .. اهن ثلاث سيارات .. زي سيارتك .. بالكي تعرف اصاحبهن ؟ ) .. ( يا حاجة ترا فكينا من هالاسئلة ) .. ( امالا تعرفهم يا غضيب ؟ .. راهو إلا حتى انت .. اتجي في الليل هنا ) .. ( يا حاجة ريحينا .. راك فضحتي بينا ) .. التفتت إليّ : ( كنه زعل ؟ و أيش دوة هالسيارات يا ازويدة ؟ ) .. فانخفضت و اقتربت من أذنها موشوشاً ، هذوما يا حاجة :
(................................................................................. )
- الحاجة فاطمة : كيّة كيّة .. كيف احمار النوّقيّة
- أنا : توا ايش جاب الكيّة لحمار النواقية ؟ .. هذين مش غير كيّة و بس يا اخويلة .. هذين كيّة و نوبيرا و سوناتا و كمري و فيتو و لانسر و ميتشي و هوندايا و فيّة و جيلانت ووووووو .. كلهن سيارات اسماح. - الحاجة فاطمة : ما نحكيش ع السيارات .. انا قصدي كشفة كشفة .. عطهم كيّة .. و محماطة اتمحمطهم .. و مجماجة اتمجمجهم .. فضحوا بينا قدام ( ... ) و ( ... ) تقصد المصريين و الأفارقة .. و اللهي يا باتي عشنا رقادة الريح و ياما صار فينا و ما درنا هالدور = الدير .. ربي يستر على بناويتنا و اعويلتنا .- الرُّكاب جميعاً و السائق و لأول مرة ، يحدث إجماع بيننا طيلة الرحلة : آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين .
طلبت الحاجة ' فاطمة ' إلى السائق ، أنْ يرجع بنا إلى الوراء قليلاً ، و إلا فإنها سوف ترمي بنفسها من السيارة ، فتوسل إليّ أنْ أمنعها من ذلك : ( يا اخويلة ، المحطة ما زالت قدام و قريب نوصلوا خلاص ) .. فأصرت على طلبها إلحاحاً ، و أعادت تهدّيدها لنا جميعاً ، لو أنّ السائق لم يعد بنا ، و نزولاً عند عنادها ( ما غبّاكم عاد .. في اعناد العزايز ) رضخ السائق ، و دار بنا من عند الجسر المجاور لمدينة الملاهي ، و أدركنا بُغيتها ، و هناك بعد أنْ توقفت الحافلة ، فتحت الباب لتخرج ، و ارتفعت قليلاً فوق ربوة رملية ، لتوجّه نحو هذه السيارات و أصحابها ، صاروخ ( فم - وجه ) مُتعدِّد الرؤوس ، أكثر فاعلية من صواريخ ( شهاب ) الخمنيئية الفارسية : ( اتفووووووووووووووووووووه عليكم يا عساكر سوسة ) .. و تمتمت بصوت متهدج نتيجة ً لجفاف ريقها : ( ................... ) ثم عادت إلى قواعدها سالمة ، و قد أحسّت براحة ضمير ، فقد أفرغت كل حمولتها ، بعد مواجهتها لهذا المنكر الذي رأته ، بما تستطيع ، ثم بكت قليلاً ، و استشعرت بالحسّرة ، لأنها لم توجّه الصواريخ ذاتها ، للاعبي ( الكارطة ) و كرة القدم - لا أدري ، لماذا عجائزنا ، أشّجع و أجّسر و أكثر إباءً من شيوخنا ( عمراً ) الذين باتوا يلتزمون الصمت ، حتى إذا رأوا مشاجرة بين أطفال ، لا يتدخلون حتى بالكلمة الطيبة - فيتكلمون ، حينما يجب الصمت ( في المساجد ) و يصمتون ، حينما يتوجب الكلام ( خارج المساجد ) ؟ - فطمأنتها : ( أكيد قد أصابت وجوهم ، شظايا صورايخك يا حاجة ) .. ثم انخفضت عند أذنها : ( سمعتك يا حاجة .. ايش قلتي امبدري ) .. ففتحت ( حكية النيدو ) و لم تجد فيها أية قطعة عبمبر : ( يا وليدي راهو العبمبر كمل على شبابك .. و انا جايبته لـ ' اسلومة ' مش لحضرتك ) .. ثم نظرت إلى ' أسلومة ' الذي كان يرقد في حجرها بوداعة ، بعد أنْ بكى من صفعتها ، ثم غطّ في نوم عميق ، و قبّلته في خدِّه ، و هو نائم ، بحبِّ و حنان و اعتذار ، لتمسح بشفتيها ، آثار جريان الدموع على خدّيه .. ردّدتها إليها : ( سمعتك يا اخويلة .. ايش قلتي امبدري ) فرمت كما اللبؤة الشرسة ، بعلبة ( النيدو ) الفارغة في حجر الحاجة ' رجعة ' و قالت جهراً : ( تحسابني خايفة ؟ .. و اللا انحس في حد ؟ راني ما انخاف إلا م اللي خلقني .. ايوه لنقني قلتها ، و ما زلت انقولها و انقولها : ( .......................................................... )
لحظتئذٍ ، و على حين غرّة من الجميع ، كبح السائق الفرامل ، حتى انقلبت ( فرملته ) على رأسه ، و رنت النقود المعدنية في جيوبها ، و سقطت ( معرقته ) من النافذة هي و الأمانات - و المصري يولول : ( الله ! .. في أيه يا قماعة .. ما اتفهمونا ايه الحكاية ؟ ) - فنزل مُسرعاً من سيارته ، مثل الإعصار ، و طلب من الحاجة ' فاطمة ' أنْ تسدد له ثمن أجرة مشوار ' مصراتة ' و إلا فلتنزل من فورها ، فقد صار لا يستطيقها : ( يا حاجة صدق فيك السوّاق الأول .. شكلك تبي اتودرينا .. انزلي الله يستر بيتك .. اني مش ناقصك .. و مش ناقص مشاكلك ) .. نزلت الحاجة ' فاطمة ' و حفيدها ، و هبطتُ وراءهما من الحافلة ، و نفسها و نفسي و نفس ' اسلومة ' حافلة بغصّة من السائق الجبان التافه .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية