السبت، 9 أكتوبر 2010

من بنغازي إلى طرابلس ( 4 / 4)



زياد العيساوي
اندلقت إلى مبنى السراي الحمراء ، و كان موصد المصاريع ، و ذلك لا يهمني أصلاً في شيء ، سواء أكانت مفتوحة أو مغلقة ، لأنني لم و لن أدخل إلى متحفها يوماً ، لكونني لست مولعاً ، و لا أحفل بما رشّحته لنا مصفاة التاريخ - من أخبار وأسرار و تفاصيل و فكٍّ للشفرات ، من مثل حجر رشيد و ما اصطلح عليه من اللغة الهيروغلفية التي تشبه حركة نطقها في مسامعي العبرانية كثيراً - و تجاهلته من رواسب ثقيلة لتفاصيل أخريات ، و لست مستعداً أصلاً ، لأقتنع بآراء و اجتهادات لا ترتكز إلى أي مستند حقيقي ، فما هي برأيي إلا آراء ، لم تثبت صحتها حتى الحين ، حال أقرّرنا بها ، تجاوزاً ، بتجاوز التاريخ ، فتأريخ البشرية - من آدم إلى خاتم ، عليهما ، و على ما بينهما من رسل و أنبياء ، الصلاة و التسليم - الذي أعتمده و أعترف به ، هو ما جاء في كتاب الله ، و لست مجنوناً ، حتى أخذ من معين المؤرخين الأجانب المجانين ، و لا أقرُّ بها حتى من باب الرواية فقط ، و السبب أنني ، لا أضع ثقتي فيمن زوّروا الكتب السماوية ، و حرّفوا كلام الله ، فكل ما كان من التاريخ ، أعده مزيفاً و مُدلساً عليه ، و الحقيقي ، يبتدئ من بعثة الرسول محمد عليه أشرف صلاة ، و أزكى تسليم ، إلى نهاية الخليقة ، ثم أليست أغلب التحف التي بداخل هذه السراي ، هي لأقوام أخريات ، استوطنت بلادنا في حِقب تاريخية ، كما يُزعم ؟ إذاً هي لا تعنيني ، لأنها ليست من موروثي ، و لا تعبّر عن هويتي ، و إنْ رأيتموني بداخل هذا المتحف يوماً ، فتأكدوا بأنني ما دخلته إلا امتثالاً لقوله تعالى و تقدّس : ' قُل سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ' .. لكوني لا أشعر بالفـَخَار بالفخّار و أوانيه الرومانية .
***
راعني كثيراً ، امتدادُ و زحفُ المعمار الإيطالي على وسط المدينة ، بعكس بنغازي ، التي لم يزحف عليها هذا المعمار كثيراً مقارنة بطرابلس ، التي يبدو أنّ المستعمر الإيطالي ، نزل بثقله على هذه المدينة الأبيّة ، باعتبارها الحاضرة الليبية ، فيا له من مستعمر استيطاني ، غبي و مجنون ، لأنه صدّق كذبته ، و ظنّ بأنّ المقام سيطول به إلى الأبد في بلادنا ( مصح وجوه الفاشست و خلاص ) ها هو واحد منهم يقترب مني ، و يطلب إلىّ ، أنْ التقط له صورة مع بنت ترافقه ، يضع يده على كتفها ، فلم أمانع ، و كنت حينئذٍ ، أسير في بداية شارع ( عمر المختار ) بالقرب من زاوية و جامع ( سيدي بالقاسم ) فطلبت منه أنْ يجعلها في خلفيته ، و أنْ ينزل يده من على كتف عشيقته ، غير أنه صرفني عن ذلك ، و أراد أنْ يجعل أحد مباني أجداده المُطلة على ساحة الشهداء ، هي واجهة الصورة ، فأرجعتُ إليه عدسته ، و أسرّرتها له في خاطري :( دوّر جماعتك ) ليأتي أحد من جماعته- شاب ليبي- مُسرعاً ، يعرض عليه أنْ يقوم بهذه المهمة ، بدلاً مني ، و أعطاهما طرفي شكولاطة ( سنكرس ) تشجيعاً منه للسياحة في ليبيا ، بعد أنْ زجرني و نهرني على فعلتي هذه : ( هادوما ضيوفنا ) .. فأجبته : ( أنا ما أتيت إلى هنا ، لأصوّر الطليان عند حطام أجدادهم .. البركة فيك يا صوّار يا مُتحضِّر .. و الشوكلاطة أنا أولى بها منهما ، فهؤلاء لن ينفعوك في شيء يا مسكين ، و إنْ ذهبت إلى بلادهم ، لن يعطوك حتى شـُربة ماء بالمجان .. و هذا ليس كرماً عربياً ، بل غباءً منقطع النظير ) .
***
الوقت صار متأخراً ، و بدأت الشوارع تخلو من روّادها ، المارين و العابرين و المسترزقين و المتفرجين ، كلُّ الباعة ، لملموا بضاعتهم و راحوا ، و بالمثل المتفرجون ، فقد لملموا بعثرة حظوظهم العاثرة ، و انصرفوا إلى ديارهم ، و المحال التجارية أوصدت أبوابها .. صرت أمشي وحيداً ، من دون أيِّ هدف ، حتى ساقتني أجفاني الذابلة عطشاً لماء النوم ، إلى فندق ( ميدان الساعة ) - الواقع خلف مبنى ( مصرف ليبيا المركزي ) و هو عبارة عن مبنى إيطالي ، لستُ أعرف ، لماذا الدولة تتطفـّـل على المباني القديمة والأثرية ، و تنشأ عليها ، بل بالأحرى فيها ، مؤسساتها ، أفما كان الأحوط بها ، أنْ تقيم مبنى حديثاً يمثـّـل ( ليبيا ) الحديثة ؟ – من مثل الفنادق و الأبراج التي بنتها ، و لا أرى فيها أي ملمح جمالي ، كما أنها شّيّدت بأموال الشعب ، و متقاربة من بعضها ، و لم توزع على أرجاء المدينة ، و لا ننسى أيضاً ،ً أنّ الطرابلسيين الفقراء ، لا يستطعون الدخول إليها ، لغلاء خدماتها ، و الحال نفسها ، بالنسبة لفندقي بنغازي ( تيبستي و أوزو ) - و أنْ تبتعد عن هذا المبنى ، الذي يرمُز إلى حقبة سيئة في نفوس الليبيين ، حيث يذكّر الليبيين بمرحلة الاحتلال و الإذلال- إذ ذاك ، رنت ساعة الميدان ، مُعلِنة عن تمام الثانية و الثلاثة أرباع ، بعد منتصف الليل ، ألفيت باب الفندق مُقفلاً ، و من محاسن الصدف ، كان أحد نازليه نازلاً منه ، و في الخارج عائداً لتوه ، و هو عراقي الجنسية ، يحمل شهادة الدكتوراة في الفنون التشكيلية ، ينتظر قرار قبوله كمدرس بجامعة ناصر ، على ما أتذكر ، كما أخبرني في دردشة سريعة ، التي صرّح ليّ فيها ، بأنّ طرابلس مدينة جميلة ، و أجمل عنده حتى من العاصمة السورية ( دمشق ) التي أقام فيها لفترة طويلة ، غير أنّه استدرك ، بأنّ الدمشقيين يبدون عناية أكثر من الطرابلسيين ، بمدينتهم القديمة ( يقصد بالطبع السُّلطات ) .. الغريب في الأمر ، أنني لاحظت إهمالاً لمباني و شوارع المدينة القديمة ( العربية ) في طرابلس ، في مقابل الاهتمام المتزايد بالأوابد الإيطالية هناك - فطرق برؤوس أنامله على بابه الزجاجي ، لينزل إلينا صاحب الفندق في ثياب نومه ، مُحتجّاً على قدومه متأخراً ، و خرقه لقوانين الفنادق المعمول بها ، و عندما همّمت بالدخول ، كاد أنْ يمنعني ، فشرحت له الظروف ، و أنني قادمٌ إليه من طرف زبونه الدائم ، الأستاذ 'محمد الأصفر' و سُرعان ما رحب بيّ ، و دعاني إلى الدخول إلى الغرفة الوحيدة الشاغرة ، فلم أمانع على الرغم من وضاعتها ، لأروي عينيّ بالنوم ، متقيئاً كوابيس الطريق وضجيجها من أذنيّ .
***
صحوت قبل عرب طرابلس ، و أجانبها كلهم ، كُلي نشاط ، و لدي رغبة جامحة في المسير ، غير أنّ صاحب الفندق ، امتنع عن فتح الباب الرئيسي للفندق - و إطلاق سراحي- قبل التوقيت الذي يعمل به ، و قبل أنْ أتناول وجبة الإفطار.. أخبرته بأنني متنازل عنها ، في لقاء أنْ يفتح ليّ الباب ، و يطلق حريتي ، فأنا ما جئت لأبقى في الفنادق ، ثم أنّ الوقت أصبح قصيراً أمامي ، بيد أنّ موعد رحلة العودة ، سيكون على تمام الثامنة مساءً .. كان صباح يوم خريفيّ الطقس و خـُرافيّ الأجواء ، الرياح تعبث بصناديق البضائع الفارغة ، و زواريب الحارة فارغة سوى من المُنظِفين ، الذين يلملمون نفايات البضائع ، حتى المحال الخدمية ، ما تزال مغلقة ، أه تذكرت ، فاليوم هو يوم الجمعة ، شدّ سمعي صوت منساب لأغنية صباحية - تجتذبني منصاعاً ، من أذني بسبابتها وإبهامها ، مثلما كان يجرنا آباؤنا و مدرسونا إلى الفصول - بصوت الفنانة ' عبير ' ذهبت مسرعاً صوب منبعها الأثيري ، و إذا بها من مذياع مطعم الطرابلسي الأصيل ' خيّري ' فما أروعها من أغنية عذبة ، عذّبتني حلاوةً ، بكلماتها الشفّافة و لحنها الأخـّاذ ، فـ ( حدّرت) قهوة إفطاري بكلماتها التفاؤلية و التفاعلية مع الأمل و حبّ البلاد و العباد ، و أنا أرحل بنظري إلى النوارس ، التي كانت صباحئذٍ ، تحلق و تسترزق فوق و من البحر ، و تصطاد طعوم الصيّادين :
يا صبح يا لافي .. لفيت ابخيرك
بالفرح فوق الوطن .. رفرف طيرك
...
ابخيرك علينا لافي .. أبيض كما لون الحليب الصّافي
قول يا صباح الخير و ألف عوافي .. و يا شعب يا امكافح الله نصيرك
...
ابخيرك لفيت علينا .. عم الهنا و الفرح و اتهنينا
يا وطنا بنعلوك فوق بأيدينا .. احنا فيك عشنا و خيرنا من خيرك ..

***

إنْ شاء الله خير يا عبير ، الغريب أنني استمعت إلى صوتها ، يفوح بعبير طرابلسي أصيل ليلة البارحة - ذكّرني بما جئت لأجله ، و أنا قادم إلى الفندق – و هي تصدح في مذياع مقهى شعبي ، يقع بعد قوس مدخل المدينة القديمة مباشرة ، بأغنية عن الليل ، للشاعر ' عبد السلام القرقارشي ' و لحن 'فؤاد حافظ ' .. تقول أبياتها :
الليل مهما ايطول .. و الشوق مهما ايزيد
خليك م اللي ايقول .. خليك م اللي ايكيد
ما نتركك من بالي .. ما نتركك يا غالي
و خللي اللي ايقول ايقول
...
قلبي بالغالي شاريه .. عدّى عمره ايفكر فيه
يللي هواك يا امنايا .. ساهر مع نجواي
ما نتركك من بالي .. ما نتركك يا غالي
و خللي اللي ايقول ايقول
...
تشهد عليا الآهات .. اللي ما نسيتها آه في يوم
اللي العليل اشاها .. طعم الهتا و النوم
ما نتركك من بالي .. ما نتركك يا غالي
و خللي اللي ايقول ايقول
خرجت من مطعم ' خيّري ' بعد أنْ اكتفيت بشرب الحليب الطازج المحفوظ في زجاجات مشروب غازي معتمرة قطعة قصدير( قزّير) لا يوجد مثله في بنغازي ، فعرب بنغازي ، يكتفون بحليب ( جهينة ) و ( أنجوي ) و غوط السلطان و حليب مصنع النسيم المصراتي .. عند زقاق المدينة القديمة ، وجدت بعض الفتية العتالين ، جالسين و بجوانبهم عربات اليد ( البراويط ) ينتظرون رزقهم ، و يتناقشون فيما بينهم متذمرين من حالتهم المعيشية ، و البعض الثاني منهم ، يصبّرهم و يُمنّيهم بقدوم الشركات الأجنبية ، فذكّروني من جديد بمسلسل ( وادي المسك ) حينما كان ( غوّار ) يُمنّي سُكان الوادي بقدوم الشحن - من بلاد الغربة التي كان يعمل فيها - الذي تأخر قدومه ، والذي سُيسّهم أيما إسهام ، في الرُّقي بمستوى معيشتهم ، فما جاءهم منه ، سوى العادات الرديئة و الدخيلة على مجتمع ذلك الوادي و متساكنيه ، الذي تعفّنت رائحة مسكه ؛ و ها نحن الآن في سنة (2010 ) و قد وصلت الشركات – بمن فيها من عمالة فاسدة إخلاقياً - إلى البلاد ، و صار الليبيون ، يشتغلون في أعمال وضيعة و عارضة ، تستغل جهدهم من أول الصباح حتى ساعات متأخرة من المساء ، بمقابل زهيد ، يرأسهم مصري أو سوداني جاهلان ، استجلبتهما معها هذه الشركات الأجنبية ، فيعملون كـ ( صبيان و غلمان ) عندهما ، من ساعات الفجر الأولى ، بالزجر و السُّخرة حتى المغرب .

تركتهم و أنا متيقن بهذه النتيجة ، التي لم تكُن قد حدثت وقتها ، ماضياً نحو الساحة الخضراء ، التي لم يظل من دهانها الأخضر سوى القشور، و استحالت إلى ساحة عوينية ( رمادية ) .. بدأت صلاة ظهر الجمعة تقترب ، شيئاً فشيئاً ، فأسرعت من خطاي نحو زاوية الدهماني ، حتى أدرك الصلاة هنالك في جامعها القديم .. أحبُّ أنْ أصلي في مثل هذه المساجد العتيقة ، فقد ذُكِر فيها اسم الله أكثر من المساجد الحديثة ، و أذكر بأنّ الخطبة كانت تربوية ، تتصل بإشكالية تدريس المعلمات لطلبة الإعدادية الثانوية من البنين ، التي تطلعوا على مفاتن النساء ، و المعلمين لبنات الإعدادية و الثانوية ، و ما جرّته و تجرّه هذه القضية ، من تبِعات و عواقب أدبية وخيمة على المجتمع بأسره ، كان الشيخ مُتحمِساً ، و يحذّر الآباء و الأبناء ، من هذه الظاهرة ، حتى ابتلت لحيته الكثـّة ، من هول هذه المصيبة ، و قابله المصلون بالبكاء و الحوقلة و الاستغفار كثيراً ، و لست أعرف ، هل تبدّل الأمر بعد ذلك ، أم أنه ما يزال سائراً على ما هو عليه .. بعد أنْ قـُضيّت الصلاة ، ذهبت خارج طرابلس بمسافة قصيرة إلى غايتي التي جئت لأجلها ، و غبت هناك ساعتين ، و حين عودتي ، انتقلت من جديد إلى شارع ' عمر المختار' و منه إلى شارع ، يتفرع منه ، لا أذكر اسمه ، لأدفن جوعي ، مكتفياً بقطعة ( بريوش ) لم أذق في حياتي ، مثل حلاوتها و لذتها - صقع عليك يا باسط - من مقهى يديره شاب أسمر، يربط حزّامية بيضاء على جسده الممتلئ - أه نسيت أنْ أخبركم بأنني في ليلة وصولي ، تلقيت اتصالاً هاتفياً من أحد الأدباء ، علم بوجودي في طرابلس من أحدهم ، فسألني عن محل إقامتي ، ثم أخبرني بأنه سوف يمرُّ عليّ ، و بعد مروري بالشباب الذين ذكّروني بمسلسل ( وادي المسك ) التقيت به عند مقهى شعبي قديم في الحارة ، فتوقعت أنه يريد أنْ يدعوني إلى الغداء في بيته ، و لما جلسنا ، خيّرني بين القهوة و الشاي الأخضر ، فطلبت الأخير ، لأنه الأرخص ثمناً ، و عندما جاء ليدفع ثمن مشروبي و مشروبه القهوة ، رد عليه القهوجي ، نقوده بحُجّة انتفاء احتكامه على ( فكّة ) لأدفع عنه و عني ثمن ما شربناه ، ثم انصرف ، وهو يردد : (أي خدمة مني ؟ ) .. حمدت الله أنه لم يحرجني بطلب أن أصّحبه إلى بيته ، ثم أنني لم أنتظر ذلك منه أصلاً - أزف موعد العودة ، فعدت إلى الفندق ، لأنني تركت حقيبتي كأمانة عند إدارته ، لأجد مديره جالساً في الاستقبال يستمع إلى الفنانة ' عبير' تغني في إذاعة طرابلس المحلية ، هذه الأغنية( حكايتنا يا قلبي غريبة ) التي هي من كلمات ' عبد الحفيظ قنابة ' و لحن ' محمد بوقرين ' :

حكايتنا يا قلبي غريبة .. في الحب احكايتنا غريبة
ساعة اتحب و ساعة اتوب .. و ساعة اتقول للحب حبيبة
..
كل مرة يخطرلك راي .. مرة خصمي و مرة معاي
مرة اتقول الحب اهناي .. و مرة تشكي من تعذيبه
..
كل مرة اتجيني بجروح .. تشكيلي ابسرك و اتبوح
قولة ننسى احبيب الروح .. و بعد اشوية اتقول اصعيبة
..
كلما تحكي ع المكتوب .. تحلف لا اتفارق لا اتوب
في التالي تطلع مغلوب .. ما معاك أحسن انكون حبيبة ..
ما غريب إلا الشيطان يا عبير ، فأنا لست بغريب عن هذه المدينة ، و لا أحد يزايد علينا في محبته لها ، و مهما غبنا و انشغلنا عنها ، يظلُّ هناك ما يربطنا بها ، فأنا ما جِئت إليها ، إلا لأزور قبر جدّي الأكبر ' عيسى بن راشد ' و قصر و مسجد و زاوية جدي الأوسط ' بالقاسم ' - تاركاً قبر جدّي الأصغر ' سعد ' هناك في بنغازي - لكني لم أستغث بهما ، و لم أبتغِ الوسيلة بالصلاة عند ضريحيهما - مثلما يفعل الشيعة الإثنى عشرية الضّالون - بل ترحمت عليهما ، و دعوت لهما بكل خير ، و أنْ يتقبلهما المولى تعالى و تقدّس مع الأنبياء و الصدّيقين، و دعوت على الأغبياء و المنافقين .

أخذت حقيبتي إلى المطار مباشرةً ، رامياً بـ ( كرت ) حنان ، الذي وجدته في جيبي ، من نافذة السيارة ، ومن طرابلس إلى بنغازي ( فن – طب ) بالطائرة ، أقدّس الله تعالى على مسبحة جدي ، كي نصل سالمين من ( استوربوات طياراتنا ) .
ــــــــــــــــــــــــــ
خطاب موّجه للسّادة القرّاء :
جرى دأبي ، حينما أشخّص شيئاً ما ، أنْ أصفّه بما هو عليه ، فإذا كان بلا ألواناً ، لا ألوّنه ، و إذا كان ملوناً ، لا أجرّده من ألوانه ، بدليل أنني ، حينما رمزت إلى الفتاة ، التي وجدتها في مكتب السفريات تتغنج ، كنت في الوقت نفسه ، وصفت زميلتها بما هي عليه من أدب و حشمة ، و لعلم من حاول أنْ ( يحوّت ) في ماء النوافير الآسن ، أنه سوف لن يصطاد إلا ( الزغلان ) – لا الغزلان - الذي تتعيّف من أكله حتى القطط ، و أنْ يصفني بما ليس فيّ ، أنّ ثمة أشياء أخرى رأيتها في طرابلس و بنغازي ، أستحي من ذكرها – و هو يعلم بحقيقتها ، فإذا كان يستحي من وجودها ، عليه أنْ يستحي و يخجل من الغضّ عنها ، و إلا كان ممن يفرحون باستشرائها - خصوصاً أنّ هناك من يقرأ هذه الكتابات من غير الليبيين ، فلا يزايد علينا أحد حين الشعور بالعار.. لكوني أعمل بالمأثور : ' صديقك من صَدقك ، و ليس من صدّقك ' أي أنتهج أسلوب المكاشفة ، بوضع الإصبع على مكمن الخلل و موضع الداء ، و لا ألزم باعتقادي أحداً و لا أطلب بأن تتبناه أية جهة مسؤولة.. فأنا لم أحاول أنْ أظهر نفسي ( دون جوان ) ليبيا ، كما علق أحدهم ، بحفظي لغناوي العلم ، لأني بلغت من النضج العمري ، ما يجعلني لا أهتم بهذه السفاسف ، التي أخوّن أي ليبي ، حين اقترافها في بنات وطنه ، فو الله تألمت لهذا الشيء ، ثم أنّ الصلاح و الفساد ، ليسا متعلقين و مرهونين بجهة بعينها ، ففي كتابتي ، غالباً ما تجدوني أركز على المساوئ ، فالأشياء الحسنة ، يفترض بها أنْ تكون موجودة أصلاً ، فلا ثمة غرابة إنْ وجدت ، لكن السيئة ، هي التي يجب أنْ نردعها و نرفع عنها الغطاء ، حتى تمرض و تموت بعلة وجودها ، و هذا ما دأبت عليه ، حتى في سردياتي عن بنغازي ، عليه أنا أبرأ من أي تعليقات جهوية ، لكوني أنتسب إلى المدينتين ، و لا أعرف في أيِّ أرض منهما سأموت و أدفن .. نلتقي قريباً إنْ شاء الله ، و كل العام و أنتم بخير بمناسبة قرب حلول الشهر الفضيل ، اللهم بلغنا أياه .. و الله من وراء القصد .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية