الأحد، 31 يوليو 2011

نوري المسماري .. المنشق الأهم عن القذافي


لم ينل انشقاق "نوري المسماري" الذي شغل منصب المسؤول الأول عن تشريفات القذافي ولمدة طويلة، وكان يعدُّ بنك معلوماته، وعُرِف بكونه حلقة الوصل (المترجم) بين القذافي- الذي لا يجيد اللغات الحية، ويدعو الليبيين إلى تعلم الميتة منها، كالسواحلية وما (يرطن) به سكان الأدغال من القبائل الأفريقية من لهجات محلية- وبين ضيوفه من الرؤساء والموفدين الرسميين من قِبل حكومات العالم، فلم يكُن مجرد مترجم بل مخلصاً لا يتوانى عن خدمة سيده إلى درجة أنه لا يشعر بأيِّ حرج لو أُظهـِر عن قصد أمام شاشات التلفاز، حاملاً المبخرة بين يديه، ويحصن قائده ببعض التمائم والطلاسم، وهو يدور حول معبوده الأول، كسادن يطوف بصنم في العصر الجاهلي، فلم ينل هذا الحدث اهتماماً من المحللين السياسيين في حينه، ومرّ مرور الكرام، وظنـّه البعض مجرد حادث عرضي لا قيمة ولا تأثير له، لأنّ القذافي تظاهر بأنه غير مُبالٍ وألا يُعيره عناية، وأظّهر نفسه متماسكاً بعد ذيوع خبر انفصال "المسماري" عنه، غير أنّ زمن وأسباب والمكان الذي اختاره لنفسه بعد انشقاقه- حيث يمم وجهه شطر (فرنسا) عبر إحدى الدول الأفريقية، التي كان يزورها رفقة القذافي- يجعله حدثاً استثنائياً وفريداً من نوعه، ذلك أنه ينتشل المهتم والمعني بالشأن الليبي من غموض عميق لفّ موقف (ساركوزاي) المعادي للقذافي وزمرته منذ الأيام الأولى لثورة 17 فبراير، والمتضامن مع محنة الشعب الليبي، الذي لاقى الويلات على مدى حكم هذا الطاغية المرير، فكانت فرنسا- وكما تعلمون- أول دولة تعترف بشرعية المجلس الانتقالي وتفتح أبوابها الدبلوماسية الخارجية لخدمة هذه الثورة التي بدت وبدأت فتية منذ اندلاعها، وسارعت إلى استصدار قراري مجلس الأمن الداعمين للشعب الليبي في وقت قصير، لأنها عملت بحنكة دبلوماسية غير متشنجة بقصد التأثير على الأعضاء الدائمين وغير الدائمي العضوية، لأجل الإجماع على هذين القرارين التوافقيين، بترويض الدب الروسي والباندا الصينية، اللذين خُشي من استعمالهما لحقّ النقض (الفيتو) ضد أي قرار قد يُدين القذافي، لقاء ما قدّمه لهما الأخير من مغريات وامتيازات نفطية واستثمارية، وكان لحكومة (ساركوزاي) التأثير على لبنان التي نالت حريتها بعد اتفاق فرنسا وأمريكا على ضرورة إعادة انتشار الجيش السوري المتواجد على أرضها لأكثر من ثلاثين عاماً، وإزاء هذا الحزم سُرعان ما خرج هذا الجيش من لبنان، وامتثل لذلك الاتفاق رغماً عن أنف الأسد المكسور، وكان من حُسن حظ الشعب الليبي أن تكون لبنان هي المُمثلة للجامعة العربية في تلك الدورة للمجلس، والناطقة في حين واحد باسم جامعة الدول العربية، التي طالبت بتوفير الحماية لنا نحن المدنيين من جبروت هذا المجرم.
إنّ هروب "المسماري" إلى فرنسا، عنى في وقته حصول فرنسا على الرقم السري لخزينة معلومات القذافي السياسية وخططه الرامية إلى استبعاد النفوذ الفرنسي من القارة السمراء ومساعدته على استجلاب الشركات الصينية والروسية حتى على أراضي الدول التابعة للفرانكوفونية- المستعمرات الفرنسية السابقة التي إلى الآن ترتبط بمصالح وعلاقات متداخلة ووطيدة معها- وخاصة في غرب القارة، وهذا ما يحلل أيضاً القتامة التي جعلت رئيس له وزنه في ذلك الإقليم يزور مدينة بنغازي ويعلن عن اعترافه بشرعية المجلس الوطني الانتقالي، وهو الرئيس السنغالي "عبد الله واد" وبذلك يصبح قد أعلن بالقول مدعوماً بالفعل عن حرصه على المصالح التي تجمع بلاده بباريس، ولعلّ البعض يتساءل: "وما مصلحة القذافي من وراء استعدائه لفرنسا؟" وكأنّ السائل، لم يعِ بأنّ هذا الموتور، قد استعدى شعبنا منذ أنْ قفز على هرم السلطة من غير سبب، لكنّ مرجعية استعدائه لهذه الدولة الأوربية العظمى، قد حدث منذ تدخله في الشؤون الداخلية لبعض الدول الأفريقية المتاخمة لليبيا، وكذلك المتوغلة في أدغال هذه القارة من تشاد إلى النيجر مروراً ببوركينا فاسو والجابون وانتهاءً بالكونغو، وأظنه في ذلك الوقت عمل على تأجيج الكراهية لدى الأفارقة ضدّ فرنسا الاستعمارية، بهدف استبدالها بالنفوذ الأمريكي، ولعلّ في تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر)- الذي انتهت ولايته في سنة 1980 ميلادية، وأعقبه الرئيس (رونالد ريغان)- الخبر اليقين، عندما استضافته إحدى القنوات الإخبارية منذ أقل من عامين، وسألته عن السرّ الكامن برأيه وراء عزم إدارة (بوش) الابن على إسقاط نظام الرئيس العراقي "صدّام حسين"، في حين أنّ ثمة دولاً أخرى، ما برحت تعلن عن مناهضتها للهيمنة الأمريكية، وأعطت مثالاً على ذلك بالزعيم الليبي معمر القذافي؟، فلم يرد على ذلك إلا بقوله: "القذافي لم يكُن عدونا في يوم من الخمسة عشر يوماً التي حكم فيها الليبيين، بل ربطته بنا مصالح كثيرة" وممّا لا شكّ فيه، أنّ المصالح التي عناها هذا الرئيس الأمريكي، لا تخرج عن كونها عمالة القذافي لواشنطن، لأنّ دولة في حجم الولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن لها بحال من الأحوال، أنْ تتبادل المصالح إلا مع دولة تكون ندّاً لها، وما يدلل على ذلك، إنّ لا فائدة عادت على الشعب الليبي من وراء هذه المصالح، اللهم إلا إنْ كانت مصلحة فردية للقذافي، تتبلور في غضّ طرف هذه الدولة العظمى عن نظامه الديكتاتوري وانتفاء عملها على إسقاطه، إما بعمل عسكري، في حجم ما كان منها ضد الرئيس "صدام حسين" أو حتى استخباراتي، من شأنه أنْ يدعم المعارضة الليبية لأجل هذه الغاية في فترة حالكة، مرت بها ليبيا تحت وطأة نظام هذا المستبد.
بنغازي: 31/7/2011


السبت، 30 يوليو 2011

رسائل مغلفة بطابع الثورة

 
1- إلى الثوّار غير المنضبطين
الكثير من الناس يضعون اللوم على أداء المجلس الوطني الانتقالي، حين حدوث أي اختراق أمني من الطابور الخامس، بحجة أنّ أعضاء المجلس واللجان المنبثقة عنه، ليسوا مؤهلين لإدارة الأزمة، والحقيقة التي تراءت ليّ من خلال المتابعة، أنّ بعض هذه الاختراقات تنجم عن أخطاء بديهية، ولا أظن مجرد الظن، بأنّ حتى الأطفال يقعون فيها فما بالكم برجالات المجلس، فممّا لا ريبة فيه أنّ الإخوة في المجلس الوطني الانتقالي والمكتب التنفيذي به، قد تداركوها منذ البداية هذه الثغرات وحاولوا ترميمها وكانوا يتوقعونها، فهم من النخبة المثقفة والمتعلمة في أغلبهم، فمثلاً الانفجار الذي حدث منذ فترة في ساحة التغيير (الحرية) نتيجة لقنبلة يدوية، أنحى البعض بمسؤوليته على اللجنة الأمنية التابعة للمجلس والمسؤولة على توفير الأمن هناك، ولست أشكّ أبداً في أنّ هذه اللجنة أعطت الأمر قبل وبعد الانفجار إلى عناصرها لمنع دخول السيارات ببرهان أننا لاحظنا التكثيف الأمني الذي جرى بعد هذه العملية الخسيسة، حيث أقفل شارع "عمر المختار" بموانع إسمنتية وتمّ الحظر على دخول السيارات إلى مكان التجمع والاعتصام، وقامت اللجنة بإعادة انتشار عناصرها على نحو رائع، إلا أنّ هذا الضبط الأمني لم يستمر إلى أكثر من ثلاثة أيام فقط، وسُرعان ما عاد الأمر إلى حالته الفوضوية الأولى، بعدما تركت هذه العناصر مواقعها من دون أنْ تتلقى الأمر بذلك من قيادتها.
وهنا يستلزم الموقف توجيه النصح إلى الثوّار الشباب، الذين يتملصون من توجيهات قادتهم العسكريين والمدنيين، بحجة أنهم هم من أشعلوا لهيب الثورة، ولا سلطة لأحد عليهم، بل إنهم صاروا يُعيّرون قادتهم بحجة حقّ أريد بها باطلاً: "نحن الذين فجّرنا الثورة، ولستم أنتم يا من قبلتم بالهوان في عهد القذافي، ولم تثوروا عليه".
قد تكون هذه العبارة المؤسفة حقيقية، لكنها لا تصل إلى درجة الحجة الدامغة، وعلى من يصدح متفاخراً بهذا الرأي من الثوّار، أنْ يعرف بأنّ الثورة أخذت مساراً آخراً، حيث إنّ المشهد السياسي في ليبيا، انتقل من مرحلة الثورة إلى حرب التحرير، وهذه الحالة تستلزم رجالاً يحسنون إدارة الأزمة، لذا وجب على الثوّار جميعاً أنْ ينضووا تحت إمرة قادتهم، ويمتثلون لتوجيهاتهم في الميدان العسكري والمدني على حدٍّ سواء، فمثل هذا الكلام قد يقود ثورتنا إلى ثورة مضادة وهذا ما يضرّ بمصيرها نتيجة الجهل.
ولعلّ من المضحك، هو عودتي من ساحة التغيير حافياً بعد ضياع نعلي، بسبب الاختراق الأمني الذي حدث هناك نتيجة البلبلة التي أعقبت خبر استشهاد اللواء البطل "عبد الفتاح يونس".
2- إلى البسباسي
أستهل هذه البرقية بتذكيركم بهذا الحوار في برنامج البسباسي، الذي استمعت إلى أولى حلقاته منذ مدة خمس سنوات تقريباً:
البسباسي: اللي راتبه فوق الخمسمية دينار يقدر ايعيش عيشة امبحبحة في رمضان.. واللي راتبه أقل من ميتين دينار، ايش ايدير مع هالغلا يا غرسة؟.
غرسة: ما له إلا القايد.
السؤال استفزّ القائد، وظهر في موعد البرنامج في اليوم الثاني والتالي لتلك الحلقة، ليقول بعدما أحسّ بأنّ البرنامج خرج عن الإطار المسموح له به، خصوصاً وأنّ "غرسة" قد حملته وزر فقر ومعاناة ذوي المرتبات المنخفضة، حيث تزامن الشهر الكريم مع بداية العام الدراسي:
"أستغرب ممّن راتبه منخفض، ويشتكي من حجم المصروفات وغلاء المعيشة في رمضان، فطالما استطاع المواطن أنْ يكيّف نفسه وإنفاقاته قبل الصيام، فكيف لا يستطيع ذلك في شهر الصوم الذي يُحرّم التبذير؟".
إليك يا من أوجعت رؤوسنا في كل شهر رمضان، إليك يا من سفهت أحلامنا وأسمعتنا ضجيج توجيهات قائدك عبر ملاحظاته إليك، نقول: "لن نقول آه يا راسي"، إليك يا من أشعت بيننا ثقافة الفقر والخنوع للظلم، نقول انتهى عهد سيدك، وهو من صار الآن يضع يده على عمامته ويتأوه من الصداع الذي أصاب جمجمته من خلال شعارات الثورة وهتافاتها الخالدة، ومن كلمة الشيخ الزنتاني "طاهر اجديع" التي تهكم فيها في مسجد الزنتان على قائدك وابنه سيف أبيه: وما تزال تقرعه على رأسه، حينما قال: (عطك غُدة).
قد تتشابه الأسماء وتتباين الشخصيات، فأنت يا أيها البسباسي لك الاسم نفسه لذلك الشيخ الزنتاني الطيب، وكان بإمكانك، أن تحيل تلك الرسالة إلى قائدك، لكنك خشيت على نفسك منه، وأنطته إلى الأستاذة الإذاعية "فاطمة عمر" التي كانت أشجع منك.
الجدير بالذكر إنّ هذا البرنامج قد ابتدأ حلقاته منذ العهد الملكي، وقد حظيّ باهتمام وعناية المستمعين لما طرحه في تلك الفترة من أمور اجتماعية، لكن وبعد الانقلاب وظّف القذافي هذا البرنامج لما يخدم توجهاته التي لا اتجاه محدد لها عدا إخضاع البلاد لسياساته المتهورة.
3- إلى المتفرجين على برنامج شاكير
لا يدهشني من ينصرف إلى الفرجة على شاكير، لكنْ ما أستغربه هو حجته بأنه يعرف مدى تلفيق هذا الأفاق، ومع ذلك يحرص على متابعته بذريعة أنه يضحكه، وهذا لعمري ما يدهشني، فكيف لعاقل أن يستمع إلى شخص يخوض في أعراض الناس ويحفزهم على الاقتتال فيما بينهم، ويستهزئ بثوارنا ومن يمثلون الثورة، ولا يهمه أنْ يناله الإثم، نتيجة ما أباحه لأذنيه من الاستماع إلى قول الفسق؟، قد يكون من المفيد متابعة هذا البرنامج لذوي الاختصاص من القادة العسكريين والمحللين السياسيين لقراءة ما بين سطور نغمات النشاز لهذا البوق المثقوب، لمعرفة أية خطوة يريد أن يقدم عليها النظام المنشق عن الشرعية المحلية والدولية، أما عدا أولئك فيحسن بهم انتفاء مراقبة ، فقد لاحظت أنّ من يتابعون هذا السفيه يقبلون عليه بشكل أكبر، في حالة تأخر المرتبات أو حدوث خطب جلل في المدن المحررة.
4- إلى المسؤولين بالمكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي
هل من إجابة عن السؤال الذي في أخر هذه البرقية، غير هذه: لأنّ ثمة فرقاً بين النظامين السياسيين عربياً، فالملوك على علاتهم لهم إنسانية، وهذا النظام السياسي أثبت تسامحه مع الشعب، بدليل مساندة قطر والكويت والأردن للشعب الليبي، وهي دول تقترب في شكل جسمها السياسي، بعكس ما يسمون بالجمهوريين؟ وهذا لا يعني أنّ النظام الجمهوري، هو نظام مُعادٍ للثورات، لأنّ التاريخ السياسي يقول بأنّ من يتصدّى للثورات هم الملوك، والثورات هي من ينتقل بالبلدان إلى عهد الجمهوريات، لكنّ السبب قد يعود لانتفاء تحقق هذا النظام السياسي الذي جاء به العسكر بعد انقلاباتهم على الأنظمة الملكية العربية، ولا يغرنـّكم ما تبرّر به بعض الجمهوريات العربية بخصوص تأخر اعترافها بالمجلس، حينما تضع نفسها في قائمة المعترفين فعلياً لا رسمياً، حيث إنها أرادت بذلك- وبحسب استنتاجي- أن تفكّ ارتباطها بالمجلس وقتما شاءت ومتى تعامل معها المجلس بحسب البروتوكول السياسي، الذي من خلاله يستطيع أنْ يمارس العمل السياسي بحسب الاتفاقيات الدولية وما يضمن للشعب الليبي أمنه ومصالحه، وخاصة حينما يطلب المجلس إلى حكومات هذه الجمهوريات العمل على تطبيق القرارين الدوليين 1970-1973 فهي بذلك تكون في حلٍّ من ذلك، على الرغم من أنّ مسألة تطبيقهما لا تعود إلى العلاقات الثنائية والبينية، لكنها عند الاعتراف بالمجلس ستكون مطالبة بتسليم المطلوبين إلى الشعب الليبي ممّن يتواجدون على أراضيها.
والسؤال المتأخر عن الإجابة التي تقدّمت بها، هو: الدول العربية المعترفة بالمجلس الانتقالي حتى الآن، تتشابه في نظام حكمها، فهي إما ممالك أو إمارات، فهل من جمهورية عربية ستعترف؟.
5- إلى جهاز التخطيط العمراني
الشهيد البطل "عبد الفتاح يونس" يستحق منا أنْ نسمّي ونستبدل شارع "جمال عبد الناصر" باسمه ليكون رمزاً للأجيال القادمة، فلقد كان لانشقاق هذا الضابط الكبير الأثر السلبي على "القذافي" ليس فقط من موقعه العسكري، ولكنْ معنوياً، فانضمامه إلى ثورة 17 فبراير، أصاب القذافي بنكسة سياسية كبيرة، إذ أنه ممن انتسبوا إلى انقلاب سبتمبر 1969 ميلادياً، وإذا كان ذلك التغيير السياسي ثورة كما يدّعي، فما الذي جعل "يونس" ينشق وينضم إلى شباب فبراير، غير أنّه اقتنع بأنّ حركة هؤلاء الشباب هي الثورة الحقيقية، هذا السؤال، هو ما كان يردد على القذافي دولياً، فيخرسه.
6- إلى شركة الكهرباء
توفر الوقود لا يعني استنزافه، طالما أنّ تعويضه أمر صعب نتيجة للقرار الدولي القاضي بتجميد أموالنا، فعند نفاده نجد أنّ التيار الكهربائي يغيب لمدد طويلة يومياً، قد تصل إلى أكثر من عشرين ساعة، لذا أقترح قطع التيار لمدة ساعة أو ساعتين يومياً، مع تحديد جدول لذلك حسب كل منطقة وحي يبين ساعتي القطع، فالقليل المتصل أفضل عند الله وعندنا من الكثير المنفصل.
7- إلى اللجان المشرفة على إغاثة النازحين
بنغازي معقل الثوّار، ضحّت ككل المدن والقرى بدماء أبنائها لأجل نصرة هذه الثورة المباركة، أهل هذه المدينة والمدن المحررة لم يتوانوا على دفع التبرعات لإخوانهم النازحين ضمن الجمعيات الخيرية، بإرسال المؤن والحاجيات الأساسية، ومنهم من سافر إلى مخيمات النازحين في تونس ومصر، مصحوباً بمبالغ كبيرة من الأموال، ليشترى بها المواد الأولية في هذين البلدين العزيزين، مما سبب في فقدان السيولة وخروج الأموال إلى الخارج وافتقار المصارف لها، فارجو العمل بالحرص على إبقاء الأموال بالداخل، والحرص على شراء مواد الإغاثة من الداخل، والنظر في مسألة نقل النازحين إلى المدن المحررة لتحقيق هذه الغاية لتبقى الأموال في الداخل، ثم أريد أن أتساءل لماذا لا يعود النازحون المتواجدون في مصر سامحهم الله؟ كيف تخصّص هذه المساعدات لمن يحتاجها بالفعل، فيسهمون بذلك في تخفيف الضغط على هذه اللجان.
8- إلى المشككين في أداء المجلس الوطني الانتقالي
مسألة وفاة المرحوم "عبد الفتاح يونس" سببها إشاعات المغرضين، التي نالت من صدّقية وكفاءة أعضائه، فمن يتوجع على "يونس" الآن، عليه أنْ يتذكر دوماً، بأنّ الطعن في المجلس- في هذه الظروف الصعبة، وهو يعرف مدى الصعوبات التي تواجهه والعبء الذي يقع عليه بالداخل والخارج- هو بمثابة الطعن في الشهيد وهو على قيد الحياة، فتسريب الشكوك والاتهامات والطعن في كفاءات المجلس، كان لها دور خطير في مقتل "يونس" وهذه الحالة ذكرتني بالفتنة الكبرى التي حدثت نتيجة لإشاعة سرّبها ابن السوداء في اليمن بحقّ الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" وطبعاً لست هنا أضع رجال المجلس في مرتبة الرشد والعصمة، لكنّي أحبّبت فقط التذكير بتلك الحادثة التاريخية (الفتنة الكبرى)، ثم يجب على المشككين أنّ يشيدوا بدور المستشار "مصطفى عبد الجليل" الذي يحتل رئاسة هذا المجلس، الذي أسهم على نحو كبير في درأ الفتنة التي أعقبت اغتيال الشهيد، لما له من مكانة لدى أسرة الفقيد وقبيلة العبيدات.
9- إلى المستغلين السياسيين
أرحب بأي عمل وحراك سياسيين في بلادي، لكن سأناهض أي عمل خارج الدستور في الوقت الحاضر، فالعمل الحزبي يستلزم قانوناً ينظمه، وأنّ أي عمل كهذا وفي الظرف الراهن، هو بلا شك عمل انتهازي، يستغل غياب عدد كبير من الليبيين وانشغالهم بالتحرير الذي يعقب سقوط "معمر".. وما يدرينا فقد يكون وراء إنشاء أي حزب سياسي الآن أيدي أجنبية؟ ففي العرف الحزبي يجرّم القانون كل حزب يستمد دعمه المالي من الخارج، بل إنني أناهض حتى ظهور مؤسسة ما ستكون نواة لحزب بعد انتهاء عملية التحرير، لأنّ حدوث شيئاً كهذا، يعني البدء في الحملة الانتخابية وكسب الوقت الكافي لها من باب "اللي سبق غز اللي نبق".
10- إلى قبيلة العبيدات المجاهدة
أعزي نفسي قبل أن أعزيكم في ابنكم شهيد الوطن "عبد الفتاح يونس" فمسألة اغتياله غيلةً وغدراً، ذكرتني باغتيال عمّي العقيد "إدريس العيساوي" الذي كان يشغل منصب نائب القائد العام في العهد الملكي، لكني بصفتي أحد ورثة المرحوم، سأقوم برفع صحيفة دعوى على القذافي، الذي يتهمه العديد من السّاسة الليبيين والأجانب باغتياله، متى يحين الوقت لذلك.
بنغازي: 30/7/2011












الجمعة، 29 يوليو 2011

إيمان وعبد الفتاح

الاعتداء على المواطنة "إيمان العبيدي" في طرابلس، أُريد به التشفي من الشهيد "عبد الفتاح يونس العبيدي" الذي كان لانشقاقه وقع الخزي على "القذافي" ومن معه، خصوصاً بعد فشل محاولة اغتياله التي نفذها أزلام "معمر" وراح ضحيتها أحد حراسه ورجاله، فبسبب العجز الذي أصيب به الجهاز الاستخباراتي، لجأ إلى تلك الحادثة الدنيئة، انتقاماً من الشهيد "يونس" وقبيلة العبيدات بصفة عامة.
ويجدر بنا أنْ "القذافي" في غير مرة أعلن وعلى الملأ بأنه هو من أعطى الشهيد الإذن لينضم إلى الثوّار حرصاً على سلامته، وفي هذا التصريح، يكمن دهاء شيطاني أراد من خلال نفثه، الوقيعة بين الثوّار و"عبد الفتاح يونس" فطالما أنه انضم مجاملة وتقيّة كما حاول أن يُظهر "معمر"، فذلك معناه أنه ما يزال موالياً للقذافي، وبذلك ابتغى إهدار دمه ليقتل بتهمة الخيانة والعمالة لمن انشق عنه منذ بداية الثورة الليبية المباركة.
ثار الجدل والتشكيك حول عملية اغتيال "يونس" وثمة قاعدة تحقيقية وقضائية تزيل هذا الشك والريبة وتقطعهما باليقين، ومفادها: "أنْ ابحث عن المستفيد من وراء أية جريمة في حالة غياب الحقيقة ومعرفة الجاني الحقيقي"، وثمة قاعدة أخرى تعزز الأولى، وهي حينما يسأل المحقق أول ما يبدأ في عمله لكي يصل إلى طرف الخيط الذي يوصله إلى الجاني بسؤال أقاربه: "هل وصل المجني عليه تهديد من أيِّ شخص أو أية جهة؟"، ولأننا كليبيين وثائرين أقارب لهذا الشهيد البطل، فإننا سنجيب بالآتي:
نعم ثمة من لم ينفك عن تهديد هذا الشهيد الراحل عبر خطاباته الرسمية ومن خلال إعلامه المجرم- الذي على الرغم من كسبنا للقضية المرفوعة والمدعومة بالقرائن والمستمسكات على شركة (نايل سات) أمام القضاء المصري، مازال مستمراً طوال الأربع وعشرين ساعة عبر قنواته المتعددة، يهدد الليبيين بالقتل والفتنة من دون أن تهتز شعرة واحدة من الشيب من رأس (رأس) النظام الحاكم في مصر، ممثلاً في المجلس العسكري الذي يقوده المشير طنطاوي، الذي لم يحمِ طنطا واستلم الشنطة من يد العقيد القذافي لقاء ذلك- حيث إنه في أكثر مناسبة، أعلن عن مقتله، بعد أنْ يئس من عودته إلى خيمة العقيد، وبعد أكثر من استجداء بثــّه من خلال صندوق جرائمه الأسود (تلفازه) لأجل هذا الغرض الدنيء، وهذه الدلائل كلها تدفع بالمحقق العدل إلى اعتماد هذه الحقيقة، إذ أنها تجعل الشبهات بل الحقائق تحوم حول رأس العقيد وتدينه بهذه الفعلة المُشينة.
إنّ قبيلة "العبيدات" قبيلة شريفة يمتاز أبناؤها بالفروسية ويتحلون بالأصالة والأنفس الطيبة وبروح المروءة والكرم، أما بناتها فالواحدة منهنّ حصان رزان، وقد نشأنّ في بيئة اجتماعية كريمة ومحترمة، ولن يستطع إعلام المجرم القذافي، أن ينال من محبتنا لهذه القبيلة الرائعة والمجاهدة التي دافعت عن الأرض والعرض، ولن ننسى لها نحن الليبيين جودها بالنفس والنفيس لأجل كرامتنا ونعاهدها بالنيابة عن الثوار وبالأصالة عن أنفسنا، بأننا سنتثأر عدلاً لا انتقاماً لأبنها البار "عبد الفتاح يونس" وابنتنا الكريمة "إيمان العبيدي" من شخص القذافي، ولو دفعنا أرواحنا وأموالنا مقابل ذلك، فلسنا بجاحدين الفضل علينا، ولو أدى الأمر بنا إلى أن تتحول أجسادنا إلى كرات مشتعلة وقنابل بشرية تدك حصن القذافي وتقبره في جوفه، لقد حمّلنا الشهيد وهذه القبيلة جميلاً- ومعروفاً ومسؤولية- سيبقى يتدلى من أعناقنا حتى نأخذ بثأره.
يا من أنتم محزونون على روح الشهيد ورفيقيه، تأكدوا بأنهم هانئون بالجنة، ولو كان الأمر بأيدينا لإرجاعهم بيننا لما رضوا بذلك، فكيف يستبدلون ما هو أعلى بما هو أدنى؟ فدعوهم فارحين بما أتاهم الله من فضله، واعملوا على استلام اللواء من اللواء الشهيد، حتى نصل إلى مخبأ المجرم الأول ونحن في سيرنا إليه نستبدل اللواء، كما في لعبة التتابع.
فألف رحمة عليك يا شهيد الثورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زياد العيساوي
بنغازي:29/7/2011
للتواصل مع الكاتب: ziad_z_73@yahoo.com
صفحة الكاتب على الفيسبوك: http://www.facebook.com/profile.php?id=100002322399992






الأربعاء، 27 يوليو 2011

دعُه يتفاوض دعُه يتنحى


لا أدري لماذا كلما قامت أية شخصية اعتبارية، تحظى بتأييد واحترام محليين لدى بعض الليبيين من الداخل أو الخارج، بعرض أفكار سياسية وتفاوضية تريد من خلالها الوصول بماراثون الأزمة الليبية إلى شريط النهاية في طرابلس، بتنحي القذافي وزبانيته وزبالته عن مقاليد الحكم، ينبري البعض منا بالتصدي لها، وقد تصل به هذه الممانعة إلى تخوين هذه الشخصية وإقصائها من أية حسابات ومشاركة سياسية آنية ومستقبلية، على الرغم من أنها قد تكون تتفاوض مع بقايا عظام النظام بمباركة دولية في الخفاء؟.
لما خرج الشباب في ثورتهم كان هدفهم الأول إسقاط نظام العقيد، ولا يعني إمعانه في تقتيلنا أنْ نمضي في مسار آخر غير مسارنا المستقيم، الذي قد ينحرف بثورنا إلى تفرعات تتولد منها تشعبات مُضادة، حتى يصبح المشهد الثوري في بلادنا أشبه ما يكون بمتاهة لها بداية بلا نهاية، فالتفاوض لأجل تنحي "معمر"، هو انتصار كبير لثورتنا، لو استطاع أي مفاوض محنك تحقيقه، فذلك يعني بأنّ "القذافي" قد خسر معركته معنا، شرعياً ثم عسكرياً ثم سياسياً، أي نكون بذلك قد هزمناه على ثلاث ساحات لا واحدة وبضربة واحدة من شعب واحد، أجمع مسبقاً على ضرورة تنحيه.
في جهاد أجدادنا عبرة وإسوة لنا:
شهدت فترة الجهاد الليبي ضد الطليان أنواع عديدة من أوجه المقاومة الشرسة، فإلى جانب القتال المقدس الذي تكفـّل به بعض المجاهدين الأشاوس بمطاردة هذا المستعمر الاستيطاني في الجبال والصحارى والسهول، وبتزامن مع ذلك، وُجـِد آخرون ارتأوا ضرورة التفاوض معه لأجل الحصول على الحقوق المشروعة للشعب الليبي، الذي لا قبل له بتلك الحرب، وذلك بتآزر وتوافق بين الجناحين المدني والعسكري، إذ لم يقـُم جانب منهما بتخوين الآخر، على النقيض ممّا حاول إعلام "القذافي" تسويقه بين الليبيين بتشويه الجانب المفاوض واعتبار من تولوا القيام به، من خونة الوطن، بعد إنشائه لمركز جهاد الليبيين، وما يدحض هذا القول أننا قد نجد شخصين من أسرة واحدة، كان كل منهما يقوم بواجبه في أحد الجانبين، ليس من قبيل الاختلاف بل التوافق على هدف واحد، وجب تحقيقه، مهما اختلفت الطرق والسبب واحد، هو إنهاء معاناة الشعب الليبي من نير الاحتلال.
ومسألة التفاوض مع النظام لا أرمي من خلالها بالضرورة إلى إيقاف حرب التحرير، بل إنّ الاستمرار في هذه الحرب، يجب أنْ ينتج عنه سقف أو مكسب سياسي، كأية حرب شهدها العالم، غير حرب واحدة، لم يُعرف لها هدفٌ ولا مكسبٌ سياسي، وهي حرب معمر ضد "تشاد"، فلو أردنا مواصلة هذه الحرب التي هي في أصلها دفاعية من جانبنا هكذا من دون أي هدف سياسي، بل ثأري انتقامي لا عدلي، فهذه مسألة أخرى ليست من متطلبات ثورتنا، بكل توكيد، وعلى من يريدها منا، ألا يُحمل شعبنا وزرها وتداعياتها.
لا أجد أية غضاضة في التحاور والتفاوض مع نظام العقيد، شرط أنْ يلتزم المفاوض المُفوّض من ناحيتنا بالالتزام بالعنوان العريض الذي خططناه على لافتاتنا بلون دم شهدائنا: "الشعب يريد إسقاط النظام" بأكمله- شخوصاً وإيديولوجيةً.
منذ أيام قليلة أطلق بعض الحلفاء تصريحات متباينة حول إمكانية وقف الحملة العسكرية على ميلشيات "معمر" بعد أنْ وصل إلى حقيقة مفادها، صعوبة حلحلة القضية الليبية بالاعتماد الكلي على الشق العسكري وتجاهل مبدأ التفاوض، فانبرى بعض مسؤولونا بالتصريحات العنترية، حيث ذهب أحدهم إلى القول:"سنقاتل بأسناننا، لو توقف حلف الناتو عن أداء المهمة"، وهو مما لا ريب فيه خطاب حماسي لا أكثر ولا أقل، ويعيدنا إلى المربع الأول لأحداث الثورة، لكأنه نسى أن أسناننا التي يعتمد عليها قد نخرها السوس من (تعسيلة) القذافي على سدة الحكم، فإذا كانت الحال كذلك، لماذا طلب مجلسنا منذ البداية دعم المجتمع الدولي لنا، ممثلاً في جامعة الدول العربية وجمعية الأمم المتحدة؟ لقد كان الأجدى به، إنْ تقاعس حلف الناتو عن واجبه، أنْ يطلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن لتقويض دور الناتو رسمياً وتفويض جهة أخرى للقيام بتطبيق القرار الأممي 1973، فليس من الحكمة أنْ نفرط في هذا القرار الذي فـُزنا به بعد عدة مداولات في أروقة مجلس الأمن والسلم الدوليين، أو ربما لأنه لم يعِ ما رمى إليه الحلفاء من وراء هذا التصريح، وهو الدفع إلى طرق باب التفاوض بين الثوّار وأتباع القذافي، ولأنّ المجلس الوطني الانتقالي ملتزمٌ بتطلعات الشعب الليبي بخصوص تحريم المتاجرة والسمسرة بدماء الشهداء والمغتصبات، لم يبدِ أي تنازل بهذا الخصوص- وقد تكفلت به شخصيات ليبية أخرى من خارجه متنازلة عن علاوة الخطر الذي ستقحم نفسها فيه، وهو الإشارة إليها بسبابة السُّباب والخيانة- ولست أدري هل بموافقته أو من دون درايته، ولكن في الحالتين، سيكون التفاوض مع النظام الخارج عن الشرعية الدولية غير مباشر، مما يضمن لهذا المجلس الموقر انتفاء دخوله في محادثات مشبوهة، ولن يلزمه هذا التفاوض بأية إجراءات، طالما لم تلبِ طموحات شعبنا المنكوب بحكم العقيد، وأمام مفاجأة قد يقوم بها الأخير من دون حتى تفاوض معه، تتمثل في رغبته في التنحي عن السلطة من طرف واحد ودونما مفاوضات، هل سيتعنت من لا يريد التفاوض من جانبنا؟ فإذ ذاك، سيلجمه المجتمع الدولي بالتوقف عن الحرب طالما أن الهدف سُجِّل في شباكنا بقصفة جاراد قذافية مباغتة، أو قد يعود مجلس الأمن إلى المبدأ الأول (حماية المدنيين) لكنه سيوظّف في غير صالحنا، فما أدرى الحلفاء قد نقوم بأعمال انتقامية، وسيلزمنا على الموافقة عملاً بمأثورنا: "نص الطريق ولا كمالها" ومنتصف الطريق قد يعني وصول ثوارنا إلى مشارف (سرت).
إذاً لندع المجال متسعاً لكل من يريد إسقاط العقيد، كلٌّ بحسب أسلوبه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. وفي النهاية أقول عن القذافي: "إذا خاف واستحى، تنحّى".
بنغازي: 27/7/2011
        

الأحد، 24 يوليو 2011

لتزدهر الحياة بالحريقة والبريقة

 ثمة خطة إستراتيجية ومنهجية مهمة لردع "القذافي" وهزيمته، وهي خطة مُحكمة البنيان، نتائجها مضمونة (امصوقرة) وخسائرها طفيفة، ولها ميزة مختلفة، حيث إنها تضمن للشعب الليبي في المدن المُحرَّرة استمرار الثورة بانتعاش الحياة الاقتصادية فيها، على الرغم من التوتر الظاهر على سطح البلاد، وتجمُّد المفاوضات- مع حكومات الدول المُعترِفة بمجلسنا الوطني الانتقالي، وتلكؤها في سقاية حلوقنا العطشى، ولو بانتهاج وسيلة التقطير للريّ- بخصوص الأموال المُجمَّدة، على الرغم من إعلانها عن تعاطفها معنا.. "حنان الوز بلا بز".
حينما كانت البريقة ورأس لانوف في حوزة الثوّار، طلبت إليهم أنْ يُطفئوا محركات سياراتهم ويتوقفوا هناك، بعدما يقيمون المتاريس والدُّشم، ولم ابتغِ من ذلك تقسيم البلاد، لكن ليقيني بأنّ "معمر" هو مجرد موظف يعمل على إدارة المؤسسات النفطية، وبمجرد فقدانه السيطرة عليها سُرعان ما يفقد قوته وتخور عزيمته، ولن يجد السند والدعم، حتى من أكبر الشركات والحكومات التي تنتعش خزائنها من عوائد هذه الثروة، وخاصة روسيا والصين، اللتين وعدهما هذا الموظف بالنصيب الأوفر من عقود الإنتاج، بل قد فازتا بنصيب الأسد منها قبل حتى اشتعال خامة الثورة في حقل الرجولة الليبية.
فقد ألفيت في هذه الإستراتيجية الحربية الاقتصادية، ضربة قاصمة انتظرناها من أبناء العاصمة، وهتفنا بها في ساحة الاعتصام كثيراً، حتى بُحت حناجرنا، إذ أنّ هذه الإستراتيجية، ستجعل من يحاصرون العاصمة في موقف سيئ للغاية، لما يرون شساعة الفرق بين معيشتهم، وما يحدث في المدن المحررة من ازدهار ونمو اقتصاديين، فبذلك نستطيع أنْ نؤلف قلوبهم معنا، لما يعرفون بأنّ من يلتفون حوله، هو من سبّب لهم في هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، من نقصان في الأموال والوقود وارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأولية، هذا إذا كان مردُّ التفافهم من حوله، هو إغراؤه لهم بالأموال.
لقد كان لبعض المثقفين دورٌ سيئ على الانتفاضة في طرابلس، حيث إنه أسهم في إخماد روح الثورة هناك، فقد اشتعلت كالنار في الهشيم في أيامها الأولى، ونتيجة لقمع ميلشيات القذافي لها، فقدت بريقها منذ الأسبوع الأول، وتركزت على بعض الأعمال النوعية، التي لها تأثير يقلُّ عن تأثير الثورة العارمة على معنويات "القذافي" وعصابته، لما حاول هذا البعض ممّن يحسبون ويعدون على المثقفين، أنْ يوفر الحماية للشباب، وبحث لهم عن عذر مفاده، أن المدينة محاصرة وأنّ القبضة الأمنية للكتائب في طرابلس شديدة، وعند الوقوف على هاتين النقطتين، أي حال الدخول في حسابات كهذه، تتغير حركة الشباب هناك من ثورة إلى مسمى آخر، ربما يكون احتجاجاً، فالثورة تبدأ لأجل تغيير واقع سيئ، سبّب في تعطيل دواليب البلاد الأربعة (السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني) وكذلك الدولاب الخامس (الاحتياطي/الإسكورطة) الذي أفسره بالمستقبلي، فتصبح عربة البلاد قائمة بل نائمة على أربع معضلات صعبة، لا يمكن السير بها، حتى يعود الهواء إلى عجلاتها، وذلك بنفخها بروح الثورة، فالاستكانة التي نالت من وهج الثورة في العاصمة "طرابلس" أرده على هؤلاء المثقفين، وألقي باللائمة عليهم في ذلك، ولا ريب أبداً، بأنّ الثوّار في طرابلس قد وصلوا إلى استنتاج واحد لا غير، وهو أنه لا رجوع وسيزداد الإيمان بالثورة على الرغم من التضحيات، كلما أمعن "معمر" في طغيانه وتهديده لأهلها، خاصة ما يطلقه من تهديدات تنال من العاصمة، ولعلّ أخرها تهديده بأنه سيحرق العاصمة بمجرد وصول الثوّار منحدرين من جبل نفوسة على تخومها، فأمام كل هذا العته، لا أظن بأن الطرابلسسين سيصمتون طويلاً، وهم ولا شك في مرحلة إعداد القوة ورصّ الصفوف والتقاط الأنفاس العميقة للركض وراء عصابات القذافي في الشوارع والأزقة، وسيساعدهم في الانتفاض، انفضاض مناصري القذافي من حوله، بعد أن يرون البون الشاسع بين الحياة الاقتصادية في المدن المحررة والمحاصرة، وهناك حالة مماثلة نتجت عن الخطة التي عرضت لها في هذه المقالة، فبعد حرب تحرير الكويت من الجيش العراقي، قام مجلس الأمن، بإنشاء منطقتين محميتين في شمال وجنوب العراق، وقام بإعادة صرف أموال العراق المجمدة لتوفير الحاجيات الضرورية للسكان فيهما، فيما شدّد من طوق الحصار على مركز السلطة (بغداد) حتى بدا التململ هو الغالب على سطح الحراك السياسي في العراق، وبمجرد أن دخلت القوات الأمريكية إلى العراق لتحتله، لم يجد "صدّام حسين" جندياً واحداً من ألويته وفيالقه يدافع عليه ويدفع عنه شبح الاعتقال.
وأنا هنا لا أدعو إلى الإفراط في التنمية في المناطق المحررة بإنشاء المشروعات الكبيرة، ولكن ما عنيته هو توفير الحد الأدنى من المواد الأولية ليس إلا، وللعلم فإنّ نظام "القذافي" نفسه هو، يعتمد هذه الخطة، حينما يسرب من خلال صندوق عجائبه الممتلئ بالمهرجين والبهلوانيين (تلفازه) أخباراً تفيد بأنّ الحياة الاقتصادية في المناطق المحررة مزرية، ولا يجد المواطنون هناك حتى الخبز والوقود وتأخر وصول المرتبات.  
بنغازي: 24/7/2011  

السبت، 23 يوليو 2011

لغم المصالحة الوطنية

مازال "معمر" مصرّاً على زعمه وعزمه، وهو يحاول إضفاء مسحة أخرى ومغايرة للواقع المعيش والفعلي على ثورتنا المجيدة، فطوراً يعتبرها تمرداً مسلحاً، وفي طور آخر، يدّعي- عبر قنوات وقوات إعلامه المُدجَّجة بترسانة الكذب والتلفيق- بأنّ ما يدور في البلاد ما هو إلا حرب أهلية بين القبائل في شطري البلاد الشرقي والغربي، فيصدّر- من ثم- هذه الصورة إلى المجتمع الدولي، معتقداً بانطلاء هذه الفريّة على الجميع، فالحرب الأهلية التقليدية لها عدة أشكال لا تخرج من أطرها، فهي إما أنْ تكون نزاعاً بصيغة وصبغة إثنيّة أو عرقية أو طائفية أو مذهبية أو قبليّة، وفي الغالب الأعم، تكون صراعاً شرساً على السلطة، لما يحاول الجزء من إحدى هذه التعريفات المكونة لأيِّ مجتمع السيطرة على الكلِّ بمنطق القوة، فمصطلح المصالحة الوطنية في العادة، ينهض على أطلال أية حرب أهلية استنزافية، تجري رحاها على إحدى هذه المُسبِّبات، حينما تـُنهَك الدولة فتحاول القوى الفاعلة بها، إيقاف نزيف الدم وهدر المال العام، بالتفاتة من أطياف النسيج المجتمعي إلى الداخل واحتواء الأزمة لما تصل إلى حقيقة مؤداها أنّ لا فائدة من وراءها، والملاحظ من خلال تجارب الصراع التي حدثت على هذا الأساس، أنّ مثل هذه الحروب لا يخرج فيها منتصرٌ، لذا يتدخل المجتمع الدولي لإيجاد حلّ نهائي لمثل هاته الأزمات، كما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية التي اتسمت بأنها طائفية، وكان حلّ الأزمة على ما اجتمعت عليه مكونات الدولة اللبنانية في اتفاق "الطائف" بالمملكة العربية السعودية، وتمّ فيه الاتفاق على تقسيم السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية بين مجموع طوائف هذه البلاد، وكذلك ما يحدث الآن في العراق عقب الفتنة التي أسفر عنها الاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني لصالح طائفة معينة، فتنادى المفكرون والعلماء وعليّة القوم لأجل الخروج بالبلاد من هذه الأزمة الخانقة، وأفريقياً، تحارب أبناء الوطن الواحد في أكثر من دولة، ولعلّ أخرها ما دار من حربٍ أهلية في منطقة البحيرات العظمى، نتيجة لما جرى في (رواندا) في تسعينيات القرن العشرين، بين قبيلتي التوتسي والهوتو، وما أجّج تلك الحرب، هو انضمام امتدادهما في الدول المحيطة والحدودية لـ(رواندا) مثل (بوروندي) و(الكونغو)، كلٌّ لإحدى هاتين القبيلتين وبحسب انتمائه إليها، فأصبحت حرباً إقليمية اتسعت ساحتها، وصُعبت السيطرة عليها لمدة طويلة.
أما ما يجري في "ليبيا" الآن، فهو لم يصل إلى هذه الحالة التي تحدثت عنها، فالقضية الليبية تختلف اختلافاً جذرياً وتبتعد بمسافة طويلة عن بؤرة أتون الحرب الأهلية، فهي صراع بين شعبٍ بأكمله ضد دكتاتور يناصره بعض المتكسبين من حكمه، وما قيام أمير الحرب "معمر" بفتح الحدود أمام بعض الميلشيات القادمة من ناحية الحدود القبلية لليبيا إلا محاولة منه لتلوين القضية الليبية باللون الأسود، أي جعلها أزمة إقليمية (أفريقية) لِما لهذه الدول من مصالح قائمة مع نظام حكمه.
يبتغي ما تبقى من كيان حكم "معمر" من خلال إطلاق بالونات الاختبار، والدعوة لقيام مؤتمر للمصالحة الوطنية، أنْ يدّخل المجتمع الليبي في مسار منحرف ومغاير لواقع الحال والأحداث، بل في حفرة عميقة جدرانها ملساء كسطح الجليد، يستحيل الخروج منها تسلقاً وتشعلقاً، وقد قدّم لذلك ببعض الأعمال الإجرامية التي أمر بها جنوده القادمين من مركز السلطة في الجهة الغربية للبلاد، لتزرع في أنفس الضحايا روح الانتقام والثأر والاقتصاص منهم بالمثل، وهي في حقيقتها لا يتحمل وزرها إلا من قاموا بها ولا تحسب على انتساباتهم الجهوية ولا انتماءاتهم القبليّة، فيطول سلك النسيج الليبي وتضيع إبرته ولا يعرف أوله من أخره.
إنّ الأصل في الحروب الأهلية، هو التفاف كل مكوّن وطيف وإثنية وقبيلة حول نفسه، ولا تجد جزءاً من أي مكوّن منشقاً عن القاعدة النسيجية له، وهذا غير متوافر في الأزمة الليبية التي لا يتحمل مسؤوليتها سوى شخص "القذافي" وأتباعه المتوزع انتماؤهم على عديد القبائل، فلا مصلحة من المصالحة التي يدعو البعض إلى قيامها إما خارج البلاد أو داخلها، فهذا لغم آخر وفخ مُفرَّخ من الآلة الجهنمية الاستخباراتية لبقايا منظومة الحكم، يستلزم كاسحة ألغام من صنع ليبي تسير فوقه وتفجره في مكمنه قبل أن تنشطر شظاياه وتتوزع على ربوع البلاد، لأنّ الخوض في مثل هذه المهاترات، هو غباء سياسي ووظيفي، ينفي حسن إدارة هذه الأزمة التي أوقعنا فيها "القذافي"، وهو أيضاً بمثابة الدوس على هذا اللغم الكامن في أرض الفتنة، حريٌّ بنا تخطيه والمضي قدماً للقضاء على اللغم الصدئ والأخطر المزروع في "ليبيا" من واحد وأربعين سنة، كإحدى مخلفات الحرب العالمية الثانية التي شهدت بلادنا الجزء الأكبر من دمارها.







الأربعاء، 20 يوليو 2011

خذها نصيحة من لاعب شطرنج قديم


ضع في ذهنك جيداً، أنّ من يحكي معك الآن، قد تحصّل على بطولة دوري رمضان، الذي صادف سنة 1985ميلادية، المقام بنادي النصر، وفاز بصحن محلابية مرشوش عليها خليط من الألواز الأربعة وبأصبعين من بلح الشام الغارق في القطر، حتى لكأنني به صار رطب الشام، من يد الحاج "سرور" القائم على كافتيريا النادي، ولم يتجاوز عمره آنذاك الثلاثة عشرة عاماً، وصرع ببيدقه ملك ملوك (زمانو) في لعبة الشطرنج البالغ من العمر ستين عاماً.
اسمع مني ما أقول، فإنّ إطالتك لزمن حرب التحرير، لا يعني بأنك قوي وبأنّ جيشك العرمرم جيشٌ لا يُهزَم، فلقد كان بإمكان قادة الصرب بمن فيهم (ميلوزوفيتش و(كازاديتش) أن يطيلوا من زمن مقاومتهم لضربات الحلف الأطلسي، لو أرادوا وجعلوها معركة استنزاف، لكنهم لم يكابروا ويتعنتوا، إزاء مطالبات المدنيين من شعبهم، فرضخوا للشرعية الدولية، وأوقفوا منهزمين تهديدهم للمسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو، مع أنّ حربهم ضدهم لها ما يبرّرها ولا يبرّر الجرائم التي اقترفوها في حقّ المسلمين العزل، ولو بحجة الحفاظ على وحدة أو اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية، لكون صربيا هي الجمهورية الأكبر بين جمهورياته، إلا أنّ (ميلوزوفيتش) التزم بحكمة لاعب الشطرنج وقام كأي خبير في هذه اللعبة بإنهاء هذه المباراة، وهذا ما يجب عليك فعله.
رأيتك وأنت تلعب مع ذلك الروسي، ولن أصدق أبداً بأنك هزمته، وأني متأكد بأنه صرعك في وقت قصير، بخطة نابليون- المعروفة حتى لدى المبتدئين في هذه اللعبة، التي تعتمد على الذكاء والواقعية- حينما حاصر ملكك بالوزير والحصان أو بالوزير والفيل، من الثغرة التي تركتها مشرعة له بعد مصرع الجندي (البيدق) المتواجد فيها والحارس لها.
لقد فشلت في الخطط التي رسمتها ونفذتها ضد شعبنا، إذ فشلت دسائسك التي رميت بها إلى بذر الشقاق بين صفوفنا، وتعرقلت مسيرتك الجماهيرية المليونية السلمية نحو بنغازي في منتصف الطريق، وأوقف ثوارنا زحف قواتك صوب المدن المحرَّرة، لقد بلغ الآن عمر وليدتنا الثورة ستة أشهر، فألقت بـ(اللهّاية) من فمها، وصار بإمكانها كأية طفلة صغيرة أنْ تحبو وتزحف بعدما علمتها أمها كيفية الجلوس على مقعدها، والحفاظ على توازنها قبل أن تنطلق إلى وجهتها، وجملتها بإسوارة على يدها في شكل أفعى ذهبية تلتف على معصمها، ويتدلى من رقبتها عقدٌ به (اخميسة وحويته وقرين أحمر) درأً للعين، بعدما استحمت ورشّت عليها أمها مسحوق الأطفال الـ(بودرة) الناعم، وصار بإمكان مولودتنا أنْ تزحف الآن، وهذا ما بدأت به أنت فقد بدّلنا المواقع، أخذنا نزحف عليك وأنت من يتظاهر، بعد أنْ كان العكس في بداية الأحداث من هذه الثورة الخالدة، قطعنا الشطرنجية أصبحت أكثر عدداً من قطعك، وكلما أُستشهِد منا ثائر، أصرّرنا على أنْ تصل بيادقنا إلى أخر خط من خطوطك، حتى نقوم بخطوة مهمة في لعبة الشطرنج (التعليق)- أنْ يحل محل البيدق قطعة أهم، لما يصل إلى الخط الأخير- أما أنت فلا بيادق أصبحت معك، وكلما فقدت جندياً من ميشلياتك لا تستطيع أن تعوّضه، فقد غدوت مجرد قطعة واحدة ووحيدة (ملك) على رقعة كبيرة، بعدما تركك مناصروك وانشقوا عنك، وفقدت بيادقك التي لا دور لها، وتعمل معك كإمعات لا تتحرك إلا بأمرك وإمرتك، على الرقعة أنت ملك على رأسه صولجان يزيد من ثقل حركتك، محاصرٌ بالبيادق والقطع الأكبر، لا يستطيع إلا أنْ يتحرك نقلة واحدة، أما جنودنا فهم ما يزالون أمامنا، والبيدق في المربع الأول بمكنته أنْ ينتقل خطوتين إلى الأمام فقط أو وترياً حينما يتشابك مع خصمه، حاولت أن تقوم بإجراء خطة التوريث المعروفة لدى لاعبي الشطرنج بـ(التبيّيت)- أنْ يُبدل الملك والقلعة مكانيهما، قبل أن يتحركا- بينك وبين ابنك "سيف" في أكثر من مرة، غير أنه كان قد تحرك من موقعه في أول خطاب له، بان فيه وجهه القبيح، الذي هدّد به الليبيين بالويل والثبور، إنْ هم استمروا في ثورتهم العارمة والعازمة على إسقاطك، فلم تعُد هناك إمكانية لأن تجري مثل هذه الخطوة التي لا تكون عادة إلا في بدء المباراة، ولم يعد بوسعك سوى إقامة التظاهرات وإلقاء الخطب الخجولة، لا يهمني أنْ تخرج بين الجموع ولن أطلب منك ما يطلبه معارضوك في هذا الصدد، فمسألة خروجك وسط مريديك ومؤيديك من حاشيتك لا تعني ليّ شيئاً، فأنت بعيني جبان وفاشي وفاشل، ولن يسعفك العمر حتى تعود إلى زمن خطبك الرنانة، فأنفاسك تقطعت وصوتك تخشن وعباراتك لا جديد فيها، يا قذافي خذها نصيحة مني، فوقتك صار ضيقاً والحكم يرقب إصبعك على ساعة التوقيت، افعل ما فعله (ميلوزوفيتش) انقل صبعك من على المؤقت وضعه على تاج ملكك وأسقطه منسحباً من هذه اللعبة إمارةً على سقوط إمارة الدكتاتورية والقمع، وحينذاك لن تستطيع إرجاعه لأن القانون يقول: (تتش موف).
بنغازي:19/7/2011


الثلاثاء، 19 يوليو 2011

هو يزرع الألغام ونحن نحصدها بالأنغام

الشهيد البركاوي: الصادق الشويهدي
جريمة حرب أخرى، يضيفها "معمر" إلى سجله الدامي والحافل بالدمار والإجرام، وهذه المرة في صحراء (البريقة)، تنفيذاً لخطته الأربعينية الرامية إلى تعمير الصحراء الليبية بنبتات الموت الشوكيّة، التي تحصد الأرواح بوفرة، هذه الخطة التي ترجمتها على نحو فني مرعب فرقة يمنية على مسرح خشبي، دُقّ في مجمع المرحوم "سليمان الضراط"- الذي أقامت فيه لجان "معمر" الشعبية والثورية، حفلات الغناء بمناسبة الانقلاب على الشرعية الدستورية، وبيع الأضاحي، وإقامة مهرجان النهر الصناعي للعبة حمل الأثقال، وإجراء القرعة للفوز بحقّ أداء فريضة الحج- في اليوم نفسه، الذي أُعدِم فيه المناضل "الصادق الشويهدي" ظلماً وعدواناً، بكلمات تنمُّ عن سوق هذا القائد لأفراد الشعب الليبي كأسرى يسيرون وراءه إلى حتوفهم، ومن دون مقود، بل بالسير في طابور طويل في مشهد يظهر الواحد منهم وهو مربوط إلى الآخر بأصفاد، بينما حبل من الخيش طوله أقل من مترين ما يزال يتدلى، مثبت من أعلاه بعارضة عريضة وفي أخره حلقة مفرغة:
سير سير وعمّر .. شعبك بعدك يا معمر
تشير الأنباء الواردة من هناك، إلى أن الفلاحين زرعوا بذور الشر بعشوائية ومن دون خرائط تبين أماكن تواجدها، لكي تتيح للعسكري العودة إليها متى انتهت المعركة وخرج منها منتصراً، ولعلّ في ذلك بُرهان على أنّ الفلاح الأول "القذافي" أدرك نهاية حكمه في هذه المعركة بين العدوين التقليديين (الخير) الذي نمثله و(الشر) الذي يتقنه، وما فتئ يزرع بذوره في بلادنا، من فتنة وإفقار وعمالة، ذلك أنه لو كان مؤمناً بالنصر، لجعل لهذه الألغام مراجع يعود إليها متى ينتصر، لكن فعله ينبئ بحقيقة أنه مثل أي محتل بغيض لا يخلف وراءه سوى الموت الزؤام، لكننا الآن في موسم حصاد خيرات الثورة، وسنزيل كل الحشائش والأعشاب السامة باقتلاعها من جذورها، محققين بذلك التغيير الجذري لا الفرعي، فليس لبذور الألغام سيقان ولا فروع تخرج من الأرض لكنها تمكث في الأرض، حتى نحصدها بالمنجل والمطرقة، اللذين سيسقطان من علم وريثة الاتحاد السوفييتي الشيوعي (روسيا) التي ستقلب لـ"معمر" ظهر المجن، بمجرد أنْ يفقد السيطرة وتـُطرَد ميلشياته من أرض البريقة ورأس لانوف والسدرة، ونحن نغني وننشد أهزوجة الحصاد، بهذا البيت من إحدى نفحات سيدي عبد الرحمن المجذوب:
يا زارع الخير حبة يا زارع الشر ياسر

مولى الخير ينبا و مولى الشر خاسر..











































































الأحد، 17 يوليو 2011

السياسة النبيلة إطار تعاملنا مع المجتمع الدولي

السياسة النبيلة لا تـُدرَّس في المعاهد والأكاديميات السياسية العُليا، فكل ما يُحشى في عقلية طلبة العلم من المتدربين على السياسة، هو تكريس تعريفها لديهم على أنها فنّ المُمكن، والمُمكنُ هنا هو كسب المصالح الخاصة لدولة ما على حساب مصالح شعوب الدول الأخرى وحقوقها في العيش بحرية وكرامة، وقد يصل بنا هذا المُمكن إلى درجة لا يمكن تصورها وقبولها، حينما يدفعنا إلى ممارسة المجاملات السياسية، حينذاك يُعرف السياسي الذي يُمارس هذا النوع من فنّ التعامل المشبوه بأنه داهية سياسية، ومن أولئك الساسة الذين عرفوا بهذا اللقب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق (هنري كسنجر) خصوصاً ما قام به لصالح الكيان الصهيوني في رحلاته المكوكية إبان حرب أكتوبر من عام 1973 ميلادية على حساب الفلسطينيين والعرب، وكذلك الرئيس السادات الذي تنكر للفلسطينيين لقاء قيام علاقة سياسية طبيعية بينه وبين ما يُسمى بإسرائيل إلى حدّ اختياره وتفضيله للعلاقة معها وقبوله بمقاطعة العرب لمصر بعد مؤتمرهم في بغداد، ولا ننسى في هذا المقام رؤية "القذافي" العوراء لما جرى في أفغانستان نتيجة لاحتلال الاتحاد السوفييتي لها في الفترة الممتدة من عام 1979-1989 ميلادية على الرغم من أنها بلاد مسلمة، ووقع عليها ظلم الاحتلال لأجل أنْ تصل هذه الدولة العظمى عسكرياً إلى المياه الدافئة في المحيط الهندي، وأيضاً دعمه للصرب وهو يرى حجم الإبادة الجماعية التي تعرض لها أخواننا من المسلمين في البوسنة على أيديهم في أوائل تسعينيات القرن العشرين، بحجة أن الاتحاد السوفييتي هو المزوّد الأول له بالسلاح، وأنّ هاتين الدولتين (الاتحاد السوفيتي) وما تبقى من الاتحاد اليوغسلافي ممثلاً في (صربيا) تساندان القضية الفلسطينية، وتتعاطفان مع العرب وشعوب العالم الثالث ضد الهيمنة الأمريكية.
والدهاء السياسي قد يستلزم من السياسي أنْ يستعمل لغة المواربة والتحايل والكذب الممزوج برائحة النفاق السياسي، وغيرها من أساليب وضيعة ووضعية، لدرجة أنْ تقوم حكومة ما بتمرير جرائم أيّ حاكم بحجة أنه يضمن مصالحها الإقليمية، وتعزّز معه العلاقات السياسية والاقتصادية وفي مجالات التعاون كافة، فلا يهمها وقتذاك أنْ يفعل الأفاعيل المشينة بشعبه، طالما أنه يحفظ لها امتيازاتها داخل دولته ويحافظ حرفياً على اتفاقياته معها، وهذا السلوك نفسه الذي مضت عليه دول الغرب في تعاملها مع المنطقة العربية، إلى أن انتبهت مؤخراً إلى فداحة ما قامت به، إذ أنّ السير فيه هذه الطريق الوعرة والعوراء في حين، هو من ولّد الاتجاهات والتيارات المضادة لسياساتها- إلى حد بروز ظاهرة التطرف- التي كالت كثيراً بمكيالين، سواء فيما يخص الصراع (العربي/الإسرائيلي)، الذي جعل حكوماتها ترسم خارطتها الخارجية، وفقاً لما يضمن لهذا الكيان أمنه، ولو أدى ذلك إلى خنق الحريات وقيام الديكتاتوريات في الأقطار العربية مجتمعة، التي تدعي- على عينها- مناهضتها لهذا الكيان الغاصب، أو فيما يتصل بدعمها الاستخباراتي والمعلوماتي لهؤلاء المتسلطين على شعوبهم، فبعد أن تفطن الغرب إلى أن مثل هذه الممارسات الأخلاقية التي يقوم بها، بغض البصر عند تجاوزات الحكّام، قد تؤدي بمصالحه الحيوية إلى التهلكة، حالما يستعدي الشعوب ضده، وتولّد عناصر معادية لسياساته، مثلما حدث في المنطقة العربية، فالسياسي المُحنـَّك هو شخص أعور البصر بإرادته مع أنّ عينيه تريان كل شيء، غير أنه يرى ما يريد ويحجم على ما لا تريد دولته، فإذا لم تبنِ الدول سياساتها وفق معايير محدّدة وواضحة المعالم وبعيدة عن الغموض، تقع في مثل هذا النوع من التفكير السياسي، والمعايير المناسبة التي يجب أنْ تعمل بها الحكومات، حين تعاملها مع بعضها البعض فيما يصطلح عليه بالبروتوكول السياسي، أراها يجب أن تستند إلى ميثاق اتفاقية (جنيف) لحقوق الإنسان، وعلى أساس العدل والحرية والتعاون بين الشعوب فيما يحقق الرفاهية والرُّقي والعمل على استدامتها، فتصل هذه المعايير إلى المبادئ العامة والخطوط العريضة، التي يجب أن تسجل نقاطها على حوائط مبنى وزارة الخارجية في أي بلد وبشفافية عالية، حتى تكون في متناول أي سياسي قائم بعمله، أو يودُّ أن يرشح نفسه لأيِّ منصب في وزارة الخارجية لبلاده، لأنّ انتفاء التقيُّد بهذه الضوابط، قد يؤدي بالبلدان إلى حالة من التخبط والحرج ومعاداة الشعوب لها.
حتى وقت قريب، كان يتفق العوام على أنّ أداء سياسية "القذافي" الخارجية هو في أعلى المستويات من التعامل في العلاقات البينية بين الدول وحسن التصرف إزاء القضايا والأزمات الدولية، فهو لم يبعث الجيش الليبي إلى أية بؤرة نزاع ضمن قوات الأمم المتحدة، كما أنه أرسل مساعدات إنسانية كثيرة إلى المناطق المنكوبة لمساعدة الشعوب المتضررة من الحروب الأهلية أو الكوارث الطبيعية من مال الشعب الليبي، وقد درج على معاداة الإمبريالية وانتفاء الاصطفاف وراءها، ما وفّر لليبيا سياسة مستقلة وثقلاً ووزناً دوليين، نتيجة لسياسته الرشيدة، حتى صار لها القول الفصل والمسموع والمشورة المهمة، خصوصاً لدى رؤيتهم للبعثات وهي تتوافد عليه في خيمته، غير أنهم أخذوا عليه سوء سياسته الداخلية تجاه الشعب الليبي، الذي يفترض بأن يكون شعبه- وهو لا يعده كذلك أساساً- والأصل في هذا الشأن، هو أنّ ارتباط السياستين الخارجية والداخلية لا يمكن فصل عراه، فالأداء الخارجي ينعكس بالسلب والإيجاب على الوضع الداخلي، وهذا ما يُلاحظ على السياسة الخارجية للقذافي، حيث إنه لم يحسن التصرف في مدّ جسور التعاون مع دول العالم- ربما لكراهيته لهذا المسمى (جسر)، وخير دليل على ذلك أنه منذ فترة طويلة، لم ينجز أي جسر للمشاة داخل البلاد- وقد جعلها رهناً لمستقبله السياسي واستمراره في السلطة، وهناك مؤشرات كثيرة تدل على هذه الحقيقة، إذ أنّ الحروب التي قام بها مع دول الجوار، لم تكن بسبب فرض المشروع الوحدوي ولو أدّى ذلك إلى استخدام القوة ضد حكّام اتهمهم بالإقليمية- كما كان يدّعي- ولكن لتواجد المعارضين الليبيين له داخل هذه الدول، وبعد أن استطاع تحيّيد الدول التي تنازع معها لفترة طويلة وإخراج مناوئيه منها، أقام علاقات حسن الجوار معها، لكن هذه العلاقات ابتنت أصلاً على اتفاقيات أمنية بينه وبين الحكّام في هذه البلدان، وليست بين الشعب الليبي والشعوب الشقيقة بها، ونظراً لتهوره أقدم أيضاً على بعض الأعمال الإرهابية المعروفة لدى القاص والداني، ما أثر على الحياة الاقتصادية بالسلب وسبّب- من ثم- في تفاقم الوضع الإنساني للشعب الليبي لمدة طويلة، وعلى الرغم من أنّ الدول صاحبة الشأن في هذا الأمر، كانت تدرك جيداً مسؤوليته على هذه الأعمال الجبانة وحقيقة ما يجري في ليبيا من قمع، إلا أنها قبلت بمبدأ التعويض مقابل استمرار نظام "القذافي" الكبحي، وانتفاء زعزعتها لأركان حكمه، ورفع أية مسؤولية جنائية قد تطاله بسبب ما اقترفه من جرائم بحقّ رعاياها، وهذا كله يرجعنا إلى المربع الأول من هذه المقالة حول ما تطرقت إليه بخصوص أن سياسة فنّ الممكن هي في حقيقتها سياسة عوراء لا ترقب القضايا إلا من زاوية واحدة، هي المصالح- أي كما يقول إخواننا المصريون بلهجتهم المحبوبة: "السياسة مصالح يا عمو صالح"- ولولاها ما استطاع "القذافي" أنْ يتسلط على شعبنا طوال هذه المدة.
لذا يحسن بنا نحن الليبيين بعد نجاح ثورتنا، أن نجعل هذه الضوابط ضمن مادة مقدسة لا تخضع للتعديل ولا التجريح في الدستور الوطني، تبين الملامح والشروط العامة للدولة الليبية وقت إقامتها للعلاقات مع الدول، وإطاراً عاماً يجمع بين أضلاعه الأربعة صورة لدولتنا الحديثة حتى يراها العالم بأسره وبعينيه الاثنتين معاً، فلا تزدوج لديه الرؤية ولا تسود، فمن أعجبته هذه الصورة وأحبّ أن يخطب ودّنا لن يجدنا إلا دولة عند مبادئها، ولا تقيم علاقاتها تحت سياسة "فن الممكن" بل وفق لسياسة نبيلة تقول للمحسن أحسنت وللظالم أسأت، ولا تتعامل معه أبداً حتى وإن نالت من وراء هذا التعامل الفائدة، وقبل أن نهم بإقامة أية علاقة مع الدول التي تقمع شعوبها، علينا أن نتذكر دوماً محنتنا وما تعرضنا إليه من ابتزاز من بعض الأنظمة التي ساندت "القذافي" حتى أخر لحظة، لما أدركت أن الثورة في ليبيا قد أفقدته كل شرعية، والتي ما تزال تعاضده على الرغم مما تبين لها من ظلمه واستبداده.
وفي سياق أجده ذي صلة، أودّ أن أبثَّ وجعي من إساءة وقعت في حق الشعب السوري من بعض مثقفينا لما اتخذ من قناة (ANN) منبراً إعلامياً للحديث عن ثورة 17 فبراير، وهو يعلم بأن ملكيتها تعود إلى "رفعت الأسد" فقد أنشأها من مال السوريين المنهوب عقب هروبه من حرس أخيه "حافظ الأسد" وتكوينه للشبيحة التي عاثت فساداً في سوريا، بعد أن اتفق مع ابني شقيقه "بشار وماهر" على أن يعفيا عنه، في مقابل استعمالهما للشبيحة لقمع ثورة السوريين.
بنغازي: 17/7/2011
ـــــــــــــــــــــــــ
للتواصل مع الكاتب: ziad_z_73@yahoo.com
صفحة الكاتب على الفيسبوك:

http://www.facebook.com/profile.php?id=100002322399992







الأربعاء، 13 يوليو 2011

شؤون ثورية

(1) لعبة الأغلبية:
في الأيام الأخيرة للثورة المصرية، وقع الثوّار في مصيدة سياسية خطيرة، جرّهم إليها النظام البائد قبل أنْ يهلك، وهي الخوض معه في خضم التحشيد والتظاهرات، حيث صار يُخرج أنصاره من حين إلى آخر في الميادين المجاورة لميدان التحرير، الذي اكتظّ بالمنتفضين بالقاهرة، التي ركزت عليها وسائل الإعلام أكثر من المدن الأخرى، التي اكتسحت فيها الثورة ميادينها وساحاتها ولم يبقَ للنظام فيها أثر واحد، وصار التنافس على أشده على العاصمة المصرية من الطرفين (شباب الثورة والحكومة)، فلم تجد تلكم المدن اهتماماً من القنوات الإخبارية العالمية لإظهار روح الثورة فيها، ما أوقع الثوّار في لعبة الديموقراطية، التي ما كان عليهم أنْ يزاولوها مع هذا النظام القمعي في أساسه، فأكسبوه لبوساً لا يليق به حجماً ولا شكلاً، فأضفى على النظام الشرعية من دون دراية منهم، فالثورة هناك كما هنا، لم تقـُم إلا ضد نظامين مستبدين ودكتاتوريين، لا يعترفان بالأغلبية ولم يُلبيا رغبة الشعبين قبل خروجهما في التظاهرات الأولى ضدهما.
وما يقوم به الآن ما تبقى من بنيان كيان "القذافي" المُنهار، من تحشيد وإظهار للمتجمهرين، هو محاولة مشابهة لما فعله الحزب الوطني في مصر تماماً، فالقذافي قد أصدر أصلاً قراراً يلغي ويمنع بموجبه حقّ التظاهر منذ تقلده لزمام الأمور في ليبيا، لذا قابل الثوّار بالقمع منذ يوم 15 فبراير، حتى أخذت الثورة الليبية طابع حرب التحرير، لأجل القضاء على هذا النظام الفاسد، وعندما راحت قواته تتقهقر نتيجةً لضربات الثوّار والغارات الجوية الأطلسية، التي انتقدها بعضٌ من المراقبين، بل اعتبرها فاشلة، إلا أنها وبحقِّ، قد أضعفت قدرات ميلشيات القذافي، التي حتى وقت قريب وحتى بعد تسلم حلف الناتو المبادرة، كانت تسير في أرتالها بطريقة اعتيادية تجول وتصول في الشرق والغرب والشمال والجنوب وفي البحر أيضاً، لكنْ نتيجة لنجاعة هذه الطلعات الجوية، انكفأت قواته عليه، ولم يعد لها أية قدرة على التهديد، وأصبحت بالكاد تقدر على توفير الحماية له في مخبأه، من وطأة حمم هذه الغارات، وكذلك تقدُّم جيش التحرير نحو معقله ومعتقله الأخير في طرابلس، فانعكست الآية، التي بدأ بها الثوّار متظاهرين وقوات القذافي هي البادئة بالزحف، فاستلم الثوّار مبادرة التهديد، ما جعل "القذافي" يلجأ إلى التحشيد وإخراج المسيرات المُسيّرات، لأنه يعي تماماً، بأنّ دول التحالف في مُجملها هي دول ديموقراطية، تحفل كثيراً، بالمظاهر الجماهيرية وحقّ التعبير، وأن لشعوبها الرأي الفصل في أية مشكلة محلية أو دولية، لذا أراد رأس النظام أنْ يرسل برسائل عاجلة إلى شعوب هذه الدول، مفادها أنه يحظى بقاعدة شعبية وجماهيرية كبيرة، وأنْ ما يجري على الساحة الليبية ليست ثورة عارمة، وإنما هو محض مؤامرة دولية خسيسة، هدفها النيل من شخصه المحبوب الذي يسكن في قلوب الملايين، لتقوم- من ثم- هذه الشعوب الحرّة التي تنعم بما لا ينعم به الشعب الليبي من حرية وعدالة وإنسانية، بالضغط على حكوماتها، كي توقف هذه العملية العسكرية، وهذا ما حرص القذافي عليه في خطابه في مسيرته المليونية المزعومة، لما طلب من (ساركوزاي) و(برلسكوني) و(كاميرون)- وهو يدّعي عند ذكر اسم الأخير، بأنه لا يحفظه ولا يعرف نطقه جيداً، لكأنه أتى على ذكره مصادفةً- بأنْ ينزلوا عند رغبة شعوبهم التي ترى الشعب الليبي وتتضامن مع تطلعاته، وهو يلتحم مع قائده، الذي يتمثل بحسب رأي "القذافي" فيمن يمرّ ويحتشد أمامه من جموع غفيرة، متجاهلاً الثوّار في المدن المُحرَّرة والمقموعين في المدن الأسيرة، إذاً فالقذافي كما هو، ما يزال يعمه في غيّه، ويؤكد على أنه لم يتغيّر ولا يأبه برأي الليبيين، حتى يجرنا إلى هذه اللعبة التي ننافسه فيها على الرقم الصعب والأكبر في عدد المتظاهرين معه أو ضدّه، لأنّ خطاب مليونيته موجّه بالأساس للخارج لا للداخل، والخارج ليس بغبي، حتى يستطيع أنْ يخدعه هذا الأفاق والأفاك.
وفي هذا السياق، أودّ أنْ ألفت الانتباه إلى أنّ استفزاز القذافي من قبل بعض المحللين السياسيين بالداخل، أحياناً لا يصب في مجراه ولا يكون له معنى، بل قد يزيده عناداً وقوة، فبعد أنْ ثارت بعض الشائعات عن هروبه إلى (فنزويلا) في أوائل أيام الثورة، انبرى محللون كثيرون يتحدونه باستفزاز- قد استفزّني- أنْ يظهر على الشاشة ليدحض هذه الشائعات (إذا كان رجلاً)، وقد ظهر بالفعل (ما فيه احويجه)، أيضاً زاد هؤلاء في تحديِّهم له، لما صرحوا بأنّ الجميع انفضوا من حوله، فطلبوا إليه مصرين ومختبرين شجاعته، أنْ يُخرج مؤيديه (إنْ كان صادقاً)، لما عاهدوه عليه من تصرفات كهذه في مآزق دولية سابقة، تعرض لها نظامه، ففوجئ هؤلاء بمن خرجوا، ولو قسّراً يؤيدونه في مليونيته المفبركة- التي حتى إنْ سلمنا جدلاً بصدقيتها، فهي لا تعني أبداً بأنّ هؤلاء سيضحون بحياتهم من أجله، بل إنني أراهن على أنهم بمجرد دخول أول طلائع جيش التحرير إلى طرابلس سيختبئون جميعاً، ويؤثرون سلامتهم على القائد، وسينضمون إلى الثوَّار- وبعد أنْ أذهلهم بدهائه وبراعته في التزيّيف والتزوير، ها هم اليوم يستفزونه مجدداً بأنْ يخرج بين أنصاره في الهواء الطلق وعلى الهواء مباشرة، فماذا لو فعل ذلك؟ هل سيكون شجاعاً برأي متحديه؟! قطعاً لا، لكنّ ذلك قد يقوي من شوكته بين أتباعه، فنمكنه- من ثم- مما لم يخطر على باله أصلاً، ونخلع عنه عباءته ونلبسه زيّه (الكاكي)، ربما حينذاك وحيّزاك، يرتاح هؤلاء المحللون.
(2) تجميد الأموال:
بحسب رأيي كان من الممكن تلافي هذا القرار الذي صدر في مجلس الأمن والسلم الدوليين، تحت رقم 1970، أو استثماره فيما يعود علينا بالفائدة والخير والوفير، فلو كان للسيد "شلقم" الحسّ السياسي المطلوب في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة- خصوصاً وأنه عمل في منصبه لمدة طويلة كممثل للجماهيرية في هذا المحتفل الدولي- لقدرنا على توظيف هذا البند والأموال بما يخدم قضيتنا، فعلى الأقل اقترح أنْ يتمّ التجميد على السيولة، وأنْ تدفع هذه الأموال في شكل مساعدات إنسانية عاجلة ومستمرة حتى سقوط النظام، كالتي عُرفت في العراق، بعد خروجه من الكويت في عام 1991 ميلادية، تحت مسمى النفط مقابل الغذاء، لكنّ ثمة من يقول: "ليس بالإمكان أبدع مما كان"، فبالكاد استطاع سيادته أنْ يضع أعضاء هذا المجلس الدائمين وغير الدائمين في الصورة الملونة بالدم لما يجري في بلادنا، من قمعٍ وتقتيلٍ من أجهزة القذافي البوليسية، فتجميد الأموال كان أساسه خنق منظومة النظام الكبحية والحدّ من قدرته على التمويل لاستيراد الأسلحة والإتيان بالمرتزقة باستغلال الأرصدة الليبية بالخارج، غير أنْ يتحوّل هذا القرار إلى حصار على الشعب الليبي بدعوى حماية المدنيين، فهذا ما لا يطيقه العقل ولا المنطق، ولا تبيحه أية شرعية دولية ولا دينية، إلا إذا كان الغرض من هذا القرار، وأد ثورتنا في مهدها، لكني استبعد ذلك، وأفسّره على أساس أنه محاولة للسيطرة على الثوّار والتحكم في إستراتيجيتهم القادمة بعد سقوط نظام "القذافي" نهائياً من طرف بعض القوى، والحمد لله أنّ لدينا خبراء قانونيين دوليين يعرفون كيف لا يسمحون لأية قوى أجنبية، أن تتحكم في مصيرنا استناداً إلى الشرعية الدولية في هذا الصدد، فالقراران 1970-1973 أمميان، وغير قابلين لأية مساومة قد تنال من روح المقاومة، ولا يمكن التفريط فيهما تحت أيِّ ضغط سياسي أو تفاوضي، وما ينبغي على الشعب الليبي بالفعل في هذه الآونة، هو أنْ يكثف من التظاهرات المليونية أو حتى الألفية- قياساً بما ورد في إحدى كلمات القذافي، حينما طلب خروج الملايين في تظاهرات مؤيدة له، ولما عرف صعوبة ذلك لقلة تعداد الشعب الليبي بعامة ومؤيديه بالذات، خفّض من سقف مطالبه وعرّف عدد المليون، بأنه قد يساوي المئة ألف، ولكم أنْ تتخيلوا معي حجم المأساة واليأس اللذين يعيشهما بناءً على هذا التقريب غير المنطقي في لغة الحسابات والأرقام- للضغط على المنظومة الدولية، بدلاً من أنْ نصرف طاقات الجموع في المهاترات التي قد ندفع إليها بلا فائدة، فحقُّ التظاهر ما جُعِل إلا لإيصال المطالب قبل التعبير عن التأييد أو الرفض للأشخاص، فيتعين علينا إذاً، أن ندرك دوماً أن خطابنا يجب أن يكون باتجاه هذه الجهة (هيأة الأمم المتحدة) ومجموعة الاتصال، التي لم توفِ بعهودها بعد، ونحن على بعد أيام قليلة من اجتماعها المرتقب في تركيا، من أجل تدفق الأموال على بلادنا، فالصمت يعني الاستكانة وافتقاد روح المبادرة، ولم نجنِ منه في عهد القذافي سوى مزيداً من الإذلال، وإرجاعه لكل نكسة تعرضت إليها البلاد، إلينا، فدهاء القذافي لا كذبه، هو ما حفزه على إلقاء اللوم علينا، وقتما وضع خطيئته في حرب تشاد ومنعه للتجارة ومصادرته للأملاك، علينا، فقد قصد بذلك، أنّ هذا ما كان ليتم لولا قبولنا به، أي سكوتنا عنه.
(3) مصير القذافي:
ستكون مصداقية الدولة الليبية الجديدة بعد الثورة على المحك، إذا تجاهلت رأي الشعب بخصوص مصير "القذافي" الذي قرأت تصريحاً منسوباً لأحد أعضاء المكتب التنفيذي بالمجلس الوطني الانتقالي عبر حسابه الخاص على موقع (الفيسبوك) ورد فيه: "نفيه لوجود أية محادثات مباشرة وغير مباشرة بين المجلس وأيٍّ من أتباع القذافي بخصوص مصيره" ثم مضى شارحاً ومفسّراً قوله: "مصير القذافي يقرره الشعب الليبي" وطالما أنّ الأمر كذلك، ويجب أنْ يكون كذلك، من دون أية منّة على هذا الشعب الذي هو من ثار وأوصل "معمر" إلى هذه الحالة المزرية، لماذا لا يبكر المجلس باستفتاء شعبي حول مصير القذافي وعائلته وأعوانه؟ حتى يكون الشعب الليبي في الصورة منذ الآن، طالما برز جدلٌ لا يصل إلى حالة الخلاف بعد بين الناس، حول هذا الأمر، فثمة من يطالب بالقبض عليه ومحاكمته سواء بالداخل أو الخارج، وهناك قسم آخر، يرى في حقن دماء الليبيين مقابل تنحي "القذافي" عن الحكم وضمان العفو عنه نصراً وألوية كبيرين، وسيستمر الجدال وقد يصل إلى الخلاف، إذا لم تطبق الآلية الديموقراطية (الاستفتاء) التي ستخرس كل صوت نشاز، يصرّ على رأيه بعد استبيان نتيجة الاستفتاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زياد العيساوي
بنغازي: 13/7/2011
للتواصل مع الكاتب: ziad_z_73@yahoo.com

للإطلاع على صفحة الكاتب على الفيسبوك: http://www.facebook.com/profile.php?id=100002322399992





السبت، 9 يوليو 2011

تقييم الوضع الراهن وطرح أفكار ذات بعد سياسي

مازال الوضع السياسي في ليبيا على حاله، ولم يخرج من حالة الثورة، واستمرار حرب التحرير في المرحلة الثالثة منها، التي بدأت وخرجت سلمية لنيل حقوق المواطنة والعيش في ظل حياة كريمة يكتنفها المساواة والعدل، إسوة ًبشعوب العالم التي تتمتع بالمناخ الديموقراطي، غير أنّ قمع "القذافي" لها، هو من جرَّها إلى الثورة المسلحة للدفاع عن النفس ودفع الضرّر في مرحلتها الثانية، ولأنّ روح اللحمة الوطنية تجسدت في أجلى صورة لها مع اندلاع هذه الثورة، كان لزاماً على المدن المُحرَّرة، أنْ تنتقل بثورتها إلى مؤازرة المدن المحاصرة، فأرسلت بشبابها الثائر لأجل فكّ الحصار وتطهير هذه المدن من براثن الدكتاتورية، لكي تلتحق بعربة الثورة، ما أدى إلى تدويلها، وجعلها قضية دولية بعد تحولها إلى مجلس الأمن والسلم الدوليين.
لقد كان المشهد السياسي في ليبيا في ظلّ حكم العقيد القذافي استثنائياً، ما جعل من ثورة 17 فبراير ثورة استثنائية هي الأخرى، فاتخذت هذه الأطوار الثلاثة، لتكون ثورة جامعة ومانعة لكل مظاهر الثورات، محركها الدافع الذاتي الذي جمع بين الشعب بعامة، وهو تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الاضمحلال لا النمو، وانتشار الأمراض الاجتماعية المزمنة، والتذمر من حالة القمع والتعسف.
وقبل أن تصل الثورة إلى منتهاها بإسقاط نظام "القذافي" عند تحرير المدن المحاصرة كافة، لا يجب على الثوار النزول من على قمة الجبل والانشغال بتقسيم الغنائم والأغنام، لأنّ العدو ما يزال رابضاً في السفح، ويتحين الفرصة وهو يتربص بهم الدوائر والمربعات والمستطيلات والهرم الذي ما يزال على قمته وإن فقد الشرعية (شرعية الحكم والشرعية الثورية)، لذا يصعب خلق أي كيان سياسي بمؤسساته في هذه المرحلة، لأن الأنظار ستكون مشدوهة ومشدودة وموجهة نحو هذه الغاية قبل أي شيء ثانٍ، فلا يجوز أبداً القفز على هذه المرحلة إلى مرحلة تكوين البنية السياسية التحتية من العدم، فتجربة الديموقراطية في ليبيا، تستلزم في البدء صياغة الدستور الوطني الذي ينظم الحياة السياسية، وتقرّه لجنة مؤلفة من فقهاء السياسة، تُرشح بالاستفتاء والإجماع الشعبيين، فالعمل خارج هذا الإطار القانوني سيكون غير قانوني، علاوة على أنه سابق لأوانه، طالما أنّ البلاد لم تتحرر بعد من ربقة الدكتاتورية، التي منعت وجود أي مظهر ديموقراطي شعبي في ليبيا طِوال 42 سنة من الاستبداد والاستعباد.
غير أنّ ذلك، لا يمنع من تصور الحياة السياسية- ووضع الخطوط العريضة لها- التي ستكون عليها بلادنا بعد ذلك، وسوف لن نجترح المستحيلات ولا نجتهد في هذا التصوّر، فهناك قوالب ديموقراطية معمول بها في سائر بلدان العالم الديموقراطية والمتقدمة، سواء في الغرب الأوربي أو أمريكا وبعض الدول المسلمة، التي خاضت هذه التجربة السياسية الديموقراطية منذ فترة بعيدة مثل أندونيسيا وماليزيا وكذلك تركيا، التي استطاعت ممارسة هذا الحراك السياسي، مع أنّ التجربة الديموقراطية في تركيا، لم ترتقِ بتصوري إلى مصاف الدول التي تساوت فيها مكونات شعوبها العرقية والأثنية، من حيث المشاركة في الانتخابات وحق التصويت والتمثيل، فهي لم تساو بين الأتراك والأقلية الكردية بهذا الشأن، فمسألة البحث والتنظيم لأجل إيجاد النظام السياسي البديل لنظام القذافي الفوضوي قبل وبعد سقوطه، هو مضيعة للوقت، وقد يدفعنا إلى منزلق آخر مازلنا لم ننتشل أرجلنا التي غرقت فيه حتى الركب، وهو قيام القذافي بتجاهل الأنظمة الديموقراطية الحديثة التي أثبتت جدواها، واختلاق نظريته الثالثة من جهنم أفكاره، ففوتت علينا الوقت والمال من دون فائدة، ببرهان أنه ما انفك بعد هذه الثورة، يدعو إلى إجراء انتخابات لتحديد مستقبل ليبيا السياسي، وهذه الآلية أقرتها القوالب الديموقراطية المعروفة وقد تنكر لها القذافي ووصفها بالدجل مديداً.
فعندما يتم الاتفاق على الإطار السياسي العام لليبيا، من حيث كونه نظاماً ملكياً دستورياً أو جمهورياً رئاسياً أو برلمانياً تمثيلياً، آنذاك يمكن استجلاب القالب الذي يتماشى مع اختيارنا، فلست أرى في هذا الاستجلاب أية غضاضة، طالما أثبتت هذه القوالب نجاعتها في البلدان التي طبقتها.
هذا الرأي والتصور، احتفظت به طويلاً ولم أتطرق إليه في أية مقالة، لأنني أعي بأن مجرد التلميح إليه هو قفز على مرحلة الثورة التي لم تكتمل بعد، وأنه من الواجب في هذا التوقيت تعبئة الرأي العام من أجل إنجاح الثورة في منجزها الأول وهو إسقاط العقيد، عملاً بالمأثور الشعبي (البقر راس براس)، لكنّ ما ساقني إلى الخوض فيه الآن، هو كثرة ما يُشاع ويطرح بشأن السؤال المُعنّون به مقالي هذا في الندوات التي لم أحضر أية واحدة منها، لكني قرأت عناوينها في الصحف، فالدعوة إلى طرح مثل هذه الأمور في هذا الوضع الراهن، هو محاولة لتشتيت الثوّار وإنزالهم من على قمة الجبل في هذا الوقت الحرج، فالثوّار لا يهمهم شيء سوى أن تتحقق تطلعاتهم في الديموقراطية والعدالة، وأن يروا مجتمعهم مدنياً ومؤسساً بحسب ما توصلت إليه دول العالم الحر صاحبة الريادة في هذا المجال، وإن كان من أمر يقضُّ مضجعي، فإنني أحلم بدستور رائع، جامع ومانع لكل شؤون حياتنا، وليس في الأمر غضاضة إن وصل عدد مواده إلى خمس مليون مادة، بحيث يسطر كل مواطن فيه مادة له، يعبر فيها عن أحلامه وأمانيه وتطلعاته.
آسف لأنني ضحكت عليكم، ولم أجب عن هذا السؤال، فقد بيّنت لكم رأيي به، من دون جلبة، ولا استطالة في السلك الدبلوماسي، الذي قد يضيع إبرة البوصلة، فنهلك دونها، ونصبح على ما فعلنا نادمين وخادمين لكل أفّاق مهين.
بنغازي: 7/7/2011