الثلاثاء، 31 مايو 2011

بشـّار سوريا ونحّول لـيـبـيـا

بلغ الأمر بالدكتاتورية العربية، حدّاً من الاستبداد إلى درجة أن تحوّل بلدانها إلى ممالك من نوع آخر، مع أنها تدّعي سيادتها لدول تـُسمى جمهوريات، جاءت إثر انقلابات عسكرية فاشية، قوّضت حكم الملكيات، التي كان الفضل في الغالب الأعم لمؤسسيها في نزع حقّ الاستقلال من المستعمر الأجنبي بالتضحيات الجِسام والعصيان المدني، وبناء الدول الحديثة بما توافر لها من إمكانات محدودة، بل إنها لم تصل إلى عروش الحكم في هذه البلدان، إلا لتقدير الشعوب العربية لها واعترافاً بدورها في فكّ هذا الحقّ المغتصب من المحتل، وقد حظيّ هؤلاء المؤسسون الآباء بقدرٍ عالٍ من الإجماع ومباركة ومبايعة الرعية لها، ولكنْ بعد تنامي ظاهرة المنتسبين إلى تيارات (سيبيريا) الباردة من اليسار والشيوعية والتقدميين، عصفت بصقيعها المخيلة العربية، حتى تجمدت أوصالها وأصابت العقل والوجدان العربي بخدرٍ، شلّ تفكيرها وعماها عن الحقيقة، فاتجهت الأنظار صوب قيدوم المُنقلِبين العرب، الرئيس المصري "عبد الناصر"، الذي لم يكتفِ بخرقه للشرعية في "مصر"، بل ناصب العداء للملوك العرب كلهم، ففتح أبواب وأبواق قنواته الإعلامية، لكيل الشتائم بمنجنيق قذف السُّباب على أكثر من جهة وجبهة عربية، وعلى رأس هذه الأبواق، محطة صوت غُراب البين- العرب- الذي نعق في البلدان العربية كنذير شؤم، بالتعبئة والتحشيد مستهدفاً هذه الشعوب لتأليبها على حُكّامها الشرعيين، ، لتنقلب- من ثم- في ثورات شعبية، لكنها خيّبت مساعي هذه المحطة السنتيمترية الرامية لإثارة الفوضى، فلم تتفاعل الشعوب مع هؤلاء (الحنجوريين) الجهوريين والجمهوريين، من جيوش إعلامه، في حربهم الدعائية المُغرضة ضد الوطنيين، مع أنها خرجت في مسيرات مُسيّرة تحت تأثير العاطفة والانخداع- كما الفتاة وراء شاب مخادع، سرعان ما يرمي بها في غُرف الحانات ذوات الرايات الحمراء، بعدما ينال منها وطراً- وراء الزعيم الأوحد، ولم يحدث أن ثار شعب عربي واحد على مليكه، على الرغم ممّا أدّعت هذه المحطة من رجعية وبرجوازية وتخلُّف هؤلاء الملوك المتوّجين، ووقوفهم كحوائط صد، ضد تطلعات الشعوب العربية نحو التقدُّم والتكامل والوحدة والتحرير، وبأنها أنظمة امتدادية وأذيال للمستعمر، وهي التي حرّرت البلدان من المحتل- كما أسلفت- بفضل وفعل سياسة وحنكة هؤلاء الملوك، فصبّت من خلال راديو صوت العرب، التي أنشأها الرئيس المصري الأسبق "عبد الناصر"، فكان هو رائد العساكر سوسة، الذين خطوا خطاه على جنزيل الدبابات في أكثر من بلد عربي، ودثـّر تمرده العسكري بغطاء الثورة، فمدّهم بالعون والسند، وسنّ لهذه الحركة الاغتيالية للدساتير العربية الشرعية، وعلمهم فنون القمع والتعذيب في السجون، وكيف يستطيعون خِداع الشعوب واللعب بعواطفها.
ومن قاعدة "من لسانك أدينك"، فإنه يحقُّ للشعوب العربية، أنْ تـُحاجج هؤلاء العسكر، الذين سوّغوا لأنفسهم، لأنْ يقوموا بهذه الانقلابات باسم الثورات، بأنْ تطلب إليهم الرحيل على ظهور خردة الدبابات التي أتوا عليها، وأن تبرّر لذلك باتهامها لهم بالعمالة والخيانة وإضاعة استقلالات بلدانهم- كفعل "صدّام حسين" الذي أفقد "العراق" استقلالها باحتلال الأمريكان لها، وهو أعز ما يملك أبنائها، الذين رفع أجدادهم السلاح، حتى تحرّروا من ربقة المستعمر البريطاني- وتعريض أمنها السياسي والاقتصادي للانفلات وللمخاطر، والتفريط في ثوابت الأمة، وعملهم على تقسيم ما كان الأولون قد وحّدوه من أقاليم- مثل ما فعل "القذافي" و"مبارك" بشأن تقسيم السودان- وأن تـُحملهم مسؤولية كفر البعض بالمشروع الوحدوي، الذي اتخذوه مطيّة قبل دباباتهم، وهم في طريقهم الملتوية إلى السلطة، وبأنّ الدور جاء عليهم، ليذوقوا ما جرّعوه للملوك بالتهم والحجج نفسها، الواهية سابقاً والدامغة تواً.
إنّ ما قام به العسكر، من بائعي الشعارات والمنتحلين لشخصية الوطنية في كل قطر عربي، بتمردهم المسلح، لم ينجم عنه إلا تحويل الممالك الدستورية العربية قبلهم إلى ممالك للعسل، خارج خلايا النحل، وداخل خلايا التآمر على الشعوب، و ما هو إلا وسيلة للـ(تعسيل) على مناصب الحكم العربية، ولعلّ في الانقلابين المتواقتين، الذين حدثا في "ليبيا" و"سوريا" في نهاية الستينيات والسنة الصفر من سبعينيات القرن المنفرط، تحت اسمي ثورة الفاتح والثورة التصحيحية المجيدة، مثالين لا يحتذيان، جاءا بوريث رسمي وآخر كان يعد لذلك في مملكتين غير الممالك السابقة، بل تعودان بالعرب إلى ذاكرة حكم المماليك، الذين قد يورث الواحد منهم التاج لابنه أو زوجته أو جاريته أو سيّافه.
على الرغم من (الدبورات) التي يحملانها على أكتافهما، إلا أنّ بشّار سوريا ونحّول ليبيا، هما دبّوران شرهان، لا يتصفان بأخلاق العسكريين الشرفاء، الذين لا يواجهون شعوبهم بالعداء، ولا يوجِّهون إليها رصاصاتهم، فهما لم يسهما أبداً في الرفعة ببلديهما، ولم ينضما إلى صفوف وجموع الشعبين في سوريا وليبيا، المنادية بحقوقها، مع أنهما ومنذ ظهورهما الأول على الواجهة السياسية، المُلمعة بنكهة الإصلاح وبسوائل الأموال المُسالة في آبار جيوبهما من الخزينة العامة، وبوجوه مريديهما، التي مسحا فيها- كمناشف و(فوط)- زلاتهما وإخفاقاتهما عن رضا منهم، قد أعلنا عن تبنيهما لخارطة طريق جديدة، تـُعدّل التعرجات والانحرافات التي سبّب فيها والداهما، منذ تشكيلهما لجبهة الصمود والتصدي، التي نطحت بـضربة روسية (مزوغدية) الجبهة الداخلية للبلدين والجبين العربي، حتى (تكدّمت) ونتأت إلى الخارج، لكنهما في مخبوء مكنونهما، كان يُخبئان تحت أجنحتهما وخطوطهما الدائرية المرسومة على ظهريهما، بواطن عظيمة، فقد نظرا إلى بلديهما بمنظوري أبويهما، فليبيا وسوريا بخيراتهما ومروجهما في الجبل الأخضر والشريط الساحلي على البحر المتوسط (في الأولى)، وجبل قاسيون والشيخ مسكين (في الثانية) ليستا إلا مرتعين للنحل، يخرج في الصباح من خليتين- كأي خليتي نحل- ولا يعود إليهما إلا عند الغروب، مُحملاً بألذ وما طاب من رحيق الورود والزهور الدرناوية والدرعاوية، فتتقاطر هاتان الخليتان، عسلاً وشهداً، من منظور الدبور، الذي يحوم على خلية النحل، فيفزعه بطنينه، فتهرب الملكة (ملكة النحل) بشهدها (شرفها) مع بعض الخادمات، وتذر خلفها بيضها الملكي، ثم يشعل فيها الدمار، ويأتي على السائل واليابس (العسل والشمع)، بتهمة أنها خلية للتآمر مع الصهيونية العالمية، ويستشهد بالشكل الهندسي لغرف الشمع السداسية، غير أنهما نسيا بأنّ أية لسعة منهما للنحل، سوف تردياهما صريعين، لأنّ الدبور إذا غرس (سلايته) في لحم الإنسان، فإنه لن يستطع افتكاكها من جسده، كما يفعل عند مهاجمته للمخلوقات الأخرى، وإذا أصرّ على نزعها، فإنه سيفقدها وتعلق بالجسد البشري، وهذا ما سوف يحدث مع كليهما، إذ أنّ أول رصاصة تجرأ كل واحد منهما على إطلاقها ناحية أبناء شعبه، ستكون كمسمار (عشرة) صدئٍ وأخير في نعش حكمه، لا يستطيع البتة أن ينتزعه وإلا تكسّر رأسه في خشبه.
بنغازي: 31/5/2011











الجمعة، 27 مايو 2011

نهاية الحرب ستكون مع بداية شهر يوليو

ما تزال الحرب في ليبيا مُستعرة بين "القذافي" و(؟).. لا ليس كما توقعتم أن أكتب، فهي ليست إلا بين "القذافي" والشعب الليبي، على الرغم من دخول قوات حلف الناتو على خط النار، كأداة تنفيذية لقرار الأمم المتحدة رقم 1973، إذ أنّ ميلشيات القذافي، لم تستهدف بنيرانها إلا المواطنين العُزّل، ولم توجّه مباشرةً إلى طائرات الحلف، ولم تطل حتى بوارجه الرابضة على شواطئ ليبيا على (قرب) عشرين كيلو متر، فلا أسقط طائرة ولا أغرق بارجة، ولا قدر على إيقاع ضحايا بين أفراد هذا الحلف، كل شيءٍ كنت أتوقعه، إلا أنْ يأتي يوم علينا نحن الليبيين، نرى ونسمع فيه الغرب الأوربي وأمريكيا، يرجوان "القذافي" أن يكفّ أذاه عنا، وهو مصرٌّ على ترويعنا وتقتيلنا، بل واللحاق بنا حتى في مخيمات "تونس"، فصار الشعب الليبي في هذه الحرب، كالذراع التي يصرّ "القذافي" على ليِّها، كي يغيض ويوجع بفعلته الغرب، لكأنه يريد أنْ يصل إلى غاية معينة أجهلها، لكنها بكل توكيد هي مسعاه، وربما لا تتجاوز كونها رغبةً منه في إعطائه الأمان حال خروجه من البلاد، لا أقصد خوفه من ملاحقتنا له، فهو لا يعيرنا أية قيمة، ولكنها خشيته من أنْ يصبح طريداً لكلاب صيد الغرب في منفاه بأدغال أمريكا اللاتينية، أو أنْ تتسلق إليه في كوخه فوق أشجار غابات السافانا الأفريقية، أو أنْ تطارده في روسيا البيضاء (بيلا روسيا) وهي تجرُّ وراءها عربات التزلج على الجليد، لتضعه فيها هو وعصابته، فإذا ما ضمن ذلك، سيتوقف عن قتال الغرب، أقصد قتالهم بقتله لنا، ولكي يخرج من البلاد بصورة الوطني والمجاهد، الذي لم يثـُر عليه الشعب، بل الأجنبي الغازي، أي بقصد أنْ تنتهي مرحلة حكمه لليبيا بصورة مخالفة للتي انتهى بها الرئيسان التونسي والمصري، وربما هذا ما قصده ابنه "سيف الإسلام" عند بدء الثورة في خطابه الموجّه للداخل والخارج، لما صرّح بأنّ أبيه- لعن الله والداً وما ولد- يختلف عن "مبارك" و"بن علي"، فانظروا كم هو مريض ومستبد، لا تهمه دماء الشعب الليبي، بقدر ما يعنيه أنْ يوهم نفسه بالانتصار.
هذه أول حرب من نوعها، في أسباب اندلاعها وحيثياتها وحجمها وأهدافها ومردودها على المنطقة، إقليمياً ودولياً، إذ أنها ستخلّص الدنيا من هذا المعتوه، وذا ما يفسر ربما، أن العالم بأسره لم يشهد، أية تظاهرات شعبية مُندِّدة بها، سواء في الدول التي اشتركت بقواتها في عُدتها وعدادها أو غيرها، فحتى الدول التي كانت تحسب على "القذافي" في تحالفاتها حتى وقت قريب، لم تخرج فيها أية مسيرات احتجاجية ومتعاطفة معه وتطالب بوقف هذه الحرب، ولم ترفع فيها أية لافتة تؤيد هذا المجرم وتعتبره بطلاً، والسبب معروف، هو أنه يقتل الشعب الليبي، فلم تكُ حرباً ظالمة ولا عدوانية، ولم تتخذ أي مظهر استعماري، ولعلّ "القذافي" قد راهن على هذه التفاعلات الدولية والشعبية، غير أنه قد صُعق ببلادة المشاعر تجاهه، حتى بعد إدّعائه بمقتل ابنه، وبردّات الفعل المُخيبة له، والمناصرة لاستمرارية هذه الحرب، أو دعوني أقول، العمليات الجراحية المحدودة، التي فرضتها وحشية هذا الظالم، وكلنا نتذكر غليان شعوب العالم وسخطها على المشاركين في حرب تحرير الكويت، وإخراج الجيش "صدّام حسين" منها، مع أنه مارس أمقت شيئاً كادت الشعوب أن تتناساه وهو الاحتلال- فأنكأ جراحها- بُعيد الحرب العالمية الثانية، كما أنها تضامنت مع الرئيس العراقي بعد العدوان، الذي شُنّ عليه في عام 2003ميلادية، لأنه بريء مما نـُسب إليه بخصوص حيازته على أسلحة الدمار الشامل ودعمه لتنظيم القاعدة، ولأنّ تلك الحرب لم تكن شرعية أبداً بعد معارضة (فرنسا/شيراك) لها، إلى حدِّ استعمالها حق النقض (الفيتو) في كواليس جلسة مجلس الأمن، غير أنّ عناد (بوش) الابن، هو من أشعل جذوة تلك الحرب العدوانية.
دلفاً إلى عنوان المقال، سأفصّل بشيءٍ من الحقائق العسكرية، التي بنيت عليها ترجيحي المُتعلِّق بموعد نهاية هذه الحرب، ففي حرب الخليج الثانية، لم يستطع الجيش العراقي، الذي أُعِد يومها من أكبر جيوش العالم، عدة وعديداً، أنْ يصمد في حرب متكاملة عليه، لمدة ثلاثة أشهر أمام القصف الجوي المكثّف على حشوده وتحصيناته ودوشمه في الكويت، التي أعتبرها من محافظاته، أو هي بعض الهكتارات المنزوعة من مزرعته الخاصة، وكذلك منشآته ومعسكراته داخل العراق في العملية الأولية، التي تسبق أية حرب نظامية، بتحيّيد طيران العدو- ومن ثم- كسب سماء المعركة، فبدأ التحالف القصف الجوي لتسعين يوماً تقريباً، ثم أُعطي الأمر بتدخل جيوش التحالف الثلاثيني على أرض الكويت، وتقدُّمها حتى اختراقها للحدود العراقية، وهي تلاحق فلول "صدّام" الذي اغترّ بجيشه، بحسب الوزير اليمني "حيدر أبوبكر العطّاس" حينما حاول إقناعه بسحب جيشه طواعية، وأن يُبعد شبح الحرب على المنطقة، وما ستجره تداعياتها على العرب، لأنّ هناك دولاً عظمى ستستهدف جيشه، فردّ عليه "صدّام": "العراق أيضاً دولة عظمى" وهو التعبير غير المنطقي ذاته، الذي اتخذه "القذافي" في خطاب أو زلة- زلقة- (زنقة زنقة) وقتما وضع نفسه في مصاف الدول العظمى وهو يبرر لما سيقوم به من جرائم في حق شعبنا، بذكره لما اقترفه جيش الاحتلال الأمريكي بمدينة (الفلوجة) العراقية من مجازر، والصيني في قمع اعتصام الشباب في ساحة ميدان السماء، والروسي ضد البرلمان في عهد (يلتسين).. أيضاً فإن الجيش اليوغسلافي، لم يصمد أمام ضربات حلف الناتو في عام 1998ميلادياً، وهو أهم وأقوى من ميلشيات "القذافي" وجيش "صدّام" الجمهوري والشعبي، وأكثر تنظيماً منهما، والمُتمتِّع بخطوط الإمداد السالكة من جارته الحليفة (روسيا الاتحادية) إلا لمدة ثلاثة شهور، من هنا أخلص إلى نتيجة واحدة، مؤداها أنه بنهاية شهر يونيو (6)- لمن أنساه القذافي ترتيب هذا الشهر بتسمياته الشهرية- ستكون الحرب على ميلشيات "القذافي"، قد قطعت مدة زمنية تزيد على ثلاثة أشهر، ولكن عند مقارنتي لهذه المدة بنظيرتيها في العراق ويوغسلافيا (صربيا) نجدها أطول، لكون هذه الحرب هي محدودة الأهداف وتتركز في منطقة جغرافية بعينها، هي التي ما يزال يتواجد فيها "القذافي" وقواته، ومما لا ريب فيها، أنه على الرغم من محدوديتها، إلا أنها أوجعت "معمر" وحدّت من فاعلية قوته كثيراً، لكنه يكابر ويثابر على الكذب والاستعلاء.
النهاية الحتمية لهذه الحرب، قد تسبق الموعد الذي حدّدته، في حالة استجابة "القذافي" للضغوطات الدولية وإقراره بالهزيمة التي حلّت بميلشياته، ولكنه إذا استمرّ في تعنته بعد ذلك، ستعلن كتائبه الهزيمة النكراء في نهاية شهر يونيو غصباً عنها.
26/5/2011





الخميس، 26 مايو 2011

ليس جلداً للذات

عندما ثار الشعب التونسي في ثور الياسمين على حكم رئيسه المستبد، كان يعلم بأنه مُحاصَرٌ ومُحاطٌ بستارين فولاذيين لدكتاتوريتين عربيتين شرستين في ليبيا والجزائر، وتعيش حكومته وأجهزتها القمعية على دعمهما من عائدات النفط والغاز فيهما للرئيس "بن علي"، لدرجة أنّ الكثيرين اعتبروه صنيعتهما في تونس منذ عام 1987ميلادياً، ولا يمكن بأية حال، أن تتركاه لمصيرٍ هو الآن عليه- الإطاحة به ثم هروبه- إلا أنّ ذلك لم يفت في عضد هذا الشعب، وأصرّ على ثورته، ولم يستطع لا "معمر" ولا "بوتفليقة" فعل شيء لحماية رجلهما، وتركاه يتجرع كأس الهوان والذلّ، وبمجرد أن فاحت نسائم عبير الياسمين أرجاء شمال أفريقيا، وضع البعض عندنا مناديل الخوف، بل لا أجدني أبالغ إذا قلت كمّاماته، ساداً بها أنفه كي لا يتلذذ بعبقه، مفضلاً أنْ يستنشق  ما تطلقه مجارير معسكر باب العزيزية من نتانة الطغيان، بقـُمع القمع وسحّاحة السحل، حتى لا تصيبه عدوى هذه الثورة الأم، فتخطانا حتى وصل إلى "القاهرة" فسرى هذا العبير في رئة البلاد وطهرها من تلوث الطغيان الأسود الذي يسبح في سمائها، فأصيبت بمنشط الحرية الذي مدّ في أوصالها معنى الكرامة، فثارت مصر بشعبها، لا تلوي على شيء سوى الانعتاق، غير مبالية بأنها بين شقي رحى حليفين لنظام الطوارئ في مصر (المحروسة) بعدوين مجرمين هما ليبيا وإسرائيل، وهو الذي خُوِف مديداً بعمالة "مبارك" لإسرائيل، وأنها سوف لن تتركه فريسة لأنياب الثورة والجياع في مصر إن وقعت، وقد وقعت فماذا قدّمت إسرائيل وليبيا القذافي له، ها هو الآن في عداد السجناء.
لقد تأخرنا واستصغرنا قدرتنا، وبواهيات الحجّج تحجّجنا ، بأننا كنا نخشى من تأييد "مبارك" و"بن علي" للقذافي، في حين كان هو نفسه العامل المشترك ضد ثورتي "مصر" و"تونس"، ومع ذلك نجحتا رغماً عن أنفه المتغطرس وما يمتلكه من إمكانات، مع العلم بأنه ولا شك يعرف ما يعنيه سقوط رديفيه وذراعيه في هذين البلدين.
في الماضي ومنذ ثلاثين عاماً، ساءت علاقة "القذافي" بالنظامين القائمين في هذين القطرين العربيين، أيام الرئيسين "السادات" و"بورقيبة" الذي لم يستطع "معمر" ليّ رقبته أبداً على الرغم من فقر تونس وحاجتها إلى المال الليبي ولو على حساب شعبنا، وكثيراً ما استهزأ بتهوره في حضوره، ولعلّ تسجيلات الـ(فيديوهات) تحفظ بعضاً من المقاطع للمشادات الكلامية (الهزايب)، التي حدثت بينهما، مثل ديكين في حظيرة مليئة بالدجاج، الغلبة فيها، تحسم دوماً لمصلحة الأكبر سناً والأقدر على المناورة، فيرمى ويعزل الديك المهزوم خارج الحظيرة، فكانت للرئيس"بورقيبة" القصير القامة على الديك الطويل الأهبل، الذي لم يحدث بعد نتوئين في قدميه كعلامتين لنضجه، وقد قدّم الرئيس الراحل هدية للشعب الليبي في إحدى هذه المقاطع القديمة (بلا ألوان) حينما جعل من "القذافي" (قراقوزاً شكوكياً) ومرّغ أنفه في الرغام، وجرّده من أية حنكة سياسية، وأي قدر من المسؤولية في إحدى المرات والممرات الضيقة، التي يصعب عليه الفرار منها، لكننا ما رميناه خارج بلادنا، ومثله فعل الرئيس الراحل "السادات" في مصر، الذي نعته بالمجنون واتقى شر القذافي بحربٍ ردعته عن مصر، وانضمّ إليه الرئيس السوداني "جعفر النوميري"، ولا ننسى كذلك رئيس تشاد "حسين حبري" فكانت الظروف مواتية وتصبُّ في صالح الشعب الليبي، بيد أنّ "القذافي" حوصِر في تلك الفترة وعُزِل عن إقليمه، ما دفع إلى إمكانية الثورة على نظامه المنبوذ وقتئذٍ.
لست ممن يثبطون العزائم، لكني بعرضي لهذه الأحداث والشواهد، أردت أن أفسّر إصرار "القذافي" على قمع الشعب الليبي في هذه الثورة، وتبيان سبب إيغاله في دماء الشهداء والمغتصبات من بناتنا، فقرار الثورة ضد حكمه، كان بأيدينا قبل أن يكون رهينة للظروف الإقليمية، التي صبّت لعديد السنين في بحرنا الهادئ الذي لم يضطرب ويهـِج إلا الآن، فلست أستغرب منه أن يستقدم المرتزقة ليغتصبوا ماجدات ليبيا، وهو المجنون الذي حذرنا منه الرئيس "السادات"، ووضعنا قطن مصر طويل التيلة في آذاننا كي لا نسمع شيئاً، مع علمنا بأنّ المجنون لا يرعوي عن فعل أيّ شيءٍ.
حتى وقت قريب، تجمدت في عقلي قناعة قد تكون متطرفة، مؤداها أن على الشعب الليبي أن يتوقف عن مظاهر الفرح جميعها، فلا يضحك ولا يلهو ولا يلعب ولا .......، حتى يكون جديراً بالحياة فيهنأ بها، لما يتخلص من هذا المجرم.
زياد العيساوي
بنغازي في : 25/5/2011






الأربعاء، 25 مايو 2011

بنغازي .. مدينة بياننا الأول وبيانه الأخير

إنّ النّاظر إلى حال ثورة الشعب الليبي الجارية في هذه الأيام، حتى رحيل الطاغية، تحت شعار: "الشّعب يريد إسقاط النظام"، والمستمرة بعون الله، حتى يتحقّق شعارها في المرحلة الثانية: "الشّعب يريد إحلال النظام" بإقامة الحرية ودولة المؤسسات القائمة على العدل وحقوق الإنسان، وهي آتية لا محالة، يرى في هذه الثورة تبايناً جلياً مع ثورتي "تونس" و"مصر" لكون الثورة في هذين القطرين، نجحتا في إسقاط رأسي النظامين فيهما، مع بقاء جسديهما بأعضائهما المتمثلة في رموز ووزراء الحكومتين في مراكزهم، وسيتم الإصلاح- إنْ تم- على نحو بيروقراطي بطيء ومتعثّر، قد يستمر إلى مدة طويلة، حتى يتحقّق للشعبين ما أرادا، وهذا ما تؤكده الوقائع الحادثة فيهما، ذلك أنّ ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني فيهما، التي رأى بعض السّاسة بأنها ستسهم في الانتقال السلمي إلى الديموقراطية، وتحويل المجتمعين من مجتمعين قمعيين إلى ديموقراطيين، لم تقوما أساساً،  على أُسّس المؤسسات المدنية الواجبة، التي تخضع للشفافية والتداول على المراكز الحساسة، بل كانت جميعها تتبع لنظامين متحايلين، حاولا أنْ يصدرا للعالم، صورة باهتة وغير حقيقة للواقع السياسي الدائر على ساحتي بلديهما، حتى يسيرا في ركب المجتمعات الحرّة، فينالا بعض المكاسب السياسية- ومن ثم- الاقتصادية، وليبعدا عن نفسيهما شبح المتابعة والمحاسبة من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وما إليها، فالأصل في هذه المؤسسات أنْ تعمل على تمكين الشعوب من نيل الحرية، والحصول على حقوقها في جو سلمي وآلي وقانوني، غير أنها في هذين البلدين، لم تقوما بما هو منوطاً بهما، بما في ذلك القضاء الذي أعده أهم مؤسسة في مؤسسات المجتمع المدني، كان يتبع للدولة، بفروعه جميعها، بما في ذلك المحاكم العسكرية، التي كانت تحكم بالإعدام والسجن المؤبد على كل معارض مدني، بل قد يحتجز المواطن، لشبهة ومن دون حتى أيّة محاكمة جائرة، وهذا ما تعرّض له بعض الناشطين السياسيين والصحفيين في هذين البلدين العزيزين، ولا ننسى مؤسسة الإعلام، التي تطبّل للحاكم بأمره وأولاده، أي بقصد، أنّ من شأن المؤسسات المدنية القائمة في جو كهذا، أن تكون عوامل سلبية لا إيجابية أمام تطلعات الجموع، حينما تثور.
أما في "ليبيا" فالحال تختلف تماماً، مع عدم وجود مثل هذه المؤسسات الحقيقة ولا المزيفة، وهنا أودُّ أنْ أخبركم بما دار بيني وبين أحد المثقفين، قبل وبعد نجاح الثورة في "مصر" و"تونس" فقد علّل سبب نجاحها إلى الفكرة الخاطئة عن وجود هذه المؤسسات فيهما، فأخبرته إنْ كان ذلك كذلك، فما الذي حمل الشعبين على أنْ يثورا، طالما وُجِدت هذه القنوات، التي بإمكانهما إيصال صوتيهما إلى الدوائر الحاكمة، ومطالبتهم بحقوقهما من خلالهما ؟ فهذا يشي بانتفاء دورها، ويعني بطلان قيامها أصلاً، وعن "ليبيا" عقّب: طالما أنه لا وجود للأحزاب والنقابات والروابط والإعلام الحر والقضاء المستقل.. فالأمر- يعني الثورة- أراه استحالة" والكثير كان على رأي هذا المثقف، الذي لم يعِ ما تعنيه الثورة، فالثورة تجبُّ ما قبلها وتهدم كل ما بُني على جرف هار، وأُسس على باطل، لقد كان لغياب هذه المؤسسات- على سوئه- دورٌ فاعلٌ جداً في حتمية الثورة ونجاحها، والدليل على ذلك، أنّ في الأيام الأولى لها، وبعد استتباب القرار للشعب الليبي، أنْ أقام مجلسه الوطني المؤقت، كنواة لحكومة ممثلة لإرادة الشعب، وليست من بقايا النظام القذافي المنهار، بل هو من سحب الشرعية منه، لإجماع الليبيين عليه، كممثل شرعي لهم، ما يعني أنه بسقوط "القذافي" المُمثِّل لرأس حربة النظام في بلادنا، ستتعفن جثة النظام كلياً، وتدفن تحت تراب التاريخ، ولن يبقى لها أثر، وهذا بخلاف ما جرى في "تونس" و"مصر" مع اعتزازنا بالثورتين المجيدتين فيهما، وهذا ما يُدلل على أنّ "ليبيا" كانت المؤهلة، لأنْ تكون الشرارة الأولى للثورات العربية، والنبراس الذي يوقد منه الآخرون مشاعل ثوراتهم.
لقد كان من شأن هذه القناعة، التي تملأ رأس ذلك المُثقف، أنْ تُفشل هذه الثورة في مهدها، وتُطفئ نارها في غُمدِها، مع غياب الفهم الحقيقي لمعنى الثورة، والإيمان بتحقُّقها ومسوجباتها ودواعيها، ومعرفة تاريخ ثورات الشعوب، التي عادة ما يُكتَب لها النصر المؤزر.
بنغازي، تلك هي المدينة الوادعة على ساحل المتوسط، التي احتضنت ثورة شباب 17 فبراير، تلك المدينة، التي أسقطت جبروت نظام مستبدٍ، منذ أول يوم هذه الثورة المُباركة، تلك المدينة، التي برت بوطنها، وهبّت كأول مدينة من مدننا الحبيبة، صارخة في وجه الطُّغيان، لتزيح عن سمائها ظلاماً، خيّم عليها 42 سنة، تلك المدينة، التي رفضت أنْ تكون بيانه الأول، وانتصرت لسكانها المسحوقين، وانتقمت لاسمها ولشهدائها ولتضحيات أهلها، منذ أنْ دنسها عار بيانه الأول، تلك المدينة، التي كلما حطّ على أرضها زعيم اللصوص، واجهته بغضب الطبيعة، وبرياح القبلي (العجاج) حتى يرحل، ولو كانت زيارته لها في الشتاء، لكأنّي بها تقاوم غزواً من عدو مبين، فكيف تكون بيانه الأول ومهداً لعهد مُعتدٍ أثيم؟.
قالت المدينة قولتها، يوم خرجت في اليوم المنشود، ضاربة عرض الجدار وفي عمق سلة المهملات، كل قول وتحليل وتنظير، قد يُثنيها عن التغيير، ليكتب لها النجاح ويحميها الله من مكر الطاغوت، فتساقطت مُنقبلاته على ترابها، ودُكت عروشه ليلة حاول تهديدها، ليكون وعيده لها البيان الأخير له، خرجت وأفئدة نسائها ورجالها وشبابها وشيبها، تلهج بهذه القصيدة الثورية:
أرحل أيها الطاغية
(عمر الكدي*)
أرحل أيُّها الطاغية
ما عادت البلاد تتسع لك ولنا
أرحل وأترك لنا شمس الشتاء الناعسة
وهذه الأمطار التي تغسلنا من أوساخك
أرحل فلا نريد أن نلوث أيادينا بشنقك
ولا أن ندفنك في تراب سيلفظ جثتك
لا تنسَ أن تأخذ معك أبناءك الفاسدين
وفساتينك العجيبة الفاقعة
خذ كتابك الأخضر وكل هذيانك الأسود
سحناتك المقرفة وخيمتك البائسة
وأترك لنا وطناً
لم يبقَ لنا فيه إلا الأمل
رويناه بالدماء حتى الثمالة
وفي ليلة مظلمة لم يعُد لنا
سرقته منا أيُّها الطاغية
وها نحن نستعيده منك
 ولو بنهر من الدماء
سننظفه من كل أشباحك
ومن كلماتك الرخوة المضحكة
من لجانك وحرسك وأصنامك
أرحل أيها الطاغية
بلادنا تعود لنا جذلانة متعبة
تنفض غبار سنين جنون عظمتك
وتضمد جراحها بكبرياء
 لم تنل منه سنواتك الباهتة
أرحل أيُّها الطاغية
فقد صرت طاعوناً أسود
لا نريدك أن تلوث هواءنا بنتانتك الحامضة
ولا أن تدوس الطرقات بأرتالك المجحفلة
أمهلناك طويلاً
 وها قد تحطم قيدنا وخوفنا
فإذا أنت مجرد جرذ يلوذ بأنفاقه المظلمة
أرحل أيها الطاغية
وأترك لنا بلادنا المكلومة الحافية..
بقلم : زياد العيساوي
بنغازي: مارس 2011


ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): شاعر وصحفي من ليبيا

الثلاثاء، 24 مايو 2011

لن نقبل بغير الأفضل بديلاً

"سأستمر في عادتي اليومية، لن أقف وسأمضي غير عابئٍ بالمعتصمين، بل بالعصاميين من الثوّار، فأرقب ما يجري على مسرح الحرية.. أمضي من البركة حتى الكورنيش، فأنا معتصمٌ هناك من الثمانينيات منتظراً رياح التغيير، ألتقط ما أحبُّ بعينيّ وأدوس على قاهري، وأنشد لحن الحرية الذي أنشد".. (أنا).

*******
وكالة عامة للتظاهرات
غير غيره ممّن أعرفهم- الذين انهمكوا في استحداث الصحف، واستجداد الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، الذين دوماً أخبراهم بأنني لا أحبُّ أن أكون مثقفاً إدارياً، كي لا أنشغل عن الكتابة، ولا أفكر أبداً في إنشاء جريدة جديدة، لأني أعلم بأنّ هذه المهنة صعبة وتحتاج إلى جدية، ثم أنصحهم بألا يغتروا بعدد الصحف الجديدة، فإنها ستتقلص بعد فترة، ولن تبقى منها إلا من تعمل بمهنية عالية، فالاستمرارية في هذا المجال تحتاج إلى صحفي ذي نفس طويل، رئتاه مليئتان بالأكسجين، مثل العدّاء المغربي "سعيد عويطة" لا إلى عدّاء سريع كالأمريكي (كارل لويس)، حتى يستطيع أن يركض خلف الخبر في مضمار العمل الميداني، ولا رغبة لي في أن أمثل الإعلام حتى في منطقتي كعضو من أعضاء المجلس الشعبي، ولو اقترحت عليّ أية صحيفة مشهورة أن أكون من ضمن كادرها، لقابلت مقترحها بالرفض المشكور، ولا سعادة أستشعرها وقت حضوري أو اعتلائي لمنصات الأمسيات والندوات الفكرية (الصامطة)، لأنّ صورة "معمر" وهو ينظر علينا، فيما الحضور يهتفون له: "علّم يا قائد علمنا.. كيف انحقق مستقبلنا" قد انطبعت في مخيلتي، ولكوني كاتباً لا قائلاً، وصوتي يُقرأ ولا يُسمَع له هسيس- ثمة صديق، اقترح عليّ أن أنظم إليه وأسانده، لأنه بصدد فتح وكالة للتظاهرات، تساند وتساعد كل صاحب حق وقضية بالجمهرة والتعبئة لتأييده عبر المظاهرات، ولكنْ من دون أجرة لوكالته ولا ليّ، فوافقته من دون تردُّد، وما أن مدّدت خطوتي الأولى حتى أكد: "وراس العزوز ما اتخليها وصية.. لو ما عندكش رغبة تنضم معايا.. يا ريت لو قابلك حد راقيتله من أي حاجة في أي تركينة.. تكلمني أو اتدزه ليا.. وقوله يدلل.. تو انصبو معاه في مظاهرة سلمية من غير وجيج في شوارع بنغازي.. وبلهجة رقيقة زي السوريين انقولو: سلميي سلميي.. حُريي حُريي".
***
الآن صار بمقدوري، أن أتفرّغ للكتابة عن الوضع القائم والقادم في البلاد بعد حكم القذافي، الذي غدا في حكم المنتهي- وصار مثل مفترس جريح وهرم، ينتظر ساعته، فلا يغرنَّكم زئيره ولا زمجرته، فهي انزعاجه من طنين الذباب والطفيليات التي تحوم حوله- فقد تعديت مرحلة تعداد مساوئ هذا النظام، والكتابة التي تبحث عن المبررات الدافعة في اتجاه إسقاطه، ولم أعد قادراً على أنْ أهذي وأغثي بذلك، أكثر مما قدّمت في مقالاتي السابقة.
يغلب على الواقع، وجود حقيقة قد تساعد أي سياسي ليبي، سيعتلي منصب الحكم في البلاد في المرحلة الراهنة في ممارسة مهامه بكل أرياحية وكفاءة، وهي أنّ الآتي على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، سيكون بلا شك أفضل من السابق، مهما كان للقادم من مثالب وأخطاء وعِلات، أي عند عقد المقارنة بين السيئ والأسوأ في ليبيا، وهذه الحقيقة، ستساعد أيما مساعدة، على تمهيد الطريق أمام الحياة السياسية الصحية المنشودة، التي ستنظم العمل في المجالين الآخرين، ألا وهما الاقتصادي والاجتماعي، اللذان يتأثران بالأول سلباً وإيجاباً، فالأسوأ في الحالة السياسية الليبية، يمثله النظام السابق، والأقل سوءاً منه هو المُرتقب، وهذا مُعطى جيد، سيسهم بدوره في تفهُّم الشعب الليبي لهذه المحنة، ويجعله يصبر على ابتلائه، حتى تجاوز المرحلة الانتقالية، لكنه لن يطيل الصبر في انتظار الفصل الأخير المؤدي إلى ربيع ليبيا، إلا إذا لمس التدرج المُطـّرد في لون الربيع الأخضر حتى يصل إلى درجته العليا على مدارج الجبل الليبي الذي سوف لن يتمخض إلا عن ازدهار واخضرار، يمتد ويزحف على الصحراء الليبية، بعيداً عن مفهوم الزحف الأخضر للقذافي، الذي أصاب ركبتي البلاد بشلل أسود أنود، لذا أنصح القادم بألا يركن إلى هذه الحقيقة.
إن ما أسقط النظام من أعين الليبيين، إنما هو مقارنتهم له بالنظام الأسبق، مع الأخذ في الحُسبان ما توافر لكليهما من سُبل وإمكانات وطول في العمر السياسي، الذي دام للثاني مدة 42 سنة، و17 سنة للأول، فوُجـِد بالنتائج الملموسة، أنّ المشهد الليبي على الأصعدة الثلاثة، في العهد الأسبق هو الأفضل نسبياً ممّا صارا عليه في عهد "معمر".
لقد كمنت مشكلتنا مع النظام السابق- أراني قد عدت للتذكير بمساوئه- في انتفاء وطنيته وجديته وتعكّر نيته، التي لم تصفُ أبداً لأجل خدمة البلاد، فالنهوض بالدولة الليبية أمر هيّن، لا يستوجب ما أوصلنا إليه من كوارث، لتوافر الخبرات والأموال المحركة لأية خطة تنموية من شأنها رفعة البلاد، لذا سوف لن يجد الهيكل السياسي القادم، الذي لم يُتفَق على إطاره البنيوي والشكلي بعد، أية صعوبة في إعادة وصياغة مشهد الحكم في بلادنا على المنهج الديمقراطي الدولي المُتفق عليه، وفي بناء الحياة الاقتصادية الجديدة وفقاً للسياسات المالية المنهجية والحرة، التي تخضع لمكانيزم الرقابة القانونية المنظّمة للأفراد والمجموعات والمؤسسات في إطار خطة مُستدامة، لكنها لا تحد من إتاحة الفرصة أمامهم للإبداع وممارسة العمل الخلاق.
لن نلوي أعناقنا إلى الخلف أبداً، ولن نخشى من همّروجة وفزاعة العودة إلى حالة مشابهة لما كانت تغرق فيه بلادنا من وحل (الوحلة)، بعد أن وعينا الدرس جيداً، وازدّدنا ثقة بنفوسنا، وعلمنا بأنّ بمكنتنا أنْ نقول (لا) ونصدح بها عالياً إلى عنان السماء في وجه وأذن كل محتكر، ونطلقها حارقة خارقة كرصاصة مميتة في مقتل كل مستبد بالسلطة والرأي، فالديموقراطية هي السبيل المُوصِل إلى إقامة دولة الحريات، وهي الأساس الأول لإنهاء المشكلة القائمة بين الحاكم والمحكوم وفق الدساتير المنظمة لهذه العلاقة الشرعية، هذا ما يجب توضيحه ومعرفته جيداً، فما أخـّر نشأة الدولة الديموقراطية في العديد من الدكتاتوريات العربية، هو اللبس الذي وقع بين من يأتي أولاً، هل الديموقراطية أم الحرية؟- وهي ليست بأحجية أو معضلة، ولا تتشابه مع حكاية الدجاجة والبيضة في أي خاصية، فبرأيي من الممكن الفصل في هذه المسألة- ومن ذلك الحرية في الكتابة المعروفة بالصحافة الحرّة، فهذه الصحافة لا يمكن أن تأتي بالديموقراطية ولو بطريقة ليّ ذراع، أي بقصد افتكاكها عنوة من يد السلطة المغلولة، وهذا ما أوقع فيه المثقفين الليبيين، وريثُ "القذافي" الذي لم يهنأ بالعيش على العرش من بعد أبيه- على الرغم من محاولته تجميل و(مكيجة) صلعته بـ(باروكة) الإصلاح، وواجهته بدهان واجهات المباني المتهالكة في بنغازي، وما صاحب تلك العملية الجراحية من خروقات وفضائح مالية- لما انشأ صحيفتي (قورينا وأويا) بدعوى محاربتهما للفساد، تحت شعار زائف وضال ولا أصل له: "نحن الآن في زمن الحرية ولك أن تقول ما تشاء" في واقع صحفي، يفتقر لأي قانون منظم وشرعي، يكفل حرية القول بمعناه الحقيقي، ويستظل تحته الكاتب والمثقف من أحماض أمطار جام غضب السلطة عليه، حينما يقبل بأنصاف الحلول، بل إنّ هذه المحاولة الخبيثة لحل مشكلة الديموقراطية، لا ترتقي حتى إلى عشر معشار الحلول، بدليل أن من صدّق هذه الفريّة، وأصرف في انتقاده لمؤسسات ورموز وشخصيات السلطة، طاله الأذى والقذى، بعدما رشحت وريقات هاتين الصحيفتين عداوته لنظام الحكم القائم، ككاشفتي نيات ومجسّي نبض حراريين في مختبر السلطة التجسسي والتحسسي لأيِّ قلم حُرٍّ، وهذا ما أعلن عنه "محمود البوسيفي" الذي ظنّ بأن مشروع سيده قد نجح، فخرج في أول مقابلة صحفية له على العلن- ومن دون حياء- ليقول: "ما كان الغرض من إنشاء هاتين الصحفيتين، إلا احتواء المثقفين في الداخل" مستنداً إلى مقولة نقيب الطغاة في العالم القعيد (كاسترو) قبل تقاعده، وتسليمه لوسام البغي للعقيد القذافي، إذا قال: "أخشى ما أخشاه على حكمي، كل صرير قلم لمثقف حُرٍّ"، لذلك أليت على نفسي ألا أكتب في صحف العهد المخلوع عن أي أمور تتعلق بالهم الوطني، وإن نشرت شيئاً من ذلك على صفحات (الإنترنيت)، لعلمي بأنّ الخوض في هذا الشأن الصحفي في كيان لا ينظم عملية الديموقراطية والحريات، ما هو إلا نوعٌ من العبث وإحراق للموهبة، وتفرّغت للكتابة الاجتماعية والأدبية والفنية، ما دامت الحلقة بين السلطتين الحاكمة والرابعة، مفقودة.
ذلك إنّ الصحافة الحرة في أصلها، لا يمكن لها أنْ تتقدم على مسمى الديموقراطية إطلاقاً، ولا أنْ تكون أماً لها، فالديموقراطية هي من تحتضن حرية الصحافة والحريات كلها، وهي أم كل القوانين والتشريعات والتنفيذات، فبقدر ما تعطي الحرية بقدر ما هي تـُحجِّم من تغوّل شرّ وشره الطامعين والقافزين على الدستور، وهي كذلك، صمّام الأمان المُسيّر للمجتمعات الحديثة، لذا فإنني أهُدئ من روع وفزع كل من ينتقد الفوضى، التي تشهدها البلاد في بعض النواحي، بأنها آنية وما تزال في فترة الإحماء، التي تسبق أية مباراة ولا تنذر بالخطر، وستستمر حتى ترسم إطار الرؤية السياسية والتنظيمية المستقبلية للبلاد، ويسفر عن وجهه وبقية أعضائه، أي مع ولادة العهد الجديد، الذي لن يكون أسوأ من عهد من لا عهد له "القذافي"، لكننا سوف لن نقبل إلا بالأمثل والأفضل بديلاً.
للديموقراطية قوالب معروفة في المجتمع الملكي الدستوري والجمهوري النيابي أو البرلماني، توصلت إليها التجارب الإنسانية، حتى أعتمِدت بعدما خضعت لمحك التجريب وأثبتت نجاعتها، وكل منظر سياسي يحاول أنْ يفرض على شعبه غير هذين البديلين، هو مُهرطق ويهرف بما لا يعرف، أو في نفسه مفسدة، ولكنْ على المجتمعات المتطلعة لخلق الجو الديموقراطي، أنْ تطبق هاتين التجربتين على نحو صحيح وكامل، ولا تأخذ منهما ما يروق لها ويتماشى مع طبيعتها الاستبدادية، إذ تكتفي منهما بإطلاق الاسم الرسمي على الدولة بعنوان عريض بلا معنى ولا تطبيق كما كان وما يزال يحدث في بعض الأقطار العربية، من مثل (الجمهورية العربية كذا) وما أكثر هذان العنوانان العريضان والغليظان في بلداننا العربية، من دون مسٍّ للجوهر الجمهوري ولا الملكي الدستوري، ما أسفر عن كراهية وكفر الشعوب العربية بهذين الكيانين السياسيين كلياً، نظراً لأنهما لم يتمثلا على الواقع السياسي العربي بعد حروب التحرير ضد المستعمر الأوربي ونيل الاستقلال منه، ولتكفير الأخذ بهاتين التجربتين السياسيتين بدعوى أنهما مستوردتان من لدن المستمعر، أو بالإدعاء المغرض بكونهما تتعرضان مع الحكم الإسلامي، وبالعزف على دندنة هذا الديدن، تمكن المستبد الداخلي أو المحلي مما أراد، وحُرِم العرب من ممارسة حقهم بالمشاركة في الحكم، و تمّ إقصاؤهم خارج دوائر اللعبة السياسية من قِبل "القذافي" الأنموذج الأول للمستبد العربي في العصر الحديث، وهنالك من أعاد وحوّر في هاتين التجربتين، بما يتواءم ويتلاءم مع غريزته الاستبدادية، ويوظف الخطوط الطويلة لهذا النظام السياسي بالانتخابات المزوّرة، إلى أن دفع الشعوب العربية إلى الوراء والنكوص على أعقابها، لتُخرِج من جعبتها الصدئة الحكم القبلي والاصطفاف وراء العشيرة والفرد الملهم، ومما فاقم في مأساتنا، هو استبعاد هذا الحاكم لنا والحجر على بنات أفكارنا بإقصاء أمهاتها وإخصاء آباءها.
زياد العيساوي
بنغازي:23/5/2011







الأحد، 22 مايو 2011

لهذا جيء بالقذافي إلى السلطة شاباً

قال عزّ من قائل: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.

بعد انقلاب سبتمبر، كثر الجدل حول مقدرة "معمر القذافي" الصغير آنذاك-27 سنة- على إخضاع الجيش والرتب العليا من الضبّاط في المؤسسة العسكرية الملكية الليبية، وهي بلا شك مقدرة لم توفرها له موهبته العسكرية ولا الدهائية، بل كانت برعاية قِوى خارجية ولا ريب، وأصابع اتهامي لا تقبل إلا أنْ تشير إلا جنرالات إسرائيل، أو من يعمل لصالحها من الدول الكبرى- عودة لنظرية المؤامرة، التي لا مهرب منها- فهم من مكّنوه من ذلك، وأعطوه المفاتيح السرية للعبة القذرة، التي وصل بها إلى سُدة الحكم، وضمنت له البقاء إلى هذا الوقت، وكل الدلائل تشير إلى هذه الآصرة، التي تربط هذا بأولئك، وقد يكون السبب المُطِّل برأسه خلف ذلك، راجعاً إلى ما قام به الليبيون مع اليهود من عِقاب، عقب هزيمة العرب في سنة 1967 ميلادية، وهم في ذلك، قد تسنّوا بسنة رسولهم الأعظم عليه السلام في التعامل مع أهل الذمة- يهود المدينة- ممّن لا يوفون بوثيقات العهود، التي قطعوها على أنفسهم في الدولة الإسلامية، التي هم من رعاياها، إذ أثبتت القرائن تورطهم في أعمال الهجرة والدعم المالي واللوجستي والتجسّسي لصالح حكومة (تل أبيب)، واستمرت رعاية اليهود للقذافي منذ استيلائه على الحكم، وأمدّته بكل الخطط الأمنية، لتكوين جهازه الإستخباراتي والبوليسي على أكفأ درجة من الكبح والقمع وانتفاء التهاون والتسامح مع خصومه في الداخل والخارج.
بعدما أُكتشِف النفط في باطن الصحراء الليبية، أُجريت عليه عدة دراسات استكشافية، خصوصاً عن كم الاحتاطي المُخزَّن منه في جوف الأرض، وفي أول الدراسات من هذا النوع، تمت المعادلة بين سكان ليبيا ونسبة تزايدهم السنوية، ومعدل الزيادة الثابت لكل عقد من الأعوام، فوجد أنّ تزايد الشعب الليبي وازدياد حجم مصروفاته من هذه المادة الخام، يعطيان معلومة غاية في الأهمية، وهي أنّ النفط ستُستنفِد أخر قطرة منه بعد مرور سبعين عاماً من أوان استخراجه، وبعد ما يُداني ست سنوات أو سبع، من إلقاء أول دلو في آبار النفط الليبية، جيء بـ(القذافي) الغرِّ على عجل، بطريقة سافرة، على ما فيها من حقائق، تفضح بطلان ثورته، ولا تقنع ذا عقلٍ بقدرته على إنجاح هذا الانقلاب على الرغم من وجود كفاءات ورتب عسكرية أعلى منه قدراً وشأواً، فالإتيان بشاب صغير في مقتبل العمر له مؤديان، أولهما هو التحكم به وتشغيله كزنبرك يُدار عن بُعد لمصلحة نسل بني قريظة والقينقاع والنظير، الذين لا يختلطون بجيرانهم، ولا يقيمون إلا داخل القلاع ووراء الأسوار الشاهقة، أي كما يتخذ هو وأبناؤه (المنجوهين) من باب العزيزية حصناً لهم، يحيكون من داخله الدسائس، ويقيمون فيه حفلات الاستهزاء بالشعب الليبي، وثانيهما هو ضمان تبديد وتبذير هذه الثروة بالثورة المزيفة التي أُعلِن عنها في سبتمبر 1969 ميلادية، لفترة طويلة باستمرار حكم القذافي، الذي كلما تقدّم به العمر ازداد عتواً وفساداً، فأنجز أربعين سنة من هذا المخطط الدنيء على أفسد وجه، وعلّم أبناءه من بعده فنون تبذير هذه الثروة، وإلا لماذا لم ينهِهم عن سفاهتهم؟.
وبعد اندلاع ثورة 17 فبراير المجيدة، ولأنّ الغباء ملازم للملازم "معمر" في سيرته الذاتية- وسيتبيّن لنا بالرهان الساطع، لمَ هو غبي؟- تذكر بأنه ما يزال متبقياً من احتياطي النفط في بلاد الشعب الليبي- بناء على التقديرات الأولية، التي صاحبت موعد قدومه إلى السلطة- مخزون يغطي مدة عشرين من السنوات، لذلك نراه ليقينه بنهايته الحتمية، يحاول ويداوم على استنزاف مقدرات شعبنا، بتدمير البنية التحتية والفوقية، وتخريب كل ما تفاخر به من منجزات، لتصبح ثورته المزعومة ثورة خرابات لزعيم قذر، فالقذافي السايكوباتي والمازوخي- مرضان نفسيان، لا يرفعان على المصاب بهما جنية ما يقترفه من جرائم- يريد أن يخرج من ليبيا، ولا يبقي ولا يذر على أية بارقة أمل للشعب الليبي، لكي يفرغ للملمة جراحاته وانكساراته، وإعادة إعمار البلاد بما تبقى لديه من مخزون عشرين سنة نفطية، وما إصراره- كعسكري فاشل، لم يتدرج في تراتبية عسكرية، حتى يضع على كتفه (صقر ودبورتين)- على إرسال مواكب التقتيل إلى المدن الليبية، وهو يعرف بأنها ستدمر لا محالة، وسيخسر الحرب، عاجلاً أو آجلاً، إلا دليل على هذه الحقيقة البيّنة، كما قرص الشمس في رابعة النهار، فهو يبتغي أن يجعل بلادنا جرداءً ويباباً من المقدرات والإمكانات، فالغبي لا يعرف ولا يؤمن بأنّ الله قادرٌ على أنْ يعوّض الليبيين ويفتح عليهم من رزقه كنوز جـِنانه، كما فتحها عليهم بعد جهادهم الأول ضد الطليان.
فات الأوان للتسامح مع القذافي، فحتى وقت قريب، كنت أرى بضرورة إيجاد فـُرجة تحت أسوار باب العزيزية، ليست فيها مصيدة للفئران، كي يفرّ منها هذا الفأر الفار من وجه العدالة، حقناً للدماء المحتقنة عليه، لكني الآن أدعو إلى ضرورة ضبطه والقبض عليه، بعدما ثبتت خيانته.
بقلم : زياد العيساوي
بنغازي: 22/5/2011





سيناريو النهاية .. هل سيمكن الغرب الليبيين من القذافي؟

بدايات ونهايات
لكلِّ بدايةٍ نهاية، تفصلُ بينهما حكاية، تُروى بألف رواية، نجدها في صفحات الكُتب، تحتمل الصدق والكذب، والإيجاز والتفصيل، والأخذ والعطاء بالتأويل، فمثلاً: بداية الكلمة حرفٌ، ونهايتها حرفٌ آخرٌ، وما بينهما معناها، وبداية الجملة الاسمية المبتدأ ونهايتها الخبر، فهذا هو مبناها.. أما الإنسان، فيُخلـَق من العدم من نطفة أمشاج في رحم أمه، ثم تلده ويعيش عمراٌ قدّره له المُصوِّر، ثم يموت ليكون موتـُه، نهاية َالبداية في الدنيا، وبداية ًأخرى لا نهاية لها، يوم يُبعَث في يوم الحساب من رميم، ليخلد في النعيم أو الجحيم، بحسب عمله في حياته الأولى.
نهاية البداية
للبداية حكاية غير كل حكاية، ابتدأت في يوم الاثنين، الموافق 1/9/1969ميلادية، حفلت بأحداث جـِسام، مرّت على هذا الشعب، كأسود فترة في تاريخ الشعوب، إذ تجاوزت عمر استعمار الطليان لبلاده، وشهد فيها الليبيون، الصورة المطابقة لنهاية فترة قبلها، لِما تعرّضوا له، من تشريدٍ وتقتيلٍ وحرمانٍ وعوز، في فترة الاستيطان الفاشستي، في فصل آخر، كان بداية لنهاية حكم الطليان من جديد، بعد أنْ لاقوا على يد "القذافي" ومن لفّ لفـّه، من قليلي الشرف ومنعدمي الضمائر، الشيء نفسه، مما نالهم من الطليان، وكان يوم 17 فبراير 2011 بداية (نهاية البداية) لمرحلة محكوميّة هذا النظام الجائر للشعب في ليبيا.
بداية النهاية
غني على البيان، التحدث عن بداية نهاية حُكم "القذافي" لليبيا، فكما أسلفت، قد سطّر حروفها ثوّار 17 فبراير، وقد ملؤوا صفحات كتابها المفتوح على الاحتمالات كلها، بشعارات بريئة، فيها توقٌ للحريةِ، وفي دمائهم البريئة والزكية مدادُ الحرف الأول، والأخير إنْ كتب الله لهم السُّؤدد، وفي المُجمل لقد خطّوا حرفها الأخير، القاضي بزوال رأس هذا النظام المُتسرطِن مع اختلاف نوعية ونموط الخطوط، غير أنّ كيفية القضاء على هذه الرأس الخربة، تظلُّ مجهولة حتى الآن، لأنّ بداية هذا النظام، كانت بداية دولية، قد حتـّمتها مصالح الشركات الدولية ورؤوس الأموال، التي وظّفت هذا المعتوه، لأجل الحفاظ على مصالحها، ولو أدّى ذلك إلى سحل الشعب الليبي، على مدى، ناف عن أربعين سنة، حيث أتت به صغيراً، لم يتجاوز السابعة والعشرين من عمره، ضامنة بذلك، بقاءه في السلطة لفترة أطول قبل أنْ يهرم ويشيخ، وحرصت على حمايته واستمرارية منظومته المخترقة بفيروس الفساد، ما وفر لأسواقها الاستقرار لأبعد مدة ممكنة، وقد نجحت في ذلك، حيث قام الموظّف "القذافي" بواجبه ومَهمّته المنوطين به، من قِبل هذه الجهات الخارجية، على أفضل وجه، وهذا ما صرّح به ما يُسمى بالمتحدث باسم وزارة الخارجية الليبية "كعيم" حينما جاء في معرض حديثه لوسائل الإعلام في أحد المؤتمرات الصحفية الفاشلة: "القذافي صناعة دولية"، وأرجو ألا يظنّ البعض، بأنّ "كعيماً" عنى أممية قيادة "القذافي"، فقد أثبت بما لا يدع مجال للريبة، أميته، للحدّ الذي جعل هذا الذي يُسمى بالقائد الأممي، هدفاً لأمم العالم مجتمعة، فتحالفت ضدّ أميته وجهله وحماقته، أي بقصد، أنّه صناعة (بيتروكيمياوية) دولية، حرص على مدّ بترول ليبيا لهذه الشركات المتسلطة، وأما كيميائيته، فلم تكن إلا ذات تأثير سام، ولم ينل منها الشعب الليبي، سوى الأمراض والموت الزؤام، فانعكست على الليبيين في مجالات الحياة كلها بالسلب.
إنّ بمطالعتي لمجريات الأمور، وسماعي لنبض وخفق قلوب شباب هذه الثورة المجيدة، وملامستي لإصرارهم، وثقتي ببسالة وعنفوان هذا الشعب، الذي أوقد شرارتها، وما قام ويقوم به "القذافي" تِجاهها بكل ما أوتيّ من قوة، حيث إنه لم يفتح للدبلوماسية بابها، الذي كان عليه أنْ يشرعه منذ أول أيامها، فلم نشاهد أية مبعوثية دبلوماسية عربية ولا أفريقية ولا دولية، تزور خيمته (خيبته) ليتناقش معها حول سُبل تهدئة الأمور، والأخذ بمطالب الثوّار، وفئات الشعب الليبي كلها، فقد أوصد الأبواب والنوافذ جميعها، كي لا تهب عليه رياح المناشدات، ولا يتم تضييق الخناق عليه من أي طرف ذي صلة، ولكي لا يخرج في صورة من أُقيمت عليه الحُجّة، فيظهر أمام الملأ في هيئة المُتعنِت والمُتسبِّب في الأزمة الليبية بتشنجه، وقد عُرف على "القذافي" منذ أمد بعيد، غباؤه وزيف صلابته وعناده، فعناده هو تعنـُّت- والتعنـُّت هو عنادٌ على الباطل- عادة ما ينتهي به إلى الخضوع للقِوى الأقوى، كما حدث في قضية (لوكربي) بعد تصميمه لتصاميم التصميم الزائف والمخادع، وقبلها عدوله عن التمادي في الحرب، التي شنّها على (تشاد) في الوقت الذي انطلقت فيه المناشدات الكثيرة، طالبة منه إيقاف الحرب على هذه الجارة المسلمة، فقد تعنـَّت تحت شعار الحقوق الكثيرة والكبيرة لليبيا في هذه البلاد، لكنْ بعد تدخل قوى خارجية في تلك الحرب (فرنسا وأمريكا) سُرعان ما رضخ وقبل بوقف إطلاق النار، وكفّ آلته العسكرية وأعاد انتشارها إلى معسكراتها وثكناتها، بعد عشر أعوام من قيام تلك الحرب، تاركاً الأسر الليبية، تتجرع وحدها، ويلات حماقاته ونزواته في تلك الأزمة الحربية.
مخرج الأزمة
الشاهد، بعدما رشح عن هذه الثورة المباركة والأزمة الآنية من مصائب، سبّبها بالدرجة الأولى "القذافي" نتيجة لتعنـُّته وإفلاسه السياسي والعقلاني، سوف لن يُترَك لليبيين فرصة لإسدال الستار عن حلقتها الأخيرة، فبتصوري المتواضع، أنّ الغرب سيقوم بإيجاد المخرج اللازم له، بعد أنّ مدّ معهم أنابيبه الضخمة تحت سطح الأرض، لغرض تدفق سوائل التفاهم- التي أذابت صخرة تعنـُّته بفعل الضربات الجوية لقوى التحالف، وزحف الثوار الأشاوس على قلعته الأخيرة- والمفاوضات لأجل ذلك، عقِب أقفاله لها في بداية هذه الثورة، وبعدما تأكد بنفسه من فشل كتائبه، التي كتبت بمداد من ظلام صفحاتِ أسود فترة في عمر ليبيا، بعدما عرّّض فيها هذا الكائن العجيب، الشعب الليبي لأبشع الجرائم.
خلاصة القول
 إنّ الغربَ سيعمل جاهداً غير مُجاهِدٍ، على إيجاد المخرج الآمن للقذافي، حال صحوته من أوهامه، وإدراكه للموقف البائس الذي هو عليه الآن، ولا يُحسد عليه- في مؤتمر (أبوظبي) الذي من المتوقع أنْ تحضر فعالياته خمس وثلاثون دولة، لمناقشة الأزمة الليبية الراهنة، في القريب العاجل، وإلا فسوف يقوم بنفسه باستهدافه، لتغيب معه حقيقته، والسرّ الكامن وراء إجرامه بحقِّ الليبيين، فبموته سوف ينتهي سرّه، واضعاً بذلك حدّاً، لأنْ يكتب الليبيون نهاية بداية الثورة وحُكم هذا الخائن.
على أية حال، إذا كان الغرب هو من سيتولى دور المُخرِج لهذه الأزمة، فإنّ دور الثوّار، هو الأهم، لأنهم هم من أعدّوا وكتبوا السيناريو لها بنهاية مفتوحة قابلة لأي احتمال، ولا عرضٌ ناجح من دون سيناريو بديع.






الأربعاء، 18 مايو 2011

وادي المسك في الجماهيرية

دريد لحّام في شخصية تكميل
المجتمع الليبي في عهد "القذافي" هو صورة مطابقة بالتمام والتفصيل لسيناريو رائعة الأديب السوري الراحل "محمد الماغوط"، الذي نسج من أدبه الراقي، حدوثة مسلسل (وادي المسك) واختار بكل عناية، شخوصَ حبكته الدرامية، برسمه للمجتمع الخلاق، الذي كان يعيش في دعة وسلام واطمئنان وفقاً لنظام اجتماعي سليم، يعرف فيه كل مواطن من تلك الحارة حقوقه والواجبات المنوطة به، ودوره في هذا النسيج، الذي استمر على ضوابطه، سكان هذا الحي النموذجي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حتى صارت سيرة كل واحدة منهم عطرة مثل المسك، وربما تسمية المسلسل بهذا الاسم، أتت من هذه المرجعية، إلى أنْ قدم إليه شخص من خارجه، مزيف ومنتحل لشخصية أحد أبنائه (غوار الطوشه)، في هذا النسيج الاجتماعي، كان الشخص المؤهل في مكانه المناسب، ما أدى إلى خلق هذه الحالة التوافقية بين أفراده، فلا يُضام أحد ولا تصادر حقوقه، وينام وهو مطمئن البال على نفسه وممتلكاته.
على هذا الواقع، استمرت وتيرة الحلقات الأوليات من المسلسل، بإبراز الصورة المشهدية الرائعة، التي يسير عليها أهل هذا الوادي بالتراحم والتوادُّد فيما بينهم وإنزال الناس منازلهم، إلى أنْ هبط من الطائرة منتحل شخصية ابن الوادي (تكميل) وقبّل أرض الوطن، فانطلقت زغاريد شقيقته (كوكب/منى واصف) وصهره (المحترم/رفيق سبيعي) على هذه الفعلة النبيلة، التي تدلُّ على أصالة منبته ووفائه لتراب بلاده، وعلى الرغم من غيبته الطويلة، والبحبوحة التي عاد بها، إلا أنه رجع وهو يرتدي ملابس الوادي الشعبية ويضع عمامة على رأسه، فأكبر فيه سكان الحي هذه الخصلة النبيلة، واستقبلوه بـ(العراضة): "أهلا وسهلا باللي جاي" وهو نمط من الفنون الشعبية السورية، قريبٌ في إيقاعاته وأدواته من فنِّ (الغيطة) لدينا، وقبل حتى أنْ يخرجوا من المطار في سبيل عودتهم إلى الوادي، قام بتوزيع الهدايا على شقيقته وصهره وكل من استقبله، ووعدهم بالخير الوفير القادم وراءه، حينما يصل الشحن من بلاد الغربة التي عمل فيها لأكثر من عشر سنين.
وفي أول حلقة بعد وصوله إلى الوادي، قام "غوار الطوشه" المزيف "تكميل" بمحاولة التغلغل والانخراط في نسيج المجتمع والانصهار مع أفراده، ومعرفتهم عن قرب، بناء على تفاصيل شخصية كل واحد منهم، مما وصل إليه من خلال علاقته بـ"غوّار" الذي عمل معه، حتى استطاع أن يُبدّد شكوك خطيبته "يسرا" في شخصيته بعد أكثر من موقف تنكر فيه لذكرياتهما معاً منذ صباهما، وهي التي طال بها انتظارها له.
ومع تسارع الأحداث، استطاع تكميل أنْ يختبر نقاط الضعف في شخوصهم، ولكي يمرّر مشروع إفساده قرّب إليه القلة القليلة من أبناء الحارة خصوصاً من المجرمين والمرتشين، وكان على رأسهم "أبو عنتر" الحرامي الملقى وراء قضبان السجن بتنفيذ (المحترم) وبقرار من المجلس البلدي للوادي، لأنه على الدوام يخلّ بلائحة القوانين المعمول بها، ويخترق الناموس العرفي المعتمد في هذا الوادي، فعمل "تكميل" على إخراجه تحت ذريعة دراسة نفسانية قام بها لهذه الشخصية، وطلب من المجلس البلدي العفو عنه للاستفادة من كل القدرات المعطلة، لأجل تحريك دولاب التطور والنهوض بالمجتمع الناهض أصلاً، غير أنّ "المحترم" تصدى لـ"تكميل" فيما بعد من دون إعلان ذلك، ولكن من خلال مناهضته لأي قرار جديد يمسُّ بقدسية الدستور الشرعي أو يعدّل في مواده، ما جعل "تكميل" يحيك الدسائس، حتى عمل على تغييبه وراء قضبان النسيان والتجاهل، لأنه العقبة التي تقف حائلاً دون تطلعاته الشيطانية، وما أن تمّ له ذلك، عمل على أنْ يسلم دفة الأمن لهذا المجرم، ويجري انتخابات غير نزيهة، ليصل مرشحه ورجله المفضل "ياسينو/ياسين بقوش" الساذج إلى تولي سيادة المجلس البلدي، حتى يكون واجهة قانونية صورية لتسريب خططه ومشاريعه الفاسدة، ونفث سمومه في أوصال المجتمع، فتعفن هذا الوادي وصارت رائحة مسكه نتنة، وتداعت أركان السلم والأمن والشرف فيه، واستتبّ- من ثم- الأمر كله لـ"تكميل" وزمرته من الأذناب التابعة له، إلى أنْ اكتشف حقيقته ذلك الببغاء، الذي تربطه علاقة صداقة وطيدة مع "غوّار الطوشه" الحقيقي والمغيب، وفضح أمره، وعاد "المحترم"، وهو ينشد في أزقة حارة وادي المسك: "هيلا يا واسع.. هيلا هيلا".
الحياة في حارة وادي المسك قبل وبعد مجيء "تكميل" تشبه كثيراً حياة المجتمع الليبي، قبل وبعد استيلاء "القذافي" على السلطة، وإليكم الشواهد الدالة على ذلك:
قبل الانكلاب المشؤوم، كان لبلادنا دستور وضعي رفيع، استبدله "اللي ما يسمّى" بقانون وضيع، لم يستند إلى أية قواعد تنظيمية وتسييرية حكيمة، ولم تـُبتنَ وفق عقلية قانونية تريد بالبلاد خيراً، وإنما لتكون واجهة لتمرير حزمة من القرارات، التي تخلد الزعيم الأوحد على سُدة الحكم في ليبيا، وما فعله "القذافي" لأجل ذلك، يتماهى كثيراً مع سياسات وخطى "تكميل"، فالقذافي أقصى قصياً كل وطني شريف عن أي منصب، إما بإقعاده مع أهله في بيته والحجر على رأيه، أو بنفيه إلى المهجر، أو بإعدامه وبإلقائه في غياهب ودهاليز السجون، بعدما أفرغها ممّن هم أهلٌ لها من المسجونين وزبانيته، وسرعان ما أمّنهم على الحقائب الوزارية السيادية في أعلى سلطة تنفيذية، وسلمهم أمر البلاد والعباد، أي مثلما عمل "تكميل" مع "أبو عنتر" و"ياسينو"، كما أنهما انتهجا خطة اقتصادية واحدة، أرادا بها إفساد الواقع الاقتصادي، بالتمهيد لسياسة اقتصادية لم تتحدد ملامحها، ما إذا كانت تسير على القاعدة الرأسمالية الحرة أم الاشتراكية الشيوعية، فخرجت ظاهرة الطوابير وازدحام الناس عليها، ومثلما حدث مع "أبو قاسم" في مسلسل وادي المسك، حينما اعترض على قانون (تحميل) المواد الاستهلاكية، وإجبار المواطن على شراء غرض آخر ملازم له، هو من الكماليات وربما من الترف اقتنائه، حدث الشيء نفسه مع أحد الليبيين في فترة الثمانينيات من القرن المنفرط، وسأروي لكم تفاصيله، فلما أُلزم بائع الخيار "أبو قاسم" بشراء (مايوه) مع كيس الرغيف، وهو ليس في حاجة إليه، لأنه يقطن في حي شعبي لا شاطئ له، احتجّ قائلاً باللهجة السورية: "شو هاض.. اولك شي بيجنن؟!" اعترض طريقه "أبو عنتر" وتعرض منه لـ(طيّارة/زنقيرة) على قفاه، وساقه إلى المخفر، ولُفِقت له تهمة سياسية تؤدي إلى حبل المشنقة، ذكرني بأحد الليبيين، حينما علّق في مأتم: "واللهي يا جماعة الخير معش حصلنا خبزة امسقمة اللي في الكوش كلها محروقة.. والشخاشير الكورية اللي ايدهمولنا فيهن مع الجبنة ما ينفعنش وما شور شي بكل" فقبض عليها زوّار الفجر، بتهمة التعامل مع قوى أجنبية معادية، تبثّ إشاعات مغرضة، من شأنها أنْ تلحق الضرّر بأمن الجماهيرية واستقرارها، وتجعلهما في خطر داهم"، أي أنّ العسف متطابق في الحالتين، الدرامية والواقعية.
أيضاً فإنّ الصورة التي دأب "تكميل" على إظهار نفسه بها بين سكان الحي منذ أن حلّ بالوادي، هي أنه عربي أصيل ومحافظ على هويته، وأنه قومي ولسان حاله ونطقه، يجمع بين اللهجات العربية المتعدِّدة، فطيلة حلقات المسلسل، نطق بهذه الكلمات (قمعز) و(هاي) و(احنا) و(زين) وغيرها الكثير، كما درج على التزيّي بالملابس العربية التقليدية، من (الكوفية) و(العقال) و(الدشداشة) و(العمامة) وهذه الأعمال كلها، قام القذافي بها، من كلمات وملبوسات، غير أنه أضاف إليها الملابس الأفريقية التهريجية، مع احترامي لخصوصيات وثقافات الشعوب، ولا ننسى أيضاً عامل التسويف والمماطلة، التي انتهجها "تكميل" وهو قدوم الشحن من بلاد الغربة، لكي يسهم به في تطوير الحي وتحويله من حياة التخلف إلى المجتمع المدني الحديث، أي كما فعل القذافي وهو يمني الليبيين بوصول صاحب الزمان والمكان ابنه "سيف التسويف" ليقيم مشروع ليبيا الغد.
والسؤال الذي أختم به، ويطرح ويجمع نفسه: لماذا أصرّ تلفزيون "القذافي" في عقد الثمانينيات، على بثّ فقرات ومقاطع مطوّلة في فقرة الإفطار في شهر رمضان المبارك، الذي جعله شهر المآسي، من هذا المسلسل؟ هل لأنه كان يستخفّ بالليبيين، ويظنهم لم يلاحظوا مدى الشبه بينه وبين "تكميل" أم لأنه أراد أنْ يبعد الشبهة ودائرة الشكوك عن نفسه، بأنه أبعد ما يكون عن هذه الشخصية المدمرة، بدليل أنه لا يجد حرجاً في إذاعة هذا المسلسل في تلفزيونه؟.
بقلم : زياد العيساوي
بنغازي في : 18/5/2011







الثلاثاء، 17 مايو 2011

ثورة أنغام

الفنان الثائر والمقاتل: مسعود بويصير





ارتمى الجميع في أحضان ثورة 17 فبراير الدافئة، وساندوها بحسب جهودهم وتخصصاتهم واهتماماتهم، فناصرها المثقف والكاتب والشاعر والقاص والرسّام والرياضي والمهندس والطبيب والمعلم والأكاديمي والتاجر والحرفي وغيرهم، حتى ممّن عملوا في يوم ما مع النظام السابق، الذي خلعناه مثل ضرس صدئ، نخره السوس، في عملية غاب فيها المُخدِّر(البنج) الكامل والموضعي، على الرغم من المعاناة، التي تلقيناها، ليقيننا بأنه لا طائل من بقائه، غير الصداع والصديد والألم، وكنا براء من تناول المخدرات، التي اتهمنا بتعاطيها، فارتسمت روح الثورة في الكلمة واللوحة المُعبِّرة والمُحاضَرات والندوات المتواصلة ومداواة المصابين والجرحى، وغاب النغم المُعبر عن الألم، وعن الفرح، وعن التضامن مع هذه الثورة.
قـُبيل يوم 1/9/2009 ميلادية، أي في أخر احتفالية كبيرة لـ(اعميرينة) بعيده الأربعين، التي غاب فيها أي مظهر شعبي، على خلاف ما كان يحرص عليه دوماً، وهو يسوق الجموع إلى مثل هذه الاحتفالية، فقام بحصار مدينة "طرابلس"، وفرض عليها حظر التجوّل للمشاة، والتجوّال لذبذبات وأجهزة الاتصال، كما يفعل في هذه الأيام، حيث إنه منع أهلها من الخروج في ذلك اليوم، واكتفى بالعرض العسكري لكتائبه من جنود وآليات عسكرية، من ضمنها، منصات وراجمات صواريخ (جراد)، هي ذاتها التي نراها في هذه الأيام، وهي تدكُّ مدننا وقرانا الحبيبة، وأشرك إلى جانبهم بضعة (كراديس) عسكرية رمزية، تمثل كل واحدة منها، دول الاتحاد الأفريقي، تحت غطاء من طائرات دول من كانوا أصدقائه إلى وقت قريب من الرؤساء الأوربيين، في حضور بعض الرؤساء الأفريقيين والعرب، ولم أشكّ البتة في الغرض من ذلك العرض العسكري، الذي أقامه منذ سنتين، متواقتاً مع شهر رمضان المبارك، فقد أراد به إخافة الليبيين بحلفائه من الأمم الأخرى، فقبيل ذلك اليوم، بعث إليّ أحد رؤساء التحرير في الصحف الليبية رسالة، مدحني فيها وأطنب بالحديث عن إعجابه بمقالاتي الفنية المتصلة بالأغنية الليبية حاضرها وماضيها، ثم طلب إليّ، كتابة مقالة بهذه العنوان: "الأغاني الوطنية التي عانقت ثورة الفاتح" واعداً إياي بمكافأة مالية مجزية من نثريات هذه الاحتفالية، التي احتكرها "القذافي" لنفسه، لتحتفظ بها الذاكرة الليبية الجمعية، ولتثبت ملامحها للعالم، بأنّ مجيئه للسلطة، لم يكُ على أكتاف الليبيين، كما أيّ ثائر حرّ، بل على متن الدبابة مثل أيِّ انقلابي؛ فاستفزّني طلب ذلك المُحرِّر، وجعلني أردّ عليه مباشرة، إثر ورود تلك الرسالة إلى (إيميلي) من دون أي تحضير: "يبدو أنك لا تستحي"، مع أنني هادئ الطباع، ولست حاد المزاج ولا انفعالياً، لكني لم أتمالك نفسي، لكوني أحسَّست من خلال عرضه، أنه يعاملني معاملة المُرتزقة والمأجورين، أو أنّ أحدهم، هو من أوعز إليه بذلك، ليختبر ولائي للنظام لا للبلاد، بعدما شعرت بأنّ المقدمة الطيبة، التي جاءت في رسالته بخصوص مقالاتي الفنية، ما هي إلا مجرد نفاق واستمالة ليّ، إذ أنه لو قرأها جيداً، لما وجدني قد كتبت أية مقالة، تطرقتْ لأية أغنية من النوع الذي يقصده، فحتى أثناء تناولي لبعض الأسماء من الملحنين والمطربين في ليبيا، حرصت أشد الحرص، على تجاهل ما قدّموه من أعمال من هذا القبيل، على الرغم من محاولة وافتخار بعضهم بها، وإدراجها في قائمة الأعمال الوطنية، فمسكت العصا من منتصفها، لما انصبّ اهتمامي على ملكاتهم الفنية، وبعض أعمالهم الإنسانية فقط، لقناعتي بأنّ الأغنية الوطنية قد غُيَّبت، في عصر جمهرة و(تقذيف) الأغاني، لإفراغ هذا اللون الغنائي الإنساني والعاطفي من مضمونه، واقتلاع أي معنى للانتماء للوطن في الغناء، واختزاله في شخص "القذافي"، حتى اندلعت ثورة 17 فبراير، وفجّرت معها ثورة الأغاني، بعد أنْ أفقنا على أنه لا يوجد نشيد وطني واحد، يعبّر عنا مثلما يوجد في أي قطر عربي آخر، فنفضنا الغبار عن نشيد الاستقلال، ونشيد (سوف نبقى هنا/عادل المشيطي) الذي كان في يوم ما، زميلي في مدرسة أبي عبيدة بن أبي الجرّاح الثانوية ببنغازي، وأغنية (يا بلادي/أحمد فكرون) وقد ذكرت في إحدى مقالاتي، بأنها ستبقى وأغنية (بلد الطيوب/محمود كريّم) أغنيتي الوطن الأوليين، لصفائهما وخلوهما من أي دنس في الكلمة ونجاسة في اللحن، وهذا ما أكد عليه (تلفزيون) وقنوات النظام، إذ أنه ترك كل ما في مكتبته الإذاعية من أغانٍ تمجد رأسه، واستعان في ضائقته، بأغنيتي (يا بلادي) و(سوف نبقى هنا) ولم يكتفِ بذلك، بل إنه لشدة افتقاره حتى للهتافات ذوات المعاني المُحركة للمشاعر، راح يأمر الهتّافين التافهين التابعين له، بأنْ يرددوا ما يزلزل- في الأصل- أركان النظام من شعارات الثوّار، من مثل: "دم الشهداء.. ما يمشيش هباء".
هناك عنوان جميل لملحمة وطنية، اقترحه على فنانينا، خصوصاً من الأوائل، من مؤلفين وملحنين ومطربين، عنوانه (ثورة نغم) يستلهمون كلماتها من مشاعر ساحة الاعتصام، التي أُسميها (ساحة التغيير) وإيقاعاتها من رحلة الثوار من المنطقة الشرقية حتى طرابلس حينما يحين النصر، بالمناسبة أعجبتني أغنية (عاشت بنغازي والبيضاء) لفنان شاب التحم بثورة الشباب منذ تفجرها، وكذلك أغنية لفنان مقاتل، ردّ بها على "القذافي"- حينما ظهر على أسوار السراي الحمراء بطرابلس في مشهد أشبه بـ(هولاكو) وهو على أسوار بغداد-وهو يأمر حرسه: "غنوا وارقصوا وقاتلوا"، وهو يمسك الكلاشنكوف بيد، والقيثارة بيده الأخرى، و يغني:
سوف يبقى وطني قوياً .. سوف يبقى وطني عالياً
سوف يبقى وطني حُرّاً .. سوف يبقى وطني طليقاً..
يسبق كل احتفال بعيد أعياد (اعميرينه) هرجٌ ومرجٌ وتنافس بين المطربين، حول من أول من عانق انقلابه في مدينتي بنغازي وطرابلس، ولم يتم الفصل في ذلك بعد، ولعلّ هذه الحيرة، جاءت من صالح من فعل تلك الفعلة، ولو عن حسن نية، إذ لم تعرف الطويّة الخبيثة لصاحب ذلك الانقلاب بعد، من جرّاء رغبة الناس في الإصلاح آنذاك، حتى اندفعوا وراء موكب الانقلاب في شوارع البلاد، ولم يسأل أحدهم من يسير في جانبه: هل تنتظر إصلاحاً ممّن قام بانقلاب؟".
وإحقاقاً للحقِّ، ثمة مجموعة كبيرة من الأعمال الغنائية الباطلة، التي تغنت بالقذافي ومجدته، امتازت بألحان جميلة جداً، من مثل أغنية (شعوب العالم/محمد رشيد) و(ع الإنجازات/مصطفى حمزة) أراه لا يستحقها، وينبغي علينا ألا نمجدها بل نجمدها في رفوف مكتبته الإذاعية، ونقوم- فيما بعد- بإرجاعها إلى الشعب، فهو الخليق بها، بتغيير كلماتها، والإبقاء على ألحانها، وبخاصة أغنية (لما الشعب اختار الصعب)، غناء: "عادل عبد المجيد" ولحن "يوسف العالم".. لم أضع اسم الشاعر، لأنّ الكلمات لا تهمني، وقد اقترحت عليكم من البداية، إبدالها بكلمات عاطفية أو وطنية أو حتى للأطفال، فهي من ثروة الوطن المسروقة، ولا تقل قيمة عن أرصدتنا المالية المُودَعة والمُودَّعة في أفريقيا وبقية قارات العالم.
زياد العيساوي
بنغازي:17/5/2011






















































الاثنين، 16 مايو 2011

الفائح أبداً

بنغازي في : 15/5/2011
على الرغم من إعجابي بأحد الليبيين المُفوَّهين وغير المُفوَّضين من المُقيمين بالخارج، إلا أنه عند حديثه في قناة (الحرة) الأمريكية عن إرهاصات ثورة 17 فبراير ومسبباتها، أرجعها إلى أنّ بنات ليبيا، أبلغنّ شبابها، بأنهنّ سوف لن يقبلنّ مهورهنّ إلا من ثوّار تونس ومصر، ما لم يثوروا على "القذافي"، وأظنه قد بالغ كثيراً في روايته، بل إنه اختلقها من عنده، إذ أنّ ذلك لم ولن يحدث، وإذا قرأ هذه الكلمات، فسوف يعرف من قصد "فريد الأطرش" بغنائه من بين ثوّار العرب:
سائلي العلياء عنّا والزمانا
هل خفرنا ذمة مُذ عرفانا؟
المروءات التي عاشت بنا
لم تزل تجري سعيراً في دمانا
***
ضحك المجدُ لنا لما رآنا
بدمِ الأبطالِ مصبوغاً لوانا
عرسُ الأحرارِ أنْ تسقي الأعداء
أكؤوساً حُمراً وأنغاماً حزانى
***
ضجّت الصحراءُ تشكو عُريَها
فكسوناها زئيراً ودُخانا
مُذ سقيناها العُلا من دمِنا
أيقنت أنّ معدّاً قد نمانا
انشروا الهولَ وصبّوا ناركم
كيفما شِئتم فلن تلقوا جبانا
***
شرفٌ للموتِ أنْ نطعمَه
أنفـُساً جبَّارة تأبى الهوانا
وردةٌ من دمِنا
لو أتى النار بها
حالت جنانا
***
قــُم للأبطال نلمس جرحهم
لمسة تسبحُ بالطيبِ يدانا
قــُم ندعو يوماً من العمرِ لهم
هبّه صومَ الفصحِ هبّه رمضانا
إنما الحقُّ الذي ماتوا له حقـُّنا
نمشي إليه أين كانا..
في عهد (الفاتح أبداً)- المؤبد إلى الأبد في مزبلة التاريخ ومقبرة الجغرافيا، بنصِّ حكم الشعب الليبي عليه، في البيان الأول لثورة السابع عشر من فبراير- فاح الظلم إلى حدِّ الاختناق بثالث أكسيد كربون النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم تتنفسه حتى الأشجار، وعطسته من ثغور وريقاتها، فاسّودَّت كما اسوداد زهور أبناء ليبيا على ظهر(الحصان الأسود*)، تاركة اخضرارها لمن زاحمها ونازعها، فنزع عنها هذه الخاصية- سوَّد الله وجهه- فأصبحت تسّاقط بنفسها في شوارع مدينتنا، احتجاجاً على استمرار هذا العهد البغيض، شاهدة على عصر الجماهير المسحوقة والمسحولة.
في عهد (الزحف الأخضر) زحفت الزواحف، وامتدت الزعانف الخطّافة على أرضنا، فلم تذر لا أخضر ولا يابس، ولم يفـُح في الجو عطراً، فشلّ الفشلُ بهذا الزحف قدراتنا، حتى عجزنا عن غرس ياسمينة واحدة على أرصفتنا ناطقة بأبلغ تعبير، بالعبير النافث والطارد لنتانة الظلم الفائح والفاضح لهذا الكيان، الذي حكم البلاد بالاضطهاد، بل إننا عجزنا حتى على غرس النخيل، الذي بات ما تبقى من أشجاره في شوارعنا، مثقوب الجذوع ومنخور التمور، يشكو لله، الظلم الذي أطبق على حياتنا، ولم يستحِ هذا الكيان السياسي من هذه الشجرة المباركة، لما استبدلها بالنخيل الصناعي المحشو بالأسلاك الكهربائية لا (اللاقبي) ليزيّن به البلاد في أعياده ومواسمه غير الطبيعية، فتتزيّ بالبهجة المُصطنـَعة.
تشرف الموت بهم، أبطالٌ علقوا على صدر الموت أوسمة، هبّوا إليه مُقبلين لا مُدبرين، وثبتوا على صدر كلِّ ليبي وليبية، وردة غير كل الورود، في تربـِنا زرعناها، ومن دمِنا رويناها، ومن لونه خضّبناها، وبفوح الروح الطاهرة الوضّاءة، أزلنا الثالوث الملوث (القمع والجهل والاستبداد) عن هوائنا، وأزحنا عن أرضنا "القذافي" وأبّدناه إلى غير رجعة، ليكون كيانه عهداً بائداً ومُباداً بعبق الحرية الطاغية على الطاغية وزمرته الباغية، ولتتحول بلادنا من عهد الفاتح أبداً إلى الفايح أبداً.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): معتقل لسجناء الرأي في طرابلس













الجمعة، 13 مايو 2011

تقرير ميداني عن نشاطات سكان حي العيساوي / البركة

عانق سكان حي العيساوي بالبركة، أحضان ثورة 17 فبراير، منذ اليوم الأول لها، وقدّموا لنصرتها الشهيد تلو الآخر، ولعلّ الملحمة، التي وقعت عند كتيبة "الفضيل بو عمر" الواقعة في حي (البركة)، خير شاهدٍ على هذه النصرة، حينما التحم معهم شباب الأحياء الأخرى من مدينة "بنغازي"، والمدن المجاورة لها، من "إجدابيا" و"المرج" و"شحات" و"البيضاء" و"درنة" و"طبرق"، وودَّعوا شهداءهم في مواكب الفرح بالزغاريد ورش الورود على جثامينهم الطاهرة، وبتقديم التهاني والمواساة والعون لذويهم. وشاركوا كذلك بصغارهم يتقدمهم كبارهم، في تنظيم التظاهرات والمسيرات الشعبية الكبرى، المؤيدة للثورة المُضفَرة، بحول الله، بكلِّ فاعلية وجدّيّة، وتمّ تشكيل خلية عمل، تحت مُسمى اللجنة المؤقتة، لإدارة عددٍ من المهام المُتعلقة بالمصلحة العامة، وقد خُصِّص مقرٌ لأعضاء هذه اللجنة، تلتحم فيه بسكان الحي، لمناقشة وحلّ المشكلات اليومية، التي تقابلهم وتتعرض لهم على مدار اليوم، والاستماع إلى المقترحات والمشورات من الأهالي، وكل ما من شأنه، أنْ ينهض بالخدمات الحيوية. وهذا جانب من بعض الفعاليات، التي أشرفت عليها هذه اللجنة المؤقتة ورعتها:
الأستاذ "عبد الله البرناوي" أحد أعضاء اللجنة المؤقتة بالحي لحظة الإعداد لمظاهرة مؤيدة للمدن المحاصرة




أطفال حي العيساوي يهتفون : تحية إجلال لأحرار مصراتة والجبل الغربي


جانب من حملة التنظيف بشارع جمال عبد الناصر



العمل جاري على قدم وساق لتنظيف داخل الحي


لدى وصول سكان الحي إلى مستشفى الجلاء مُحمّلين بالهدايا للجرحى


صورة جماعية لسكان الحي في زيارتهم لمستشفى الجلاء يتقدّمهم علم الاستقلال



عميد الحي الحاج "عبد القادر التركي" يطمئن على أحد المصابين بمستشفى الجلاء

سكان الحي يلوحون بشارات النصر أمام مستشفى الهواري لدى زيارتهم للمصابين


الامتنان يبدو بادياً على محيا المصاب


الزيارة ترسم ابتسامة على وجه أحد المصابين


عند مركز بنغازي الطبي تبدو روح التكافل الاجتماعي ماثلة

السيد محمد العيساوي داخل حجرات المركز الطبي والمواساة تبدّد الألم وتترك انطباعاً طيباً

حملات النظافة والتنظيم: حُدِّد يوم السبت من كل أسبوع، كيوم للنظافة العامة، فانطلقت في الأسابيع الفائتة، حملات للنظافة ، التي تبدأ من مفترق المدينة الرياضية وشارع "جمال عبد الناصر"، وبالتحديد من مبنى (السيلس) وحتى ميدان الفضيل بو عمر، مروراً بحي العيساوي، خلال الفترة الصباحية. أما حملة النظافة، داخل أرجاء الحي، فقد خُصِّص لها أيام الأحد والثلاثاء والخميس من كل أسبوع، وقد تنادى إلى هذا العمل التطوعي سكان الحي، كابر عن كابر، من الشباب وفي مُقدمتهم كبار السن، وقد كُلِّف كلُّ من تطوّعوا بسيارات النقل الخاصة إلى عدة دوريات وورديات، لنقل القمامة إلى مكباتها العامة، التي خصّصها جهاز حماية البيئة.
وللسلامة العامة، قام سُكان المنطقة بفتح باب التبرعات المالية، لتوفير أدوات التنظيف، ومواد الطلاء، لدهن رصيف شارع "جمال عبد الناصر" باللونين الأصفر والأسود، المُعدين لذلك، وبالأبيض والأسود لأرصفة الشوارع الفرعية، وقد قاموا بحمد الله، يوم الاثنين الموافق 9/5/2011 بهذه المهمة على أكمل وجه، وسيقومون في الأسبوع القادم بعون الله، وعلى نفقتهم الخاصة وبمجهودهم الذاتي، بصيانة وإعادة تأهيل مبنى مركز شرطة البركة، حتى يعود لحفظ الأمن، والسهر على راحة السكان، إيماناً منهم بضرورة توفير الأمن، وإعادة ثقة المواطن برجال الشرطة، وتمكينهم من مزاولة عملهم في ظل دولة القانون والعدل المنشودة.
الجانب الثقافي: لم يغِب عن ذهن هذه اللجنة، أهمية الجانب التثقيفي والتوعوي، فجعلت من يوم الأحد من كل أسبوع، في الفترة الممتدة بين صلاتي المغرب والعشاء، موعداً للمحاضرات الدينية بمسجد أبي الدرداء الواقع ضمن نطاق الحي، كما أفسحت المجال لأساتذة الجامعات، للتثقيف السياسي لأهالي الحي، وتعليمهم معنى المجتمع المدني وما ينبثق عنه من مؤسسات، لخلق الإنسان الواعي بحقوقه والواجبات الملقاة على عاتقه، للحفاظ على هذه الثورة الوليدة، وهذا بيان بالمحاضرات التي نظمتها هذه اللجنة حتى الآن، والبقية تلي:



1 - المحاضرة الأولى لفضيلة الشيخ "محمد التائب".

2- المحاضرة الثانية لفضيلة الشيخ "عز الدين اشلاك".

3- المحاضرة الثالثة بعنوان : المجتمع المدني، وقد قدّمها الأستاذ "غازي بن أحميد".
الزيارات الميدانية: كما للجانب الخدمي والتثقيفي، دورٌ فاعلٌ في تعزيز الجبهة الداخلية للثورة، فإنّ للدور الخيري والاجتماعي أهمية كبيرة في تدعيم اللحمة الوطنية، وشدّ ورصّ البُنيان بين مكوِّنات الشعب الليبي الواحد، في مدِّ الأواصر بين الليبيين، ومن هذا المنطلق، يقوم سكان الحي بزيارة وعيادة الإخوة المصابين والجرحى- الذين نزفوا دماءهم الزكية، ليرووا بها تراب بلادنا الغالي- بمستشفيات المدينة من القائمين بها، والوافدين إليها من المدن المنكوبة، كمدينتي "مصراتة" و"إجدابيا" لإشعارهم بأنهم بين إخوة لهم، وقدَّموا إليهم خلال هذه الزيارات بعض الهدايا المتواضعة في قيمتها المادية، والغالية في قيمتها المعنوية على نفوس هؤلاء المصابين، شفاهم الشافي، وأعادهم إلى أهاليهم سالمين غانمين، ومن ضمن هذه المستشفيات التي قام سكان الحي بزيارتها (الجلاء) و(الهواري) ومركز بنغازي الطبي، ولم يكتفوا بذلك وكفى، بل إنهم، ولأصالة معادنهم ولروح الثورة المندلعة في أنفسهم، ولمؤازرتهم للثوّار، حتى يستمروا في مقاومتهم وهم مرتاحون، تكاثفوا وتكافلوا اجتماعياً مع المرضى في مراكز تأهيل المعاقين، والمسنين في دور العجزة والرعاية الاجتماعية، بزيارتهم لهم، مُصطحبين معهم أطفالهم، فأضفوا على هذه المؤسسات الصحية، قدراً من الألفة والمحبة والتآزر.
"الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر":
 تحت هذا الشعار ،سيكون من ضمن النشاطات المُقبلة، التي ستقوم بها هذه اللجنة، إقامة دوري في كرة القدم، باسم شهداء الحي ومنطقة البركة، الذين سقطت أجسادهم، وصعدت أرواحهم إلى بارئهم، نسأل الله أنْ يتقبلهم من الشهداء والصدِّيقين، وينزلهم منزلاً حسناً في أعلى عليين، تخليداً لأسمائهم، وليكونوا بهذا التكريم قدوة حسنة للأجيال القادمة من بعدهم، وستشهد الساحة المقابلة لنادي النصر بالبركة، فعاليات هذا الملتقى الرياضي.
أخيراً وليس أخراً، فإنّ اللجنة المؤقتة لحي سيدي داوود بمنطقة البركة، تهيب بأحياء بنغازي السكنية كلها، إلى أن تحذوا حذوها، وتتبع هذا النظام والبرنامج التطوعي، حتى تسهم في إظهار المدينة في أحلى حُلة لها، ونـُعجّل بإنجاح الثورة المباركة، حينما يبسط الثوّار سيطرتهم على مدن ليبيا كافة.
عاشت ليبيا حرّة وموحدة وعاصمتها طرابلس والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار...